الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا قدّمت الوصايا العشر للبشرية ؟

اسكندر أمبروز

2021 / 9 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعلم كل مطلع على النصوص الدينية الخاصّة بأديان اله الدم الثلاثة عموماً , والثقافة اليهودية المسيحية خصوصاً , أن رسالة هذه الأفكار الدينية الميتافيزيقيّة يمكن تلخيصها في رسائل واضحة المعالم , متشعّبة النتائج والتداعيات الفكرية والثيولوجية , ألا وهي الوصايا العشر.

فلو طالب أحدهم أي شخص مسيحي بأن يقدّم له رسالة دينه للعالم , أو تلخيصاً سريعاً لأهم تعاليم دينه سيأتيه حاملاً بين يديه الوصايا العشر التي سنّها الهه الخيالي. وطبعاً عندما يسمع أحدهم أن هنالك وصايا وترتيب وتنظيم لهذه الأفكار من قبل اله كلّي الحكمة والمنطق والعدل...الخ , سيظن أن هذه الوصايا ستكون لا متناهية في الحكمة , وفيها خلاص البشريّة وتطوير لا محدود لها ولإمكانيات الجنس البشري , بحكم أن مصدرها الهي بزعم البهائم المؤمنين بها.

ولكن لو ألقينا نظرة سريعة على هذه التعاليم سنرى أن بعضها في منتهى السخف , وبعضها لا علاقة له أصلاً لا بتطوير الفكر البشري ولا بأي ارتقاء اخلاقي يذكر , وبعضها متوضع لحد السفاهة والبساطة كما سنرى الآن.

ولمن يريد أن يرى تقييماً لهذه التعاليم من الناحية الأخلاقية فعليه بهذا المقطع الذي قمت بنشره على اليوتيوب سابقاً هنا...
https://www.youtube.com/watch?v=GRz2L6I3Tow

ولكن ما سنقوم به اليوم لا يتعلّق بتقييم أخلاقي لهذه التعاليم , حيث قمنا بهذا الأمر سابقاً وقام به كثيرون أيضاً , ولكن ما سأركّز عليه اليوم هو وضع هذه القيم أو التعاليم في ميزان التاريخ , لنرى إن قامت بتقديم أي شيء جديد وإيجابي للبشريّة عبر العصور.

وطبعاً سنبدأ باستثناء 4 من تلك الوصايا بحكم طبيعتها الثيولوجية الخرافية والخيالية السخيفة التي لا علاقة لها بأي شيء أخلاقي أو منطقي أو فكري أو حداثي ثورجي ينقل البشرية من ظلمات الجهل والتخلف الى نور العلم والحضارة والتطور على جميع الأصعدة , فهي أي التعاليم ال4 المستثناة تقول...
- لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.
- لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ.
- لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا.
- اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ.

وفي جوهرها , تصرخ جميع الوصايا الأربع الأولى بأن "الرب إلهك" لديه غرور لا حدود له , ونرجسية لا متناهية , وعقلية طفولية سخيفة ومنحطّة تنزع عنه صفة الألوهية والنزاهة والعِظَم , ومثل معظم الديكتاتوريين , نرى "الله" أو "الثالوث" أو "يهوى" أو زفت الطين يلجأ إلى التهديدات , بدلاً من الإقناع الفكري , للترويج لوجهة نظره. وإذا كان هناك إله كلي القدرة والقوّة والعظمة , فكيف له أن يشعر بالقلق إذا كان هناك مخلوق صغير فقير تافه مقارنة به كالإنسان يتجول ويصنع صورة منحوتة ويهلوس لها صباح مساء ؟

ومن الواضح من الوصايا ال4 الأولى هذه أن هذا الكائن الأسطوري منعدم الأمان النفسي والعاطفي , ولديه من النرجسية والخوف والغيرة ما يسقط عنه صفة الألوهية مئات المرّات ويضعه في خانة المرضى النفسيين والمجرمين , وهذا يتجلّى طبعاً بتصرفاته المطابقة لتصرفات هتلر وستالين وصدام حسين وغيرهم من القتلة والسفاحين ومجرمي الحرب عبر التاريخ , فالإله هذا يتم اختصاره بتشكيل كيانه ليصبح سفّاحاً مجرماً من العيار الثقيل , وهذا طبعاً محصور في الطار الثيولوجي فقط , فكل هذه القصص هي خرافات طبعاً والله غير موجود وكل هذه القصص والحكايات المنسوبة له هي في الحقيقة خرافات وسخافات سابقة لأديان اله الدم بقرون وتم نقلها كما هي لاحقاً من قبل من صنع هذه الخزعبلات.

وهذه التعاليم كما رأينا لم تضف أي شيء ذو قيمة أو فائدة للبشرية. ولكن ماذا عما تبقى من تعاليم ؟

"أكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ."

هي الوصية الخامسة , وبغض النظر عن الهراء المتعلق بطول حياة الشخص المتناسبة طردياً مع نسبة الإكرام لوالديه , والتي تتنافى مع أي منطق وعقل وعلم والتي لا دليل عليها إطلاقاً , فهذه الوصية بالطبع امتداد للمنطق السلطوي وراء الأربعة الأولى.

فالإكرام لا يمكن أن يمنحه عقل صادق تلقائياً. والأشخاص الصادقين فكريا مع انفسهم ومع من حولهم سيمنحون التكريم والإجلال فقط لأولئك الذين يستحقون التكريم. والحقيقة البيولوجية للأبوة والأمومة لا تستحق التكريم في حد ذاتها , فالأبوة والأمومة ليست مسألة اختيار. وهي أمر إلزامي , يحدث لغالبيّة البشر , (بغض الطرف عن التبني طبعاً) من الناس في العالم.

فلماذا يجب أن يُطلب من أي طفل تكريم الوالدين الذين أصبحوا آباء عن طريق الصدفة , دون أي أساس أو شرط إضافي فكلنا نعرف أطفالاً تعرضوا لسوء المعاملة أو الضرب أو الإهمال من قبل آبائهم لا بل وتنص بعض النصوص الدينية السقيمة على ضرب الأبناء في حالات عديدة كما في دين بول البعير اللعين فيما يتعلّق بفرض هلوسة الصلاة مثلاً.

وما هو أساس التكريم هذا ؟ فكيف تكرم الابنة الأب الذي يضربها ويتحكم بها ليل نهار ؟ وكيف للإبن أن يكرم أمّه التي تتجاهله وتخرج تاركة اياه مع خادمة المنزل ؟ وكيف للبنت أن تكرم أمّاً أو أباً يوبخها وينسف أنوثتها وكرامتها في إجبارها على ارتداء الحجاب السقيم وما يمثّله من تحقير وتحجيم للمرأة ؟ وعلى ما يبدوا فإن هذه الوصيّة تحث على النفاق والكذب وإظهار ما يخالف المشاعر الحقيقية مع الأهل في مهزلة ومسرحيّة تنسف أي أسرة أو روابط أسريّة سليمة.

وعلى كل حال فهذه الوصيّة تقطر بدائيّةً وسخفاً , فإكرام الوالدين لم يكن محصوراً في إطار أديان اله الدم , فهو قيمة أخلاقيّة معروفة على مرّ التاريخ البشري قبيل العته البهيمي الصحراوي هذا , وموجودة لدى شعوب مختلفة في شتّى أصقاع الأرض أيضاً.

ومثلها مثل الوصايا الأخرى التي لم تأت بجديد على الإطلاق , كوصايا , "لَا تَقْتُلْ. لَا تَزْنِ. لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ شَهَادَةَ زُورٍ." كلها وصايا كانت معروفة ومنتشرة لدى أمم وحضارات سابقة لبهائم يهوذا بقرون , ومنتشرة على شكل مسلّمات بشرية وقيم أخلاقية بدائية تمثّل بداية صعود البشرية على سلّم التطور الحضاري والفكري والتي تعاملت معها الشعوب بمختلف الطرق من سن القوانين الى وضع الأسس الاجتماعية والقانونية للحد منها , ورغم أن هذه النصوص فيها نوع من الأخلاق إلّا أنها لم تنهض بالبشرية ولم تقدم أي تطوّر يذكر وجائت كنتيجة للأفكار الانسانية المنتشرة في تلك الفترة والمنطقة , عوضاً عن عدم كونها أفكاراً ثورية أو محرّضة على التغيير نحو الأفضل لتستحق مكانة مهمة في مسلسل التاريخ الانساني.

فمثل هذه النصوص كمثل شخص جمع أبناء قريته أو بلدته , واعداً بتقديم شيء عظيم وقمّة في المنطق والفلسفة , وبعد ان اجتمع الناس للاستماع اليه , بدأ بإعطائهم محاضرة عن أن الدجاجة تبيض !! فهذه المعلومة معروفة لدى الجميع , ووضعها في هذا الإطار التهويلي والمقدّس لن يعطيها قيمة أكثر من قيمتها الأصليّة , ولن تغيّر شيئاً لو تم تقديس هذه المعلومة ليل نهار ونقشها وتبجيلها في كل منزل ! فهي في النهاية من المسلّمات المعروفة.

وهذا بالضبط ما حدث مع الوصايا "الأخلاقية" السابقة , فذم السرقة والقتل والخيانة الزوجية في مجتمعات كانت تعلم حق العلم سلبيّة هذه الأمور , هو قمّة العبثيّة والعته الفكري والبدائية الفلسفيّة , فالفكر الذي لا يضيف شيئاً جديداً لا يستحق أن يُذكر ناهيكم عن تقديسه ووصفه بصفات لا يستحقها لا من قريب ولا من بعيد.

وأخيراً , تقول الوصية العاشرة : "لَا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لَا تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلَا عَبْدَهُ، وَلَا أَمَتَهُ، وَلَا ثَوْرَهُ، وَلَا حِمَارَهُ، وَلَا شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ."

وعلاوة على وضع الزوجة مع الحمار والثور في ذات البوتقة والنظرة الدونية للمرأة على أنها شيء يُشتهى ويمتلكه الجار , يضع الكتاب المقدّس الرغبة في الأمور الطيّبة في موضع الطمع بطريقة تجرّم الرغبات البشرية الطبيعية لتحسين وضع الشخص المادي والاجتماعي. وإذا لم يكن بإمكانك الحصول على منزل مريح أو مزرعة منتجة , فما هو الضرر المهول المرتبط في تمني ذلك ؟

وحتى لو كان الأمر مرتبطاً برغبات شريرة كالحسد وازالة النعم عن الجار , فما الضرر في تلك الرغبات ؟ فملايين الناس يتمنون الخراب والدمار للمشاهير والأغنياء مثلاً , ولكن ما لبث هؤلاء الا أن ازدادوا غنى وملكاً ! وما هو الدليل على العلاقة بين الرغبات في إزالة النعم وزوالها على أرض الواقع ؟ فهل يوجد مقياس رقمي لقوّة العين النووية مثلاً ؟ وهذا ناهيكم عن تمني الشر وزوال النعم جهاراً نهاراً وفي أعلى صوت من قبل بهائم بول البعير عن البشرية جمعاء عموماً والغرب الكافر خصوصاً , وما لبث العالم والغرب إلا أن ازداد قوّة وعظمة ! والأمر طبعاً مسخرة وخرافات متناقلة قديمة قدم الخيال البشري نفسه , ولا قيمة لتلك الوصيّة على أرض الواقع ولم تضف أي شيء يذكر للوجدان البشري وتطوّره.

وأتمنى أن لا يتبجّح المؤمن المسيحي أو اليهودي أو حتى البول بعيري بوجود هذه القيم والتعاليم أو الوصايا , فهي لا تدعم موقفه بل تضعفه , وهي حجّة على دينه وليست معه , فالأخلاق البشرية تجاوزت هذا العبث والسخف بأشواط , والمؤمن يعيش بفضل هذا التطوّر اليوم , ولو عاش على مبادئ بهائم يهوى لكانت حياته جحيماً بكل معنى الكلمة , وهذا ما نراه فعلاً لدى ناقلي وسارقي هذه الوصايا , من معاتيه أمّة بول البعير , فهم يحاولون السير عليها كمبادئ مطلقة والنتيجة...افغانستان , داعش , القاعدة , ودول مدمّرة حرفياً ومعنوياً , ولا حول ولا قوّة إلّا بالعقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر