الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون

محمد فُتوح

2021 / 9 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


لهذه الأسباب يكرهون ويقهرون النساء
-------------------------------------------
إن العلاقة بين الرجل والمرأة ، " إشكالية " معقدة ومركبة ، تحتاج إلى التحليل والتفسير . وهو الأمر الذى يستلزم الغوص فى أعماق الرجل ، لإكتشاف الأسباب والخلفيات السيكولوجية الكامنة فى اللاشعور ، والتى ترسخت عبر السنوات ، بفعل الموروث الثقافية ، على اختلاف تنوعاته ، من عادات وتقاليد ذكورية ، وأفكار مستمدة من الدين .
إن العلاقة التى تربط الرجل بالمرأة ، هى علاقة ( الحب – الكراهية ). فالرجل يحب المرأة ، ولا يستطيع الاستغناء عنها . وإن غابت أو توارت فى حياته ، فإن ذلك يؤثر بشكل كبير على حالته النفسية . فهو يحبها ، لأنها تمنحه الراحة والحنان والطمأنينة ، وأيضاً المتعة الجنسية . والجنس فى المجتمعات الذكورية يرتبط بالرجولة ، وهذه المجتمعات تنظر إلى الجنس ، على أنه نوع من الدنس والخطيئة .
الرجل حينما يمارس الجنس مع المرأة ، ينتابه هذا الشعور المتناقض ( الحب – الكراهية ) ، فهو يرى من جانب ، أن المرأة هى الطرف اللازم للعملية الجنسية التى تمتعه وتؤجج شهواته ، ومهما أراد الابتعاد عنها ، يجد نفسه – رغماً عن أنفه – منجذباً إليها . والتناقض الشعورى هنا سببه ، أن المرأة التى تسعد الرجل وتمتعه جنسياً ، هى نفسها التى يرى أن جسدها عورة ومدنس ، وأنها سبب الخطيئة والإثم والرذيلة والشرور على الأرض .
يسيطر أيضاً على الرجل فى علاقته بالمرأة ، شعور متناقض ، وهو ( الاحترام – الاحتقار ) . فالمرأة أم الرجل ، وكثير من الرجال قد تأثروا فى طفولتهم بأمهاتهم .
إن العديد من الدراسات النفسية ، تؤيد أن الرجل حينما يختار زوجة له ، فإنه بشكل لا شعورى ، يبحث عن المرأة التى تشبه أمه . والأم لها مكانة عالية فى مجتمعاتنا . فهناك الاحتفال بعيد الأم ، والأم المثالية ، ويقول الشاعر : " الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق " . وفى الإسلام ترتفع مكانة الأم إلى أعلى درجة ، فالجنة تحت أقدام الأمهات .
ليس ذلك فحسب ، بل إن اللغة العربية تحتوى على مفردات ، ترتبط بالأم التى تمثل الأصل والمنبع والأساس ، كأن نقول " الوطن الأم " ، "اللغة الأم " ، " أمهات الكتب " ، " أم المعارك " ، وغيرها . كل ذلك يؤكد عمق وكثافة وقوة العلاقة الوجدانية ، التى يكنها البشر للمرأة كأم . ومن هنا يأتى شعور الإحترام . أما شعور الاحتقار ، فسببه أن الرجل ينظر للمرأة ، على أنها أساسا ، يفرغ فيه رغباته ، وتوتراته الجنسية ، ثم بعد ذلك يلعنها بأحط الصفات .
أيضا ، يسيطر على الرجل ، بشكل واع ، أو غير واع ، شعور دائم ، بالغيرة من المرأة ، قلما يفصح عنها ، هذا اذا تأكد من هذا الشعور بداخله . حيث أنها تتميز عليه بالقدرة على الإنجاب ، فهى واهبة الحياة ، وحاملة لآليات وإمكانيات البقاء . أما هو الرجل ، فدوره يختزل ، فى كونه آداة للتخصيب وحسب .
إن الرجل حريص على أن يمتد نسله ويتسلسل – خاصة من الذكور – كميكانيزم نفسى لمواجهة الموت ، ورغبة منه فى الخلود . والمرأة هى الوحيدة التى تستطيع أن تحقق له هذه الرغبة ، وهذا الهدف . ومن هنا تكون غيرة الرجل ، أو ربما " الحقد " الدفين ، لأن المرأة لديها إمكانيات لا تتوفر له ، لتحقيق رغبته ، وهدفه .
وقد تعود كراهية الرجل للمرأة وغيرته منها ، إلى ارتباط الأطفال بالأم ، أكثر من ارتباطها بالأب . فهى تبثهم الحب والرعاية والعطاء بلا مقابل ، وبلا شروط . ويبدأ هذا الارتباط فى مرحلة مبكرة ، منذ أن يكون الطفل جنيناً فى بطن الأم ، ثم يتنامى هذا الارتباط ، ويقوى متجسداً فى الحب السخى غير المشروط ، الذى يتجلى فى التفانى فى إسعاد وتلبية الحتياجات الوجدانية والعاطفية ، للأطفال وحتى آخر العمر .
هذه العلاقة ، فهى أضعف بين الرجل وأطفاله ، والرجل يدرك ذلك ، حتى لو كان يعطى الحنان والرعاية ، والانفاق المادى . ويدرك الرجل أيضاً ، أنه فى حالات فقدان الأم بالموت ، فإن الأسرة تهتز ، وتتصدع ، وتتفكك عراها . ويلجأ الأب إلى الزواج ، واستبدال الأم الراحلة ، ب " زوجة أب " ، التى مهما حسنت نواياها ، ورعايتها ، فان الأسرة قد غاب عنها ، " الحب غير المشروط " ، و" المحرك الأساسى " ، و " الراعى الأصلى ".
أما فى حالة موت الأب ، فقد تهتز حالة الأسرة الاقتصادية ، ولكن الأم تحمى أطفالها ، وتحافظ على الأسرة من التصدع والضياع . سوف تبحث عن مورد للرزق ، ولن تفكر فى أغلب الحالات ، فى " زوج " بديل ، للأب الراحل . وهنا يصدق المثل الشعبى " الأم تعشش والأب يطفش " .
إن إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة ، وحالة سوء الفهم هذه ، قد تبدت فى أعمال وآراء كثير من الفلاسفة والمفكرين والشعراء . فالمرأة فى تصورهم لغز كبير ، يصعب على الفهم ، وهى كائن غامض ، وناقص ، ويتصف بالدونية .
أما الموروث الدينى ، فقد استدمجه العامة ، وهو يكرس لأفكار ضد المرأة ، ويعلى من قيمة الرجل ، " إن كيدهن عظيم " ، و " الرجل رأس المرأة " ، وتعامل المرأة على أنها " نجسة " مثل الدواب والأنعام ، تفسد الوضوء والطهارة ، و" أرض
جاهزة دائما ل" حرث الرجال " ، وهى " تقبل وتدبر فى صورة الشيطان " ، هى أصل الخطيئة فى الكون ، واذا تعطرت فهى فى حكم " الزانية " أو " العاهرة " ، التى تعرض نفسها ، لاغراء الرجال بالنكاح ، والمتبرجة " زانية " أو " فضيحة جنسية " تسير على قدمين ، والنساء ناقصات عقل ودين ، و " لا يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة " ، وأنهن خُلقن فقط ، من أجل طاعة النكاح ، وأن يكن جوارى ، وسبايا ، وكل ما فيهن هو " عورة " ، تناجى الغرائز الشريرة ، فلابد من تغطيتها ، الى آخر هذه الأفكار المشابهة المعروفة .
إن علاقة الرجل بالمرأة ، علاقة غير سوية ، يغلب عليها المشاعر المتناقضة ، فى مجتمعات أبوية ، تكرس لعدم المساواة ، وغياب العدالة ، وانعدام أبسط معانى الانسانية ، والمنطق السليم .
إن هذه المشاعر النفسية المركبة ، تتفاعل فى وجدان وعقل الرجل ، فتشوه وجدانه ، وتفسد عقله ، وتصبح المرأة الضحية الأولى ، لهذه الأفكار المضطربة والمشوشة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب شكلها وعمرها.. التنمر يطارد ملكة جمال ألمانيا الجديدة


.. 34 عاماً من النضال والتضحية... جثمان الشهيدة زوازن حسكة يوار




.. الرقة 28 4 2024فوزية المرعي مثال للعطاء ومسيرة حافلة في الا


.. الناشطة السياسية مي حمدان




.. الصحفية فاتن مهنا