الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناصب ومراكز

عزيز سمعان دعيم

2021 / 9 / 5
المجتمع المدني


لغتنا وكلامنا، رسالة.
أقرأ وأسمع كثيرًا مباركات واحتفاءات تُعلن تبوء إنسان معين ل "منصب" أو "مركز" ما.
من المهم أن ندرك معاني الكلمات التي نستخدمها والرسائل التي نُصدرها من خلالها.
فعندما نقول فلان صاحب مركز رفيع، فنحن نقصد إعلاء شأنه من حيث منزلته ومكانته المرموقة. وكذلك الأمر عندما نتحدث عن إنسان تعين أو "احتل" "منصبًا"، فنحن نتحدث عن تولي هذا الإنسان لمقام رفيع يحمل في طياته العُلى والرِفعة، المجد والشرف.
فباستخدامنا هذه العبارات "منصب" أو "مركز" ومشتقاتها وشبيهاتها، نحن نؤكد أنهم حصلوا على جائزة (منصب) لكي يُكرّموا دون أي توقع منّا تجاههم لأية خدمة، بل نؤكد أنه من واجبنا أن نقدم لهم الخدمة والإجلال لمجرد حصولهم على المنصب أو المركز، دون أي اعتبار لما يقدموه.
فكيف نتوقع بعد من أصحاب المناصب الرفيعة والمراكز المرموقة أن يخدمونا؟
فإن كُنّا نتوقع منهم خدمتنا والعمل لأجل المصلحة العامة للمجتمع أو المؤسسة وغيرها، علينا أن نستخدم كلمات أخرى مثل، فلان تعين في أو حصل على وظيفة مهمة أو عمل هام، لكي نؤكد أن هذا التعيين أو التوظيف من أجل خدمة من تحتهم في وظائفهم ومن يتولون هم أمرهم، لا العكس. ليس لكي ينتصبوا نُصبًا وينحني الآخرون حولهم، وليس لكي يتمركزوا فيصبحوا هم مركز اهتمام الجميع، بل لكي يقوموا بوظيفتهم الهامة وعملهم الخطير الذي يؤثر على حياة ومعيشة وتقدم كثيرين. فكلما علت مهام الوظيفة واتسعت أبعادها كلما زادت المسؤولية، وازدادت الضرورة للمهنية والجديّة جنبًا إلى جنب للإتضاع والمحبة كأمور لازمة للقيام بخدمة الآخرين. فالرّبّ يسوع قدّم لنا مثالًا ولا أروع ولا أعظم لنقتدي به:
"فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ». (مرقس 10: 42-45)
وعلى هذا المثال يتوجّه الرسول بطرس للقادة ليُدركوا عِظم المسؤولية والمُساءلة، وأهمية قيامهم بخدمة ورعاية الشعب:
"ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ. وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى." (1 بطرس 5: 2-4).
فإن كنت في "منصبٍ" رفيع أو "مركز" سام، افهم عِظم المسؤولية الكبيرة المُلقاة عليك، لكي تستطيع لاحقًا (بينك وبين نفسك وبينك وبين الله قبل كلّ شيء) أن تقف بضمير صالح مؤكدًا أنك عملت بنقاوة وبأفضل ما أوتيت من معرفة وحكمة ومشورة لخدمة شعبك.
فأنت قائد القادة، وخادم الجميع، وخادم الخدام، لتحقيق الأهداف السامية التي أوكلت لك، ولست أنت هدفهم أو محور خدمتهم.
ليباركنا الرّبّ ويزيدنا نعمة وحكمة وإثمارًا في خدماتنا للآخرين من أجل حياة فُضلى، لبناء عالم أفضل والمساهمة في مستقبل أروع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف