الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم النفس التجريبي- الفيزيقي/ الجزء الثاني

يوحنا بيداويد

2021 / 9 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


Experimental psychology

بقلم يوحنا بيداويد
https://youhanabidaweed.com/
1 ايلول 2021

نشر المقال في مجلة بابلون العدد 23 التي تصدرها نخبة من الكتاب والمثقفين في مدينة ملبورن

علم النفس التجريبي- الفيزيقي هو العلم الذي ظهر في القرن التاسع العشر، قام بدراسة تأثير علم الفسيولوجي على علم النفس الفيزيقي، اي تأثير التغيرات الفيزيائية على سلوك الانسان من خلال التجارب المختبرية، وبناء علاقات رياضية مع ثوابتها. رغم انها كانت محاولة رائدة لكن في النهاية اكتشف علماء النفس التجريبي لا يمكن ان يتقدم هذا العلم ويصل الى اعماق الذات الانسانية ويفهم مشاعر الانسان وعواطفه وكيفية تفاعلها الداخلي، بعد ان اكتشفوا انها لا تخضع الى التأثيرات الفيزيائية (الفيزيقية) الخارجية وانما هي خاضعة لتفاعلات المشاعر الداخلية.

بعد ظهور المسيحية ومحاولة اللاهوتيين التوفيق بين الفلسفة الاغريقية واللاهوت المسيحي، وبعد تبني الديانات الالوهية الثلاثة بوجود الله الذي خلق الانسان من شيئين الروح والمادة، توقف الفكر الانساني قرابة 1500 سنة من البحث في هذه المسار بسبب تبعية الناس الى الديانات. بالرغم من ذلك تناول بعض الفلاسفة هذا الموضوع بصورة هامشية، من اشهر الفلاسفة الذين تناولوا موضوع علم النفس في فلسفتهم او كتاباتهم بعد الاغريق هم فيلون الاسكندري، اوريجانوس الاسكندري، الطبيب جالينوس، افلوطين، اوغسطينوس وديكارت ولبينتز وفي العصر الحديث جان جاك روسو وكانط وجيمس وجويس وغيرهم. لهذا سوف نتناول في هذا العدد محاولات علماء النفس التحليلي ونتائج ابحاثهم وسبب توقف البحث والاستمرار فيه.


اهم اعلام مدرسة علم النفس التجريبي: -
1-ايرنست هنريك ويبر 1795-1878 Ernst Heinrich Weber
عالم وفيلسوف الماني، الأخ الاكبر لثلاثة اخوة كلهم أصبحوا علماء. درس "ويبر" في جامعة لايبزك من عام 1818 لحد عام 1871. كان مختصا في علم التشريح. اشتهر بدراسته حول تأثر الاحاسيس بالوزن ودرجة الحرارة، والضغط. نشرت بعض من تجاربه في كتابه الذي يحمل عنوان "Concerning Touch" (بخصوص اللمس) عام 1834 . ويبر توصل الى النتيجة التي مفادها:" هناك عتبة من الإحساس يجب ان تُعبر، قبل ان يتم الكشف عن العلاقة بين شدة أي منبه، وتأثيره، اي الفرق في التحسس عند العقل"، وسمي هذا القانون باسمه ( Weber Law’s) الذي يعد اول قانون رياضي يمثل ظاهرة نفسية- فيزيائية، ثم اجرى نفس التجربة على حاسة البصر والسمع. ووصل الى حد يسمى بالحد الأقصى يمكن للحافز ان تستطيع الحواس التحسس به، من بعد ذلك لا تستطيع الحواس التحسس باي شيء. وكتب كتاب اخر عام 1851 يحمل عنوان " The Sense of Touch and the Common Sensibility) حاس اللمس والحساسية المشتركة" لهذا عده العالم النفساني الإنكليزي E.B. Titchener مؤسس علم النفس التجريبي.

2- هيرمن رودلف لوتزي (1817- 1881 LOTZE, RUDOLF HERMANN)
حاول "لوتزي" مرة أخرى وضع نظرية جديدة لمعالجة الموقف المتأزم بين الفلسفة الميتافيزيقية والفيزيقية والفيسيولوجية، في كتابه " ما بعد الطبيعة" يقسم لوتزي الكون الى ثلاثة مماليك، الأول هي "مملكة القوانين الكلية" أي القوانين المشروطة لكل وجود ممكن ، الثانية مملكة الظواهر" هي المسؤولة عن ادراك الظواهر عن طريق الحواس، أخيرا "مملكة القيم" فيها نرى الموجودات تتجه نحو الخير. عن هذه الأخيرة يصل حدس الانسان الى الايمان بوحدة الوجود، او وحدة الجوهر في العالم. عند لوتزي الفعل هو عرض، والعرض لا ينتقل بذاته، أي ان الشيء المعروف لا يؤثر على عارفه، اذن الجسم لا يؤثر على النفس ولا النفس تؤثر على الجسم.، بالتالي كل تفاعل بينهما هو وهم، مثلما (قال جورج بيركلي). حسب لوتزي :" الاجسام مجرد ظواهر، النفوس فيوضات (فيض) من الجوهر الواحد"، ثم يقودنا الى نتيجة مفادها يجب الاعتراف بضرورة الايمان بالإله الخالق للنفوس بالضرورة.

3-غوستاف تيودور فخنر ) (Gustav Theodor Fechner 1801-1887
غوستاف "فخنر" نشر في 1860 اول كتاب الذي حمل العنوان " مبادئ علم النفس الفيزيقي Elemente Der Peychophysik"، البعض من المؤرخين اعتبروا ابحاثه بداية علم النفس الفيزيقي ، لكن فخنر اعتبر بداية هذا العلم أتت على يد العالم ويبر لأهمية الابحاث التي اجراها في هذا الحقل. لكن فخنر قام بدراسة علمية عن العلاقة بين الروح والجسد([1]).
كان ميالا الى تبني افكار الفيلسوف لوتزي الذي سبقه، بإعطاء أهمية علمية للتفسير الميتافزيقي للوجود، فركزت جهوده حول أيجاد تمثيل رياضي للعلاقة بين الحواس والمنبهات. فكما يتم تفسير الظواهر الطبيعة بالملاحظة والاستقراء، كذلك يمكن أدراك الميتافيزيقية الموجود في باطن الطبيعية، بصورة خفية، بالحدس الباطني، فكأنما يعيد تأكيد النظرية الاشراقية للقديس اوغسطينوس([2]).

منذ ذلك عُرف "العلم الفيزيقي" بأنه يهتم بدراسة العلاقة بين الروح (النفس) والجسد. هذا العلم لم يتناول جوهر المادة او الروح وانما تأثير العلاقة بينهما، (تكرار لمحاولة لوتزي وديكارت وليبنتز). استخدم مصطلح " التوازي النفسي الفيزيقي أي الروحي – المادي". فخنر قام بقياس تأثير الظواهر الخارجية على الجهاز العصبي التي تمثل التأثير النفسي الداخلي التي لا يمكن قياسها بصورة مباشرة.

كانت نتائج تجاربه وبحثه الطويل القاعدة التالية: " لكي يزيد الإحساس باقل فرق مدرك، يجب ان تكون الزيادة في المؤثر 1-17 مقابل المجهود العضلي، 1-3 للمس، والحرارة والصوت، 11-100 للضوء. ثم استطاع تحديد الحد الأدنى للمؤثر في الحس( عتبة الحد)، ثم وضع جدول ذات عمودين، المؤثرات مقابل الاحساسات. استنتج من القيم التي حصل عليها هناك العلاقة الرياضية التالية: " حين يزداد التأثير (المنبه) بنسبة هندسية، يزداد الإحساس بنسبة حسابية فقط"، او " ان الإحساس يعادل لوغاريتم التأثير". لكن بعض الباحثين اعترفوا بقانون "ويبر" ولم يعترفوا بقانون "فخنر"، وقد لاقت ابحاثه اهتماما ودراسات في الاوساط العلمية، ولا زال الجدال حولها لحد الان قائما([3]).

4-فيلهلم فوندت (Wilhelm Wundt1830-1920)
كان العالم النفساني الألماني فيلهلم فوندت اول من اسس مختبر(معمل) علم النفس الفسيولوجي بحدود 1874 م في جامعة لايبزك كفرع تابع لقسم الفلسفة، على الرغم من جلبه اهتمام كبير من قبل الدارسين والطلاب الا ان الجامعة لم تعترف به لحد 1883. العالم "فوندت" اعتبر القياسات المختبرية ضرورية لتفسير الظواهر النفسية كي تصبح علمية، لكن لا بد ان نشير هنا ان فوندت اخذ الفكرة من استاذه العالم الفيزيائي والفسيولوجي الكبير هيرمان فان هيلمولتز Hermann von Helmholtz ([4]).

على يد فوندت أصبح علم النفس الفسيولوجي حقلا مستقلا عن البيولوجيا والفلسفة. واسس أول مجلة أكاديمية للبحوث النفسية تحمل العنوان "الدراسات الفلسفية التي دامت احدى عشرة سنة من 1881 الى 1902". يعد كتابه " مبادئ علم النفس الفسيولوجي" الذي اصدره عام 1874 أشهر اعماله، أصبح اول كتاب في منهاج التعليم في علم النفس التجريبي.
فيلهلم فوندت كتب في مذكراته، بان المؤسس الحقيقي لعلم النفس
التجريبي هم ارنست هينريك ويبر ( 1795-1878) ووصفه بالأب الروحي لهذا العلم لأنه قام بقياس الكميات النفسية والعلاقات بينها باستخدام أجهزة علوم الطبيعة، بينما غيره يعتبر فخنر هو الاب الحقيقي.

درس "فيلهلم فوندت" في كتابه "سيكولوجية الشعوب" المظاهر (التصرفات) الكبرى لنفسية الجماعات من حيث اللغة والفن وحب الأسطورة والدين والاجتماع والقانون والانخراط مع الحضارة. هذا البحث كان عن اخلاق الشعوب وفد انتهى الى الخلاصة التالية:" ان الضمير، سواء في الشعوب او في الفرد، وفي جميع أوقات نموه، يعتبر ان الفعل الخلقي هو المفيد للفاعل (او للأخرين) كي يستطيع كلاهما ان يحيوا وفقا لطبيعتهم ويزاولوا قواهم ووظائفهم" ([5]) >

وتطرق الى بعض من المفاهيم الدينية والشعرية في اساطيرها التي اوجدها العقل البشري والتي هي مملوءة من مظاهر بعيدة عن المعرفة الحقيقية، شبيهة بالأحلام والهلوسة التي لا زالت منتشرة بكثرة في شرقنا لحد اليوم، فمرت الشعوب حسب "فوندت" بثلاث مراحل في فهمها لطبيعتها وسلم تقيم اخلاقها، الأولى كانت للبدن، والثانية الخير والثالثة النمو في القوى الروحية ([6]) >

فوندت مثل فخنر وويبر ظن يمكن قياس الاحاسيس بواسطة اثارها، لكن تعمق في بحثه الى علم النفس "الفسيولوجي"، قياس الظواهر النفسية بمقابلاتها الفسيولوجية. فوندت ركز على التفسير الوجداني للحكم على الظواهر النفسية. وحاول الربط بين الظاهرة التجريبية مع الظاهرة الشعورية او الوجدانية (نظرية الاشراقية للقديس اوغسطينوس) على أساس " مبدأ السبب الكافي"([7]).


المناقشة والتعليق.
1. من الصعب تحديد وتذكير جهود كل العلماء والفلاسفة حول علم النفس، لان هذا العلم متعلق بقضية الروح وطريقة عمل العقل والشعور والتصرفات، كل الفلسفات لها مساهمة سواء كانت من القرب او البعد في تطور هذا العلم.

2. لا اظن ان الانسان قد توصل الى كشف اغوار واسرار العقل بعد، فهناك طريق طويل، ولا اشك في مقولة فرويد حينما قال ان اكتشافه يعد اهم من اكتشاف كبرنيكوس عن دوران الكرة الارضية حول نفسها وحول الشمس.



________________________________________
[1]- فنخر في البداية كان ميتافيزيقي الفكر، اشتهر بسبب تاثيره على الفلاسفة الأمريكيين بالاخص وليم جيمس. تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم، مكتبة الدراسات الفلسفية، الطبعة الرابعة، دار المعارف،القاهرة- مصر، 1966، ص 395.
[2] - النظرية الاشراقية هي :" بعض الاشياء يمكن تفسيرها عقلانيا لكن البعض الاخر، لا يمكن فهمها إلا عن طريق الايمان، الذي يشرق نوره على الانسان بعد ان يتدرب طويلا على التأمل في الكون ومخلوقاته."
[3]- كلا العالمين فخنر وويبر اجريا تجاربهمما على قيلس تاثير الحواس بالمنبهات. نفس المصدر، ص396.
[4] - قام هولمتز باستخدام المنبه الفيزيائي مع إيجاد استجابة او تحسس الانسان لها.
[5] - نفس المصدر، ص 398.
[6] - نفس المصدر، ص399.
[7] - مبدا السبب الكافي مفادُه أنّ لكلّ معلولٍ علّةٌ أدّت إلى حدوثه، يعد احدى مقولت المهمة في فلسفة ارسطو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة