الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الوهًابى الارهابى يجتاح مدارسنا

محمد فُتوح

2021 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفكر الوهًابى الإرهابى يجتاح مدارسنا
-------------------------------------------
إن القاسم المشترك بين جميع التيارات الدينية السلفية ذات الوجه الإرهابى ، أن فكرها عاجز عن المواجهة بالحوار ، ولا يجيد إلا لغة الدم ، ولا يعرف فى إمكانيات التعامل إلا المتفجرات والقنابل ، وبعد تفشى هجماتها الإرهابية ، لم تعد تصلح ردود الأفعال التى استهلكناها ، خاصة بعد كل عمل إرهابى ، يقتل ، ويروع .
من متابعتى لوسائل الإعلام المختلفة ، تكشّف لى أننا غير قادرين على المواجهة الفكرية الصريحة ، وأننا عاجزين عن تغيير النغمة المكررة ، التى هى أقرب الى حقنة مسكنة ، وليس اسئصالا من الجذور .
تتباين ردود أفعالنا ، وكالمعتاد ، تتركز على دعوات إلى الله ، لحفظ مصر من الإرهاب الأسود ، وشجب وإدانة من قِبَل لمؤسسات الدينية وإعلانها أنها تتبرأ ، هى ورجال الدين ورجال الدعوة الإسلامية ، من هذه الجرائم الإرهابية ، وأن الإسلام برىء من قتل الآخر ، المختلف فى الديانة والعقيدة والرأى والزى والفكر والتوجه العقائدى .
التبريرات نفسها والدور السلبى الذى يقف عند مجرد الإدانة ، ولا يدخل بصراحة وعمق إلى جذور الإرهاب فى الواقع المحلى ، ومدى مسئوليته عن تفشي التطرف والتعصب الدينى ، ويسمح لأكثر التفسيرات الدينية تزمتاً ورجعية ، بوضع بصماتها على العقل المصرى والعربى . ولا ننسى أيضاً المطلب المتكرر ، من ضرورة عقد مؤتمرات وندوات محلية ودولية ، لمكافحة الإرهاب.
نسمع دائما هذا التصريح الهام : " تم إغلاق الأبواب على التطرف الدينى ، ونجحنا فى ملاحقته فى كل مكان ".
أتأمل هذا التصريح ، وأقارنه بالواقع اليومى المعاش فى كافة الأنشطة والمؤسسات ، وتصرفات الساسة ، وأداء الصحف ، وما يبثه الإعلام الدينى خاصة التليفزيون ، وبما يتعرض له الكُتاب و الأدباء والفنانون ، نساء ورجال ، من تكفير علنى ، واهدار دم ، واتهامات بالردة وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة ، ودخولهم إلى المحاكم .
هذا التصريح ، قد يكون صحيحاً الى حد كبير ، من الناحية الأمنية ، ولكن من الناحية الفكرية ، فالتصريح فعلا ، حقنة مسكنة .
ان أحوالنا ، تقول ، ان شئنا الدقة والوضوح والواقعية : " أنه يتم إغلاق الأبواب على التيار الإسلامى المستنير" ، وعلى " التيار العلمانى " الذى بُح صوته من أن طوق النجاة على المدى القصير والطويل هو فصل الدين عن الدولة ، كما تم إغلاق الأبواب على التيارات الليبرالية ، لكى لا تعبر عن نفسها إعلامياً . بينما انفرد بالساحة الإعلامية وخاصة التليفزيون ، التيار الدينى السلفى وآراء الفقهاء ، الذين يريدون لوطننا التقهقر ، وفقدان جميع المكتسبات الحضارية ، وكل المجهودات المستنيرة ، لإعمال العقل ، واستبعاد النقل الأعمى الأصولى السلفى الرجعى العنصرى ".
وحتى المواد غير الدينية ، التى يقدمها الإعلام فى شكل دراما أو برامج أخرى ، فإنها ترسخ هذا الخطاب الدينى المتخلف ، الذى ينتمى إلى التيار الإسلامى الوهّابى.
لست أريد الإطالة فى حصر أين يوجد هذا الفكر الوهّابى ، ومسئوليتنا فى السماح له بالتسلل وتحقيق أهدافه ، لأن الأمثلة كثيرة وعديدة وفى كل مكان : ملصقات المترو المتطرفة .. منشورات الإخوان والتيار الإسلامى لفرض الحجاب وتخويف النساء السافرات واتهامهن بالكفر.. انتشار اللغة الدينية فى القاموس اليومى .. الصلاة فى الميكروفونات الزاعقة .. كتب التطرف والجن وعذاب القبر ، والدجل والشعوذة ، وتحريم الرياضة والفن والأغانى والسينما .. انتشار الذقون .. انتشار الصحف الدينية التى تلعب على الدين والتفرقة الدينية .. فتاوى هدم الآثار والأهرامات ، إرسال دعاة وداعيات إسلاميات إلى بعض المؤسسات الحكومية والأندية للهداية مرة كل أسبوع .. لن أكمل فالقائمة طويلة ، ومفزعة ، وقد أتت بثمارها المرجوة .
لكننى سأذكر فقط ، إعلانين نشرا منذ أيام فى أكبر جرائد الوطن ، وأنا أعتبرهما " تحريضاً " و " تدعيماً " و " ترسيخاً " للفكر الدينى الوهّابى السلفى الرجعى. وأرجو أن نقارن هذين الإعلانين بتصريح " أنه تم اغلاق كل الأبواب على التيار الدينى المتعصب ونجحنا فى ملاحقته فى كل مكان ".
يقول الإعلان الأول عن المدرسة الدولية بالقاهرة: " إنها تدرّس البرامج الأمريكية الخاصة بالبيئة الثقافية المصرية .. وأنها تفصل بين الصبيان والبنات .. وأنها تضع تركيزاً على تدرريس القيم الدينية والأخلاقية ".
أما الإعلان الثانى عن الكلية الأمريكية الحديثة بالقاهرة ، فيقول ببنط أوضح :
" إنها مدرسة للبنات فقط .. وإنها تدرّس البرنامج الأمريكى المتقدم فى علوم الكمبيوتر .. وإنها تضع نركيزاً خاصاً على تدريس القيم الدينية والأخلاقية ".
لا أعتقد أننى فى حاجة إلى تعليق . مدرسة دولية ، وأخرى كلية أمريكية حديثة ، إحداهما للبنات فقط ، والأخرى ضد الاختلاط ، تفصل بين الصبيان والبنات ، ويجمعهما " تركيز خاص على القيم الدينية والأخلاقية ".
أليس هذا تطرفاً دينياً وتعصباً دينياً ، تحت اسم مدرسة دولية ، أو كلية أميركية حديثة ؟ . أليس أصحاب التيار الإسلامى السلفى الوهابى ، هم مُلاّك هذه المدارس ؟ . لقد غيروا فى منهجهم هذه المرة ، فبدلاً من استثمار أموالهم المشبوهة فى الصدام المباشر وآليات التكفير وسفك الدماء ، استثمروها فى إنشاء مدارس تُدرس الفكر الوهابى السلفى ، وتُحرّم الاختلاط ، وتركز بصفة خاصة على القيم الدينية والأخلاقية .
وبالطبع هذه القيم ، هى نظرتهم السلفية الوهابية للإسلام.
كيف سُمح لمثل هذه الأوكار المتطرفة " مدارس وكليات " ، أن تتواجد وأن تعلن عن فكرها السلفى فى جريدة مصرية ؟ . كيف سُمح لها ، ولمنْ وراءها ، أن تستقطب الأطفال لهذا الفكر الإرهابى المتعصب على المدى القصير ، ولكى يصبحوا أجيالاً ، تعيد إنتاج هذا الفكر فى جميع أشكاله على المدى الطويل ؟ .
هذا هو التغير فى آليات عمل التيار الإسلامى ، حيث أدرك القائمون عليه أن اختراق العقول منذ الصغر، هو الذى يضمن بقائهم وسيطرتهم .
إن مكافحة الإرهاب بصورة حقيقية ، لن تتم بالشجب والاستنكار وعقد المؤتمرات . ولكن بمكافحة الفكر الذى تم زرعه وغرسه فى التربة المصرية .
فالفكر يكافح بالفكر ، وسيأخذ هذا الكفاح بالطبع سنوات طويلة ، ولكن علينا أن نبدأ الآن . وأكرر علينا أن نبدأ الآن ، وإلا فستنزل بنا جميعاً عواقب وخيمة . ، ونقول حينئذ نادمين : " ليتنا فعلنا كذا و كذا ... ".
لن ننجو نهائياً من الإرهاب ، إلا بفصل الدين عن الدولة ، وإتخاذ قرارات شجاعة حازمة عملية ، تستأصل هذا الفكر الأخطبوطى من الإعلام فى جميع صوره. وكما يتم استئصاله أمنياً ، لابد من استئصاله فكرياً من العقول ، لأن اختراق الأفكار للعقول لا يتم بالتشديد الأمنى والتغطية الأمنية القومية . ولكن أيضاً ، وأساسا ، بالتشديد الفكرى الواع ، واليقظة الفكرية القومية.
ذلك هو الطريق لحماية هذا الوطن ، الذى يلعب به الكثيرون ، مستخدمين قماشة الدين الفضفاضة ، بتفسراتها العديدة اللانهائية. لذلك جاء فصل الدين عن الدولة ، واحداً من ميكانيزمات الدول المتقدمة ، لبتر تلك النوايا الخبيثة ، فى تدمير وتخريب الأوطان ، والعقول وإشاعة الإرهاب ، والمتاجرة بالمشاعر الدينية ، وصولاً للحكم والمال والسطوة .
انهض أيها الوطن . لا تتردد فى أن تبتر الأعداء .. لأن البديل ، هو أن يبتروك أنت . وهذا ما يجب ألا نسمح به ، أبدا .
من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قالب العلمانية لا ينجح في كل الدول
عبد الفادي ( 2021 / 9 / 8 - 00:17 )
تقول استاذ فُتوح (لن ننجو نهائياً من الإرهاب ، إلا بفصل الدين عن الدولة) ، طبعا هذا صحيح نظريا ، ولكن لن تتحقق هذه الخطوة إلا بفصل الدولة نفسها اولاً عن جماعات الأرهاب ، لأن هناك حكومات مستفيدة وصديقة للفكر الإرهابي وتعمل على غرار المثل الشعبي (شيلني وأشيلك) وهناك تناغم بين المؤسسات الدينية الأخرى كالأزهر ومع الحكومة واعضاء البرلمان وإلا كيف نفسر تمويل هذه المؤسسات الدينية من خزينة الدولة ؟ وكيف يسمح ان تستخدم هذه المؤسسات منابر الفضائيات الحكومية لنشر افكار الكراهية ؟ وحتى إن طبقت العلمانية في الدول الإسلامية فستكون مخترقة من قبل الموظفين الكبار والصغار المتشددين الذين يؤمنون ان الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع وهي فوق كل القوانين الوضعية ، فالحاكم والقاضي المؤمن مثلا لابد وأن يغلب إيمانه على قوانين العلمانية وخاصة الفصل في مشاكل المواطنين المختلفين في الديانة ، فالدول الإسلامية لا تنجح فيها العلمانية الأوربية بل تحتاج الى نظام جديد لم يخترعه الإنسان بعد وتركيا الأخوانية خير مثال لتراجع العلمانية فيها ، تحياتي استاذ فٌتوح


2 - ماركة مسجلة مصرية
هانى شاكر ( 2021 / 9 / 8 - 03:53 )

ماركة مسجلة مصرية
_________

الارهاب بكل صوره ... مربح جدا ... ولازم لاستمرار الحال ... و رزق العيال ... اللي يادوب هايدخلوا المدرسة الامريكانى

مصر اكبر معمل لانتاج و تصدير الارهاب للسوق المحلى و للتصدير ... ننتج الارهاب بغزارة و كفاءة ... و نحاربه بانتقائية و حياء


...


3 - حتى فصل الدين عن الدولة لن ينفع
حسيب المندلاوي ( 2021 / 9 / 8 - 15:27 )
الارهاب باق مادام الاسلام باق، هذه حقيقة لا يتجاهلها الا الذي يخدع نفسه او الجاهل بحقيقة الاسلام ، في اوروبا الدين مفصول عن الدولة و لكن انظر العمليات الارهابية التي يقوم بها مسلمون مؤمنون ؟ بالرغم من انهم اقلية هناك ! فما بالك لو زاد عددهم و اصبحوا هم الاكثرية ؟ لا بل حتى لو اصبحوا يشكلون ربع سكان اوروبا فاوروبا ستصبح مكانا خطرا لا يختلف عن مصر او العراق او سوريا او الاردن او تونسوا باكستان و لن نقول الصومال او افغانستان او نايجيريا


4 - حسين
الجندي ( 2021 / 9 / 9 - 06:53 )
اولا
الاردن مكان خطر
!!!!
ثانيا
كل العمليات الارهابية التي تحدث قام بها سلفيون
وهابيون
واتحداك عملية واحدة
قام بها
صوفي
او شيعي
او اشعري
او ماتريدي
او قراني
او احمدي
بل حتى تونس نفسها ونيجيريا لم تصبحان
لا حتى مصر
بل كل الدول التي ذكرتها لم تصبح خطرة الا بعد انتشار الفكر الوهابي
وراجع هذه الدول قبل السبعينات
ولو اني لا اعلم عن اي خطورة في الاردن تتحدث
ملاحظة في مصر بالسبعينات
او قبل السبعينات
لم يكن الازهر مثلا يتدخل بالمسيحين
وكنائسهم
ولم يكن يفرق بين شيعي سني
ودرزي وعلوي
بالعامية
اولا السلفية الوهابية ما حدث اي عملية انتحارية


5 - عبد الفادي وتركيا وتراجع العلمانية
الجندي ( 2021 / 9 / 9 - 06:58 )
تراجع العلمانية مقصود من اردوغان
راجع تركيا في
بداية ال 2000
ستجد انها تدعوا لحقوق الشاذين والمساوية الجنسية
وغيرها من امور لا تخفى على احد
ولكن في الاونة الاخيرة تغير الموضوع
ليش
الاجابة التوسع
اردوغان اراد قبل ال 2010 التوسع في اوروبا والغرب
فقبل العلمانية وغيرها من امور
وعندما وجد ان الموضوع بلا فائدة وبلا اي مكاسب لدولة تركيا
اتجه الى التوسع الشرقي
وافضل طريقة للتوسع الشرقي هي عبر جعل نفسه خليفة
للمسلمين
ملاحظة
العلمانية نفعت في الاردن وتونس
قبل الغزو الوهابي لتونس
الاردن قد يقول البعض دولة غير علمانية
ولكن الحقيقة انها متشابهة مع الدول العلمانية في الكثير من النقاط
لسبب بسيط
انها خالية نسبيا من الوهابية
ولو هي تنتشر في الوقت الحالي بقوة