الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختلاف الفقهاء ليس رحمة ولكن تخبط

محمد فُتوح

2021 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اختلاف الفقهاء ليس رحمة لكنه تخبط
----------------------------------------------
من المقولات الشائعة ، التى يرددها الناس دون تفكير نقدى متأمل ، مقولة " اختلاف الفقهاء رحمة " . وإننى أسأل المروجين لهذه المقولة كيف يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، وهذا بالتحديد الذى يجعلنا ننادى ، بأن الدين لله والوطن للجميع ، أو الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة ، وهذا أيضا ، بالتحديد ما أدى بالمسلمين ، إلى هذه الحالة الفكرية المتردية ، التى لا تخلو من التعصب والجمود ، والتخبط ؟؟؟؟.
إن اختلاف الفقهاء ، هو السبب الرئيسى ، فى إحداث الفوضى ، والبلبلة والفتن الدينية والطائفية و المذهبية . كل فقيه يفسر الدين ، وفقاً لثقافته ، ومصالحه ، وحسب ما يمليه مزاجه ، ومدى اقترابه ، أو ابتعاده عن المؤسسات الدينية الرسمية.
كل فقيه يزعم بحكم دراسته للفقه ، وغيرته على الدين ، أن تفسيراته وفتاواه هى الوجه الصحيح للدين ، وهى صوت الإسلام السليم الحقيقى ، دون شوائب ، ودون مصالح سياسية دنيوية.
كل فقيه يطمح إلى أن يتبع الناس ، وجهة نظره فى " ما ينبغى أن يكون عليه الدين أو الإسلام ". ويسعى من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، إلى الترويج لرؤيته ، وتفسيراته الخاصة .
إذن بالمنطق البسيط ، اختلاف الفقهاء ، لا يعنى فى الواقع العملى إلا وجود العديد من التفسيرات الخاصة بكل فقيه ، وكل واحد يزعم ، أن ما فهمه من الدين ، هو الذى قصده الله ، وأن تفسيراته الخاصة هى التى تتوافق مع السيرة النبوية ، وأحاديث الرسول ، وستنشر الإسلام وتحميه ، من
" تفسيرات " أخرى مغالطة .
ويتمادى الفقهاء ويصفون تفسيراتهم الخاصة ، على أنها من
" الثوابت " التى يحرم مناقشتها أو تغييرها. ، كيف إذن يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، ونحن نجد أنفسنا فى مواجهة مئات التفسيرات ، وآلاف الفتاوى فى القضية الواحدة ؟ . كيف يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، وعلى أرض الواقع ، تتصارع وتتضارب وتتناقض تفسيرات هؤلاء الفقهاء ، بشأن الموضوع الواحد ؟.
لدينا بالفعل أنواع لا نهائية من تفسيرات الإسلام ، عدد الفقهاء أنفسهم فى البلد الواحد ، أو الفقهاء بين الدول الإسلامية بعضها البعض . ولدينا أمثلة شهيرة مازالت حتى الآن موضع اختلاف وتناقض ، لا يقودنا إلى شىء واضح يسهل الأمور على الناس .
على سبيل المثال ، التفسيرات المتضاربة حول ولاية المرأة ، وقوامة الرجل ، وتعدد الزوجات ، وزواج القاصرات ، والحجاب ، وعمل النساء خارج البيوت ، وغيرها الكثير ، وكل تفسير يقول أنه الصحيح.
وما زلنا نذكر ، ما حدث فى نيويورك ، حينما قامت احدى أستاذات الدراسات الفلسفية والدينية ، بجامعة كومنولث – فرجينيا ، بإمامة صلاة الجمعة ، للرجال والنساء ، واتخاذها دور الخطيب ، وسط إجراءات أمنية مشددة ، ووسط هجوم واستياء جمعيات إسلامية كثيرة فى أمريكا الشمالية ، ووسط مظاهرات حاشدة غاضبة تتهمها بإتكار ثوابت الدين ، وإحداث فتنة فى الدين ، وتدمير الإسلام باسم الابتكار العصرى ، وشذوذها الفكرى . مقابل تأييد جمعيات إسلامية أخرى ، مثل جمعية " صحوة المسلم " ، وجمعية
" المسلمين المتقدمين " .
أليس هذا أكبر دليل ، على أن اختلاف الفقهاء ، ليس فقط تخبطاً . ولكنه أداة من أدوات الجمود الفكرى ، ورفض التجديد ومحاربة الاجتهاد ، وفقاً لمستلزمات الحياة المتغيرة ؟؟؟.
والأكثر من هذا ، أن اختلاف الفقهاء ، هو أداة إرهابية ، حيث أن المسلمين الغاضبين فى أمريكا ، قالوا أن الأستاذة المسلمة التى قامت بامامة صلاة الجمعة للرجال والنساء ، ارتدت عن الاسلام ، وعقوبتها الموت .
بعض الفقهاء قالوا : " إمامة المرأة للرجال فى الصلاة ليس له سند فقهى أو تاريخى " . وردت عليهم الأستاذة : " إننى متخصصة فى التفسير ، والفقه والاجتهاد ، ودرست تاريخ الفقه الأسلامى كله ، لم أجد شيئاً فى القرآن أو السنة يُحرم إمامة المرأة ".
ان شيخ أئمة المسلمين ، الشيخ محمد عبده ( 1849 – 1905 م ) والذى كان مفتى الديار المصرية ، فقد اجتهد فى تفسير القوامة للرجل بشكل ينصف النساء ، ولا يرادف التحكم والسيطرة ، وكذلك رأيه فى تعدد الزوجات ، والذى رآه محرماً ، ولابد أن يقيد ن حتى ولو بقرار من حاكم البلد .، وبالطبع تعرض لهجوم شديد ، وتم وصفه أيضاً بالإساءة للدين ، وإنكار " الثوابت "، والشذوذ الفكرى ، وهو الذى كان من التلاميذ النابغين ، للمفكر المستنير ، جمال الدين الأفغانى( 1838 – 1897 م ).
وهناك فقهاء ، لا يعترفون الا بمقولة " استفتى قلبك ".
تصورا ما الذى يحدث لإنسان عادى ، لا هو إمام ، ولا شيخ إسلام ، وحاول الاجتهاد ، وتجديد الخطاب الدينى ، أو حتى يستفتى قلبه بعيدا عن فقه الفقهاء ؟؟.
إن تجديد الخطاب الدينى ، الذى يطالب به البعض ، سواء الفقهاء أو غير الفقهاء ، غير ممكن الحدوث عملياً ، وسط الخضم الهائل المتناقض من آراء الفقهاء.
التجديد معناه ، ابتكار سلوكيات تتناسب مع العصور المتغيرة ، طالما أنها لا تؤذى خلق الله ، حتى لو لم تكن تمارس فى عهد الإسلام الأول . إن هذا هو بالتحديد معنى التجديد ، أن نمارس ما لم يتم ممارسته ، بحكم تغير الأزمنة والناس ، والعقول والتحديات.
لا أتصور ، كيف يكون اختلاف الفقهاء رحمة ، وهو على مدى العصور المتعاقبة ، كان الباب الذى فتح ملفات التفرقة ، على أساس الدين ، أو التفرقة المذهبية داخل الدين الواحد ، والصراعات وزرع الإرهاب ؟؟.
لا أتصور ، أن تأتى الرحمة مع آلاف التفسيرات الدينية ، وكلها تدعى أنها "الدين" ، أو " الإسلام الصحيح "، وكلها مؤسسة على شخصية الفقيه ، وخصوصية مصالحه ، وتركيبته العقلية والنفسية ؟؟؟.
ما الذى نأخذه من الآراء والتفسيرات والفتاوى التى هى بالمئات ؟؟. وما المعيار الذى يجب أن نطبقه ، طالما أن الجميع " فقهاء ودارسون للفقه " ،
وطالما أن الجميع " يزعمون " أن تفسيراتهم هى " الحقيقة " ، وطالما أن الجميع يضفون على تفسيراتهم كلمة " الثوابت " ، و " الصراط المستقيم المقدس " ؟؟.
وعملياً ، نجد أن كل إنسان يتبع الفقيه ، أو الفقهاء ، الذين تتفق تفسيراتهم الدينية ، مع مصالحه وثقافته وتكوينه النفسي .
إن فصل الدين عن الدولة ، معبراً عنه فى مقولة " الدين لله والوطن للجميع " ، دعوة تطمح بالتحديد ، إلى التخلص من الحيرة والتخبط والبلبلة وأنواع الفتن ، التى تشعل التعصب ، والكراهية والتطرف بين الناس.
إن الرحمة ليست فى اختلاف الفقهاء ، ولكن الرحمة فى أن نطبق دعوة " الدين لله والوطن للجميع " ، وفصل الدين عن الدولة ، بحيث تكون علاقة الإنسان بربه علاقة شخصية ، خاصة جداً ، يحددها كل إنسان بعقله ، القادر على التمييز ، طالما لا يضر بالآخرين .
لا توجد رحمة فى اختلاف الفقهاء . ولكن الرحمة ، أن نظل نكافح حتى تتحقق العلاقة الشخصية الخاصة بيننا وبين الله ، دون وسطاء ، أى فقهاء.
إن الإيمان بالله ، ليس فى حاجة إلى طبقة عازلة " الفقهاء " ، تروج لأكبر وهم عرفه التاريخ ، إننا قاصرون بدونهم على معرفة الله والإيمان به ، وإننا دائماً فى احتياج إليهم ، لنعرف مصلحتنا ومصلحة الآخرين.
" الله هو العدل عرفوه بالعقل " ... هذه هى الرحمة الكبرى الحقيقية ،
نستقيها من أكبر حكمة تتردد على ألستنا ، ولا نعمل بها .
" الله هو العدل عرفوه بالعقل " .. هذا هو القول الفصل ، فى أى
منظومة دينية ، تزيل الوسطاء ، وتجعل " العدل " هو أعلى وأصل مكارم الأخلاق ، ونصل اليه بعقولنا الحرة دون أوصياء .
من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002
---------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدوران و الاقتراب
هانى شاكر ( 2021 / 9 / 14 - 07:49 )

الدوران و الاقتراب
______

افكارك و كتاباتك استاذنا مهمة

لكن كل ما آملنا فيك الاقتراب … تاخدنا دوران

الهدف موجود داخل المدينة ، هناك الاصل و المصدر ، و سبب الاختلاف و الشقلاباظات

لكن حضرتك تصر ان ( تفسحنا ) علي الدائري

علي الدائري هاندوخ ، ونخلص البنزين ، و نضيع في الدوران

يللا بينا نقترب من قلب المدينة ، و لنضع الاصل تحت اشعة اكس

هناك الورم ، و الكسر ، و مصدر الدوخان

……


2 - السبب
على سالم ( 2021 / 9 / 14 - 15:43 )
انا اعتقد ان اصل المشكل ليس الشيوخ وتأويلاتهم وفتاويهم المختلفه فى عالم الاسلام البدوى , المشكله تقبع فى كتاب القرأن نفسه الملئ بالمتناقضات والعنف والوحشيه والدم والقتل والاجرام والدعوه الى الغزو والسرقه والغنائم والهبر والنكاح والاستنكاح ومفاخذه الاطفال واستعمار الامم المسالمه وفرض الاسلام عليهم بقوه السيف والقمل والذباب , يعنى الكتاب منهاج للتطرف والشذوذ الفكرى والتأخر والعربده والكراهيه والاجرام