الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامبراطور فيليب العربي بين النقد والتبجيل

علي احمد

2021 / 9 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ولد الامبراطور فيليب العربي الذي حمل اسم ماركوس يوليوس فيليبوس (العربي) Marcus Julius Philippus Arabs في 204م اثناء فترة حكم الامبراطور الكنعاني(الفينيقي) الأصل الليبي النشأة لوسيوس (لوقا) سبتموس سيفيروس Lucius Septimius Severus في شهبا- حوران التابعة للعربية البترائية وعاصمتها بصرى الشام التي كانت حاضرة تؤمها القبائل العربية.
الأرجح انه من قبائل العرب التي انتقلت شمالا من الجنوب لمنطقة اللجاة السورية، واتخذت المنطقة موطنا لوعورتها وشح مياهها في فترة مضطربة سياسيا يصعب فيها السيطرة عليهم، ولمهارتهم في نبط المياه فقد أهلتهم للتوطن ولعب دور سياسي هام سواء في الاستقرار السياسي او عدمه بين الامبراطوريتين الفارسية والرومانية. ولا ادل على مكانتها أنها كانت فخا مميتا لقوات إبراهيم باشا اثناء حملته في سوريا.
اعتمادا على الاسماء فقد كان الدارج في تلك الفترة التسمية بالأسماء اللاتينية كامتداد لحيازتهم الجنسية الرومانية إثر مرسوم الامبراطور كركلا العربي الام والكنعاني الاب. واللافت هو ان اغلب الاباطرة ذوي الاصول غير اللاتينية سواء من شمال افريقيا او سوريا كانوا عميقي الانتماء لمساقط رأسهم، حيث اهتموا بمدنهم التي ترعرعوا فيها، والحال يساق على فيليب الذي اهتم بمسقط رأسه شهبا -فيليبوس Philippopolis فبعد ان كانت مغمورة جعلها ترقى لمصاف المدن.
لا يعرف الكثير عن بداية حياته، ولا يوجد اتفاق بين المؤرخين حول اصوله، وشأنه في ذلك شأن الكثير غيره من ذوي الأصول العربية كنهج استشراقي يتبعه المؤرخون في تقليص شأن غير اللاتينيين في الامبراطورية الرومانية، ولكن اغلبهم يقبلون بفرضية اصوله العربية. يعرف انه ابن مواطن يحمل الجنسية الرومانية من شهبا يدعى يوليوس مارينوس Julius Marinus ، ويعتقد ان حصول فيليب على الجنسية كان عن طريق والده الذي ربما كان شخصا على قدر من الأهمية. وقد رفع فيليب من شأن والده اثناء حكمه والهه رغم ان عرف التأليه كان يرتبط بالاباطرة. طعن التاريخ الاغسطي Historia Augusta وملخص القياصرة Epitome de Caesaribus في نسبه ووصفوه بأنه وضيع، وان والده كان زعيما لقطاع الطرق، وهي فرضية لا يقبلها المؤرخون حاليا. وبتقديري ان النظرة السلبية التي ارتبطت في الثقافة الاغريقية- اللاتينية هي وراء هذا الوصف لأن العرب سراسينSaracens أي سراقين و لصوص، وهو ما يوحي ان والده كان كبير قبيلة عربية لها تأثيرها سواء في العمليات اللوجستية كالنقل على الجمال او القتالية المباشرة لصالح الرومان برفد القوات الرومانية بالفرسان والجمال منذ عهد الامبراطور سبتموس سيفيروس ، ولهذا تمتع بالجنسية الرومانية، كما لا استبعد ان دور فيليب وشقيقه في الحرب ضد الفرس ذودا عن المصالح الرومانية هو الذي اوصله لسدة الإمبراطورية كثمرة للجهود العربية القبلية التي شاركت في الحرب وهو الدور الذي اتصف به العرب بانقسامهم دفاعا عن الفرس والروم حتى الفتوحات الاسلامية. لا استبعد ان في اختيار اسم للوالد هو مارينوس Marinos صلة لما درج عليه اتباعه من لقب له باعتبار أن مرن mrn تعني في نصوص مملكة الحضر سيدي، وان لوالده كزعيم قبلي دور حاسم وكبير في حصول الامبراطور سيفيروس سبتموس على ثلاثة القاب قبل حصوله على لقب الانتصار العظيم في بريطانيا Britannicus Maximus عام 209/210. فقد حمل سيفيروس القاب الانتصار في العربية Arabicus عام 195و الانتصار في حدياب- مملكة قديمة عاصمتها أربيل- بذات العام 195 و الانتصار العظيم على البارثيين Parthicus Maximus عام 198 حيث نجح في نهب قطسيفون (المدائن) العاصمة البارثية، كما قام بترحيل بعض سكانها. وربما ايضا لوالده مارينوس صلة باستعادة الامبراطور كركلا المناطق التي عاود البارثيون بسط نفوذهم عليها في أعالي بلاد ما بين النهرين وحدياب فقد كان طموحا لتقليد الاسكندر الكبير في بسط نفوذه على الشرق وهي الحملة بدأها في 216، ولكنه كركلا اغتيل في حران اثناء تبواله سنة 217 على يد يوستين مارتياليس Justin Martialisالذي قتل على الفور وسبب الاغتيال كما يدعى هو سخطه لرفض كركلا ترقيته لرتبة قائد المئة centurion، ومن غير المستبعد ان وراء الاغتيال القائد في الحرس الامبراطوري ماكرينوس Macrinus الذي نصب نفسه على الاثر امبراطورا. ومما يؤكد على ما كان للعرب من دور هام في بوصلة الصراعات الرومانية الفارسية ان الامبراطور ماكرينوس الذي خلف كركلا تعرض لهزيمة من قبل البارثيين قرب نصيبين، واضطر لتوقيع اتفاقية سلام لتعويض الخسائر التي سببتها حملة كركلا.
تزوج فيليب من مارسيا اوتاكيليا سيفيرا Marcia Otacilia Severa نحو عام 230، وهي ابنة حاكم روماني، وهو على الأرجح من الاسرة الحمصية السيفيرية. وله ثلاثة أبناء احدهم يدعى ماركوس يوليوس سيفيروسMarcus Julius Philippus Severus(فيليب الثاني) ولد في 238، وابنة تدعى يوليا سيفيرا او سيفيرينا Julia Severa - Severina وابن اخر اسمه كينتوس فيليبوس سيفيروس Quintus Philippus Severus ولد في 247.ويعتقد ان من وراء صعود نجمه هو صلته بالاسرة السيفيرية الحمصية للقرابة الجغرافية والاثنية بينه وبين الاباطرة الحمصيين.
لفيليب شقيق يدعى يوليوس برسكوس Gaius Julius Priscus ويرجح أنه يكبره سنا، وكان فارسا وقائدا في الحرس الامبراطوري تحت قيادة الامبراطور غورديان الثالثMarcus Antonius Gordianus Pius Augustus، ويعتقد ان له الفضل في صعود فيليب حيث برز ذلك خلال الحملة سنة 243 ضد شابور الأول عندما مات والد زوجة غورديان فوريوس سابينيوس اجيلا تيميسيثيوس Gaius Furius Sabinius Aquila احد قادة الحرس الامبراطوري في ظروف غامضة. ومن الصعب الجزم بسبب موته، فالرواة يغمزون من قناة قتله على يد برسكوس، ولكنني لا استثني ان يكون من أصل عربي بحكم التسمية Timesitheus القريبة من تيم وحيث يقال انه مشرقي يتكلم الاغريقية، وان صعود فيليب جاء ليعبئ فراغ غيابه لانه من ذات الاثنية، حيث يقال انه باقتراح من برسكوس تم قبول شقيقه فيليب قائدا في الحرس الامبراطوري ليشغل الموقع. وبهذا فقد تمكن الشقيقان من ادارة الامبراطور اليافع، ومن خلفه العالم الروماني بوصاية غير مباشرة.
وبخصوص برسكوس فإن هناك من يعتقد ان صعوده في عهد غورديان كان سريعا اذا ما ربط ذلك بنقش مهشم من روما، وفيه أنه تنقل في قيادات سلاح الفرسان -ربما على صلة بمهارات العرب في تربية الخيول- وعمل وكيلا على مقدونيا ونائبا لمحافظ مصر وقاض للإسكندرية، وربما لهذه صلة بالنشاط التجاري الذي يمتهنه العرب امتدادا للتقليد النبطي. ومن المحتمل أن يكون تعيينه قائدا في الحرس الامبراطوري في بداية الحملة الرومانية لاستعادة أعالي بلاد ما بين النهرين في ربيع 242. ولا بد أن نجاح الحملة قد انعكس جيدًا عليه.
ولا يزال موت الامبراطور غورديان الثالث سنة 244 اثناء الحملة العسكرية في ظروف غامضة قيد الجدل، ولكن هناك من يدعي ان فيليب تآمر لقتله، وتتعدد الروايات التي منها نقش فارسي يقول انه مات في ساحة القتال. وبحسب المؤرخ الإنجليزي ادوارد جيبونEdward Gibbon فإنه على أية حال فقد لبس فيليب الارجوان الامبراطوري إثر موت الامبراطور، ويرى ان صعوده من مرحلة غامضة إلى قمة الشخصيات الأولى في الإمبراطورية يثبت أنه كان قائدًا على درجة عالية من القدرة والجرأة وهو ما دفعه للتطلع إلى العرش الذي وظف فيه قدراته ليحل محل سيده المتسامح، لا ليخدمه. وبتقديري ان تناول الدراسين الغربيين لسيرته واعتمادا على روايات رومانية عاصرته فيها اجحاف لاثنيته وربما لتسامحه أيضا مع الحركة المسيحية الصاعدة والتي كان مركزها في المشرق، فالانتصار الذي ينسب لـ غورديان 243 في معركة ترد باسم ريساينا Resaina وريسائنا Resaena ورهساينا Rhesaena ويحددها الباحثون بقرب جيلانبينار Ceylanpınar وبالكردية Serêkaniyê فيه إشارة الى أن راس العين تسمية قديمة نسبة للقبائل العربية التي كانت في تلك المنطقة وتؤمها حتى عهد قريب لسقاية اغنامهم. والملفت نسب الهزيمة لفيليب سنة 244 والتي كانت إثر الانتصار في معركة راس العين واستعادة نصيبين Nisibis وحران Carrhae- التسمية توحي بأن اللفظ القديم كما في الاكدية بالخاء وقلبت كافا وكانت تعني طريق القوافل harrānu -. وبينما من الصعب الجزم بسبب موت كل من تيميسيثيوس والامبراطور وافتراضا ان فيليب وراء ذلك فبتقديري ان السبب يعود للمثل القائل اهل مكة أدرى بشعابها، فهو لم يكن على وفاق مع فكرة ان النجاح في معركة راس العين كفيل بالتمدد قدما وغزو العاصمة قطسيفون (المدائن) ولهذا يتهم في بعض الكتابات بأنه هندس تمردًا عن طريق تحويل الحبوب التي كان من المفترض أن تغذي الجيش. وبتقديري ان العرب بحكم انتشارهم فيما بين النهرين في موجة هجرة كبيرة من شرق الجزيرة خلال فترة الصراع البارثي الساساني على الحكم وقفت الى جانب شابور الأول وان فيليب الذي لديه معلومات بحكم علاقات القبائل العربية بعضها ببعض وجد في التقدم خاسرا، ولهذا عاجل لتوقيع اتفاقية سلام بعد الهزيمة في معركة Misiche-مشيق بالبارثية- أي مدينة الانبار الدارسة حاليا قرب الفلوجة.
لم يكن فيليب على استعداد لتكرار أخطاء الطامحين للعرش السابقين، وكان مدركًا أنه يجب عليه العودة إلى روما من أجل تأمين منصبه في مجلس الشيوخ. ومع ذلك، كانت أولويته هي إبرام معاهدة سلام مع شابور الأول، وسحب الجيش من الحالة الكارثية. وهي الحالة التي تعرض لها ماكرينوس وهي كيفية انهاء الحرب في الشرق. وبحسب باحثين فقد كان فيليب محظوظا في المفاوضات مقارنة بماكرينوس، وعلى الرغم من اتهامه بالتخلي عن الأراضي، إلا أن الشروط الفعلية للسلام - حسب دارسين - لم تكن مذلة كما ينبغي رغم وصفها من قبل البعض بانها اكثر اتفاقية مخجلة، فقد استعاد مقاطعات الرها واعالي ما بين النهرين، ولكن كان عليه أن يوافق على أن أرمينيا تقع داخل دائرة نفوذ بلاد فارس. كما كان عليه أن يدفع للفرس تعويضًا هائلاً قدره 500000 دينار ذهبي. وصك على الفور عملات معدنية تعلن أنه قد عقد السلام مع الفرس pax fundata cum Persis. اثناء عودته على راس جيشه اقام عند قرقيسيا قرب دير الزور نصبا تذكاريا (قبر اجوف) على شرف غورديان الثالث ولكن رماده ارسل لروما، حيث جرت مراسم تأليهه.
اثناء توجهه لروما لنيل موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه امبراطورا، ترك خلفه شقيقه برسكوس في انطاكية كحاكم فوق العادة للمقاطعات الشرقية الرومانية بلقب حاكم الشرق rector Orientis، واثناء مواصلته طريقه لروما غربا ترك لشقيق زوجته سيفيريانوس Severianus سلطة إدارة مقاطعات مويسيا Moesia -وسط بلغاريا وصربيا حاليا- ومقدونية Macedonia. ووصل روما نحو صيف 244 حيث نال لقب أغسطس. وقبل نهاية ذلك العام اسمى ابنه الصغير قيصر Caesar وريثا له على العرش، ومنح زوجته اوتاكيليا سيفيراOtacilia Severa لقب امبراطورة اغسطاAugusta ، كما وتجاوز عادة اقتصار التأليه على الاباطرة حيث قام بتأليه والده مارينوس Marinus رغم انه لم يكن يوما امبراطورا. واثناء وجوده في روما ربط نفسه بالانتصار العظيم على الفرس Persicus Maximus.
خلال شهر نيسان 248 نال شرف رعاية اهم حدث في عهده، وهو الذكرى الالفية لتاسيس روما- وفقا للتقاليد في 21 نيسان 753 قبل الميلاد على يد رومولوس Romulus- ، حيث ضخ المزيد من الأموال في احتفالات لودي سيكولاريس Ludi Saeculares. وتم إصدار العملات التذكارية، بأعداد كبيرة ، ووفقًا للروايات التي عاصرتها كانت الاحتفالات رائعة وتضمنت ألعابًا ومبارزات وعروضا مسرحية في جميع انحاء المدينة.وفي المدرج الفلافي ( الكولوسيوم) Colosseum بروما، حيث يقال إنه كان معد أصلا للاحتفال بانتصار الامبراطور غورديان الثالث على الفرس فقد قُتل أكثر من 1000 من المصارعين جنبًا إلى جنب مع مئات الحيوانات الغريبة بما في ذلك أفراس النهر والفهود والأسود والزراف وواحد من وحيد القرن. كما جرت احتفالات أدبية وقدمت مؤلفات عدة بما في ذلك تاريخ الالف سنة الذي أعده اسينيوس كوادراتوس Asinius Quadratus خصيصًا للذكرى. في الوقت نفسه، رفع فيليب ابنه إلى رتبة أوغسطس.
لم يغفل فيليب موطنه من الاحتفالات المواكبة، فقد اقام في بصرى الشام عاصمة العربية البترائية احتفالات ذي الشرى Actia-Dusaria اهم اله لدى العرب الانباط.
تتصف فترة حكمه التي استغرقت خمس سنوات باستقرار غير مألوف في القرن الثالث المضطرب، ففي محاولة لدعم نظامه ، بذل جهدًا كبيرًا في الحفاظ على علاقات جيدة مع مجلس الشيوخ ، ومنذ بداية عهده ، أعاد التأكيد على الفضائل والتقاليد الرومانية القديمة. وسارع لمشروع اعمار ضخم في بلدته مسقط رأسه، وأعاد تسميتها باسم فيليبوبوليس Philippopolis ، ورفعها إلى مرتبة المدينة ، وقام فيها بنصب تماثيل له ولعائلته، ويدعي دارسون انه بذلك راكم على الخزينة جهدا يضاف للجزية الهائلة المستحقة للفرس، مضافا اليه الهبات التي كان يقدمها للجيش لضمان ولاءه. ولذلك فقد رفع نسبة الضرائب بصورة كبيرة في وقت توقفت فيه الإعانات للقبائل الواقعة شمال نهر الدانوب، والتي كانت ضرورية للحفاظ على السلام على الحدود ،وهي برؤيتهم قرارات كان لها اثرها الكبير على الإمبراطورية وحكمه.
اضطر فيليب عام 245 لمغادرة روما لمواجهة القلاقل في منطقة الدانوب التي كانت تحت إدارة شقيق زوجته سيفيريانوس، ويغمز دارسون سبب ذلك الى فقدان قائد الحرس الامبراطوري تيميسيثيوس الذي بوصفهم كان صانع استقرار في الدانوب وبفقدانه انهزم غورديان في الشرق. على اثر توقف فيليب عن دفع الإعانات للقبائل تحركت قبائل الكاربي Carpi- مولدافيا حاليا- عبر داقية Dacia -شمال الدانوب في رومانيا -، وعبرت نهر الدانوب وتغلغلت في مويسيا مهددة البلقان. أتخذ فيليب مقره الرئيسي في فيليبوبوليس-بلوفديف حاليا- في تراقيا ، واستطاع دفع القبائل الغازية للتراجع الى ما وراء الدانوب كما طاردهم في داقية، وبحلول صيف 246، أعلن النصر عليهم ، وسجل لقب الانتصار العظيم على الكاربيين Carpicus Maximus.
على الرغم من الأجواء الاحتفالية، استمرت المشاكل في المحافظات. ففي أواخر 248، تمردت القوات في مقاطعة بانونيا Pannonia – أجزاء من المجر والنمسا ويوغوسلافيا سابقا - ومويسيا ،احتجاجا على نتيجة الحرب ضد قبائل كاربي ، ونصب المتمردون تيبيريوس كلوديوس باكاتيانوس Tiberius Claudius Pacatianus امبراطورا ولكنه قتل على ايدي رجالاته كما توقع ديكيوس قبل ان يصل لمعالجة الوضع في الدانوب.و تنحصر المعلومات عن باكاتيانوس Pacatianus من المؤلفين البيزنطيين زوسيموس وزوناراس ويبدو انهما استقيا ما كتباه عن ذات المصدر، واسمه الكامل يقرأ على بعض العملات تي. كلاوديوس مارينوس باكاتيانوس Ti. Cl(audius) Marinus Pacatianus، وربما يشخص أيضا بـ كلاوديوس مارينوس كلاريسيموس بوير C[l(audius) ...] Marinus, c(larissimus) p(uer) المشار اليه مع والده كلاوديوس سوليمنيوس باكاتيانوسCl(audius) Sollemnius Pac[atianus?] من خلال نقش من بصرى والذي بحسبه فإن سوليمنيوسSollemnius كان الحاكم على مقاطعة العربية عهد الامبراطور سيفيروس الكسندر، وبعدها خدم كمحافظ لكل سوريا Coele Syria. وبحسب زوناراس فقد كان مقره في الجيش على جبهة الدانوب. ويعتقد ان تولى المسؤولية في الدانوب في نيسان 248 وكان يحمل عضوية مجلس الشيوخ، وان الجيش رفعه باللباس الارجواني في مويسيا وربما أيضا في بانونيا. وباعتقادي ان اصل باكتيانوس عربي بالنظر الى تسمية والده سوليمنيوس وتوليه حكم العربية البترائية في عهد سفيروس ومن الصعب الجزم بسبب الشقاق اخذا بعين الاعتبار انهما من ذات الاثنية.
وفي النتيجة استغلت القبائل الجرمانية حالة عدم الاستقرار وبضمنها ما أطلق عليه الـ قواديQuadi الذين كانوا يعيشون في مورافيا -التشيك حاليا- وعبرت الحدود واغارت على مقاطعة بانونيا. وفي الوقت نفسه ، غزا القوط مويسيا وتراقيا عبر حدود الدانوب ، وحاصروا مارسيانوبوليس Marcianopolis -دفنيا في محافظة فارنا شرق بلغاريا-. وشجعت الغارات القوطية قبائل كاربي للانطلاق في هجماتهم على داقية Dacia – في رومانيا حاليا- ومويسيا. في ذات الفترة سجل تمرد قائدين هما ماركوس سيلباناكوس Marcus Silbannacus الذي تمرد في الراين الجبهة الألمانية العليا وتسميته توحي بأن اصله سلتي (كلتي) وقضى على تمرده ديكيوس في بلاد الغال ، وأيضا سبونسيانوس Sponsianus في بانونيا، وايضت اخمد ديكيوس تمرده. وفي سوريا وكبادوكيا أيضا قاد ماركوس يوطافيانوسMarcus Jotapianus وهو غير عسكري انتفاضة أخرى ردًا على الحكم القمعي لبرسكوس شقيق الامبراطور الذي فرض ضرائب عالية على المقاطعات الشرقية، ويقول عنه المؤرخ الروماني اوريليوس فكتور Aurelius Victor 320 – c. 390 بأنه كان يدعي نسبه لـ الكسندر سيفيروس، وهو ما يرجحه عديد من الدارسين بمعنى انه ينحدر من الاسرة الحمصية السيفيرية. ولا يستبعد البعض ان يكون قد ادعى أنه من نسل الإسكندر الأكبر المقدوني لأن اسم يوطافيانوس Iotapianus يبدو مشابهًا لاسم الملكات يوطافا الاولى Iotape I والثانية المنحدرتين من عائلة كوماجين Commagene الملكية. وكان ملوك كوماجين يدعون وخاصة أنطيوخوس الأول ، المشهور بآثاره على جبل نمرود Nemrut Dağı ، أنهم ينحدرون من الإسكندر الأكبر. لذلك ربما كان ينتمي إلى العائلة التي فقدت العرش تحت حكم فيسباسيان. ووفقا لاوريليوس فيكتور وبوليميوس سيلفيوس Polemius Silvius ان ما قام كان ثورة في المقاطعات ولم تصل لدرجة الاغتصاب العسكري. ويعتقد دارسون انه كان يحمل منصبا شبيها بما حمله بعده أورانيوس أنطونينوس الحمصيUranius Antoninus of Emesa 253 واذينة التدمري اللذان لم يخططا للاستيلاء على السلطة في الإمبراطورية الرومانية بأكملها ، لكنها اكتسبا مكانة بارزة في الشرق واستخدما لقب "أغسطس" لتمييز ذلك.
ويبدو لباحثين ان فيليب لم يكن يحظى بشعبية في سوريا، ففي إحدى فقرات النبوءات السيبيلينية Sibylline Oracles ، لا يخفي مؤلفه السوري غيرته من ازدهار العربية بمدينتيها بصرى وشهبا -فيليبوبوليس تحت حكم فيليب.
امام الوضع الشائك حيث ترافقت الغزوات الخارجية مع تمردات القادة عرض فيليب استقالته، ولكن مجلس الشيوخ قرر الوقوف خلفه ودعمه، وكان اكثرهم مساندة ببلاغة اللسان عضو مجلس الشيوخ جايوس ميسيوس كينتوس ديكيوس Gaius Messius Quintus Decius ، وهو ما اثار اعجاب فيليب فارسله إلى المنطقة المضطربة بأمر خاص يشمل جميع مقاطعات بانونيا ومويسيا بما يؤهله قمع تمرد الحرس الامبراطوري وصد الغزوات البربرية.
ويبدو ان ديكيوس الصربي الأصل، وابن ذات المنطقة استطاع ظاهريا تهدئة التمرد، الا ان معاودة السخط في القوات يوحي بأنه كان يطمح للعرش ففي ربيع 249 نادى الجيش المتمرد في الدانوب به امبراطورا وسار على الفور إلى روما. واثناؤه كانت الدائرة تضيق على فيليب حيث اجبرته الصعوبات المالية على الحط من قيمة عملة الأنطونينيانوس Antoninianus ، وبدأت أعمال الشغب في مصر ، مما تسبب في انقطاع إمدادات القمح في روما، وهو ما زاد من تآكل دعمه في العاصمة. ويعتقد البعض انه كان بوسع فيليب تجنب مصيره بتقليص الانفاق كاحتفالات الالفية وغض النظر عن تطوير مسقط رأسه، كما وجب عليه كعسكري لامع وسبق له ان برهن ذلك بالقضاء على اجتياح قبائل الكاربي قبل ذلك التواجد بين قواته على الدانوب لأنهم بحاجة لرفع معنوياتهم وتأمين مستحقاتهم المالية .
على الرغم من محاولة ديكيوس تجنب المواجهة مع فيليب وإيجاد حل مناسب الا ان جيش فيليب تواجه معه قرب فيرونا في ذلك الصيف. ربح ديكيوس المعركة بسهولة، وقتل فيليب في وقت ما في أيلول 249 ، ولا يعرف فيما اذا قتل في ارض المعركة ام اغتيالا على يد جنوده الذين كانوا حريصين على إرضاء الحاكم الجديد. وعلى الأثر قام الحرس لدى وصول الانباء لروما بقتل ابن فيليب البالغ من العمر 11 عامًا ومقربيه. واما شقيقه برسكوس فقد اختفى دون أن يترك اثرا بعد تمرد يوطافيانوس الذي يرجح بان انتفاضته فشلت وقتل على ايدي جنوده.
لم يتمتع ديكيوس بالمنصب الامبراطوري طويلا اذ قتل هو وابنه الذي شاركه الحكم في معركة وقعت في منطقة رازغراد ببلغاريا عام 251.
اهم ما يربط بفيليب هو بسطه لسياسة التسامح مع المسيحيين عكس من سبقه من اباطرة يتحدرون من الاسرة الحمصية المدافعة عن عبادة الشمس. ومما يدعم فرضية ان عهد فيليب كان مناخا خصبا لانتشار المسيحية ذات الجذور المشرقية فكرا وبشرا، فعلى عكسه اذ ارتبطت شهرة ديكيوس باضطهاد المسيحيين واستنهاضه للدين القديم.
وينقسم الدرسون حول طبيعة ديانته، وليس من المؤكد انه اعتنق المسيحية، ولكن بعض رجال الكنيسة خلال أواخر القرن الثالث والرابع اعتبروه أول إمبراطور مسيحي، وهو وصف قدمه القديس جيروم Jerome of Stridon في حوليات تاريخه Jerome s Chronicon ، ويعرف عن جيروم هذا انه قدم من دلماسيا – في يوغوسلافيا حاليا -بامر من البابا لترجمة الانجيل للاتينية في بيت لحم حيث عاش ومات فيها 420.
المؤرخ يوسيبيوس القيصري 265 – 339 -نسبة لقيسارية بفلسطين- الموصوف بابي التاريخ الكنسي في كتابه التاريخ الكنسيEcclesiastical History ، نص على أن فيليب هو أول إمبراطور روماني مسيحي. وبحسبه فإنه رغم مسيحيته لم يُسمح له بدخول قداس عيد الفصح حتى اعترف بخطاياه وأمر بالجلوس بين التائبين ، وهو ما فعله طواعية. في الإصدارات اللاحقة موقع هذا الحدث في أنطاكية. يعزو النقاد هذا الادعاء إلى التسامح الذي أظهره فيليب تجاه المسيحيين.
ومع ذلك، فإن المؤرخين يحددون عمومًا الإمبراطور قسطنطين 285-337، الذي تعمد على فراش الموت، باعتباره أول إمبراطور مسيحي، ويصفون عمومًا تمسك فيليب بالمسيحية على أنه مشكوك فيه، ولعدم وجود ما يؤكد ذلك لدى الكتاب الوثنيين، ولأنه طوال فترة حكمه استمرت جميع المظاهر ومنها العملات المعدنية في اتباع دين الدولة.
وما يهم في هذا الامر أن نحو 25 امبراطورا حكموا خلال فترة من عدم الاستقرار والانشقاقات لحين تولي قسطنطين الحكم الذي حول العاصمة الى بيزنظة (القسطنطينية بعد موته) سنة 330، وسبق له ان اصدر مرسوم ميلانو عام 313 الذي أنهى اضطهاد المسيحيين، ورغم عدم وجود ما يؤكد اعتناقه الديانة الجديدة الا انه دعا لعقد مجمع نيقية المعروف باسم المجمع المسكوني الأول عام 325. واصبحت المسيحية ديانة الدولة عام 380. ولم يكن انفصال الامبراطورية الرومانية الغربية عام 359 معزولا عن الجذور الثقافية والعرقية في الجانب الشرقي والغربي من الامبراطورية القديمة، وكأنما وصلت القوى الى احتفاظ الشرقيين –احفاد الاغريق- والغربيين –احفاد اللاتين الرومان- لسلطتيهما قبل توسع الطرف الاخير على حساب الاول. ولما كان الاغريق –البيزنطيون- الاقرب للمشرقيين تراثا وثقافة فقد عمرت هذه السلطة طويلا، لحين تآكل نفوذها في المشرق، ومن ثم الاطاحة بها سنة 1453 في عقر دارها علي يد القبائل التركية الزاحفة تدريجيا من وسط اسيا.
وأخيرا ان كان من مأخذ على فيليب فهو أن حلمه الامبراطوري كان السبب في نهايته، وانه لو قصر توظيف جهوده في إقامة مشرق مستقل عن الادارتين الرومانية والفارسية لكان نجح، صحيح انه وقع سلاما مع الفرس وهي خطوة ربما كانت ستؤهله لاقامة هذا المشرق، ولكنه شتت جهود أبناء المنطقة عربا وسريان في الحروب دفاعا عن الرومان وامامهم مثلهم دفاعا عن البارثيين، واذا كان بين يديه قائدين هما شقيقه برسكوس وشقيق زوجته سيفيريانوس فإنه فشل في استمالة اثنين من المتمردين احدهما وهو يوطافيانوس قريب نسبا لزوجته الحمصية، والثاني باكاتيانوس ابن سوليمنيوس الذي حكم العربية البترائية. واعتقد ان اذينة الزعيم الذي برز نجمه بعده وكان آنذاك رأسا لتدمر بين العامين 240-260 قد سعى لتحقيق هذا الحلم ولكن الرومان اكتشفوا نيته فاغتالوه ودفنوا حلمه الذي عاودت الزباء لاحياءه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا