الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة المنظمة في صدر الاسلام - 1 -

ربيع نعيم مهدي

2021 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة أولى:

"1"
قد يبدو المقال غريباً لقارئه ومستبعداً في الوقت ذاته، وقد يشكك البعض في مصاديق الحديث عن صدر الاسلام، وقد يعتبرها البعض الاخر ضربا من المبالغة، لكن الصراعات السياسية في تلك الفترة القصيرة من الزمن، والتي استحكمت تأثيراتها في المسار السياسي للمجتمعات الاسلامية حتى وقتنا الحاضر، توجب اعادة القراءة لمصادر التاريخ.
وبالرغم من توفر الكثير من كتب التاريخ التي تناولت صدر الاسلام، إلا ان هذه الكتب – والتي كتب اغلبها في وقت متأخر نسبياً - اعتمدت على وسيلة توثيق الرواية الشفوية، وتبنّي مبدأ التواتر كمقياس لصحة الرواية التاريخية، لكن الأسس والقواعد التي اعتمدها المؤرخين لم تستطع ابعادهم عن الوقوع في دائرة الانتماء السياسي والمذهبي للمؤرخ، وهذا كان سبباً في ظهور ثقافات متعاكسة، بعضها تتبع الحاكم وبعضها ينتشر في دهاليز المحكوم.

"2"
ولا يخفى على أحد الكمّ الهائل من علامات الاستفهام التي ستُثار عند الاطلاع على المصادر التاريخية، والسبب لا يخرج عن دائرة المروّيات التاريخية، والتي افرزت الى الوجود واقع مشحون بالتنافر. - والغريب ان الشعوب المسلمة والمتأسلمة عبر عصورها التي تجاوزت الالف عام بأربعة قرون، لازالت خاضعة للموروث الروائي الذي يشكل اهم الاسباب الموجدة للواقع الحالي-.
أما موضوع المقال – والذي يمثل خلاصة وتمهيد لمقالات أخرى – فيرتكز على مؤشرات شبه صريحة على ان اغلب حوادث القتل كانت بفعل مدبر ومحكم التنفيذ، في ظل فوضى مصطنعة، ساهم فيها صحبة الأمس الذين انشغلوا في سباق محموم للفوز بالخلافة.
مع العلم ان اغلب الاحداث التي دارت في الفترة الزمنية التي لا تتجاوز المئة عام والتي تنتهي بسطوع نجم الدولة الأموية، كان لها مرجعيات قديمة متجذرة في عقلية بعض اقطاب الصراع، فالمعارضة التي واجهت محمد (ص) في مهد دعوته أعادة هيكلة سياساتها، وانتهجت أساليب الاحتواء للسيطرة على الاسلام بكامله، لا باعتباره ديناً سماوياً بل لأنه البوابة الأخيرة للحكم والسلطة.

"3"
ان فرضية وجود جريمة منظمة في صدر الاسلام تكتسب نوعاً من الاثبات عند النظر في الدراسات التي عالجت مفردة الاغتيال السياسي، والتي للأسف.. لم تعالج الغايات السياسية للقتل، بل اكتفت بجمع الروايات وسرد الاحداث، بالرغم من توفر دلالات متناثرة تشير الى ان أغلب عمليات الاغتيال كانت ضمن دائرة الجريمة المنظمة.
ومن اشهر الكتب التي تناولت هذا الموضوع، كتاب "الاغتيال السياسي في الاسلام" لهادي العلوي، الذي اكتفى بجمع وسرد بعض حوادث القتل واهمال السياق التاريخي لمجريات احداثها، اضافة الى اهماله لحوادث قتل كثيرة تدخل ضمن نطاق بحثه، اما الكتاب الثاني فهو "اشهر الاغتيالات في الاسلام" لخالد سعيد وهو ايضا اكتفى بجمع الروايات دون البحث في مسببات حوادث القتل ومدبريها، اضافة الى كتاب محمد بن حبيب "أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قُتِل من الشعراء" والذي حققه عبد السلام هارون ضمن المجلد الثاني من كتاب "نوادر المخطوطات"، اضافة الى مؤلفات نجاح الطائي التي تناولت بالبحث اغتيال رموز كبيرة في الاسلام لكن بحوثه لم تخل من التطرف في افتراض حدوث عدد من عمليات الاغتيال افتقرت للدليل بالرغم من اعتماده آلية التحقيق والتدقيق في الرواية التاريخية.

"4"
وعند اعتماد الفرض، وهو وجود علاقة بين حوادث الاغتيال التي طالت الصحابة من الجيل الأول سنجد ان رؤيتنا لمساراتها الأحداث ستتخذ بعداً آخر ، وسنلاحظ ان الصراعات المبرقعة بحالة من السلام الهش والتي سادت المجتمع المكي قُبيل الاسلام وبُعيد ظهوره، ساهمت في اخفاء الكثير من الحقائق التي تناثرت على افواه رواة التاريخ. وفي المحصلة لم تستطع ثقافة الحاكم طمس معالم الاحداث وازالتها من سجل الايام، وفي الوقت ذاته عجزت ثقافة المحكوم عن اثبات روايتها للأحداث وتوظيفها في المسار السياسي لتحقيق المنفعة.

"5"
ولو تفحصنا في واقع الرواية التاريخية للأحداث في صدر الاسلام سنلاحظ بشكل واضح انها ليست مجرد سرد للماضي، بل هي احدى المفردات التي استخدمتها اقطاب الصراع السياسي لشرعنة الاستحواذ او الاستيلاء على السلطة، والاستمرار في الحكم بإسم المقدس، إذ امتلكت الرواية التاريخية قوة التأثير التي امتلكها الحديث الشريف على مسامع الجمهور، وليست الاحتجاجات التي سردت تفاصيلها كتب التاريخ إلا دليل على هذه القيمة.
وهذا ما دفع أطراف الصراع السياسي أولاً والمذهبي ثانياً الى محاولة إيجاد مخرج من المآزق التي أوقعتهم فيها الرواية، وأوجدوا صفات صالحة للاستخدام ضد رواية الخصم، وهي (الموضوعات والاسرائيليات)، وهي صفات عُمِمَت لتشمل رواية الحديث والسيرة والتاريخ.
ولست هنا بصدد معالجة القيمة الدلالية للرواية التاريخية لأحداث مرّ عليها ما يزيد على اربعة عشر قرناً من الزمان، بل الغاية محددة بإيجاد ربط بين الاحداث ومسبباتها ونتائجها لاستخلاص الحقائق غيبتها فئات سياسية استطاعت ان تقيم انظمة مزيفة حكمت بإسم المقدس .

"6"
وفي ختام هذا المقال، الذي يُعد مقدمة لما سينشر لاحقاً، أجد من الواجب تحديد مفهوم الجريمة المنظمة، إذ ليس من السهل استخدام مصطلح حديث نسبياً لتفسير احداث الماضي، خصوصا اذا كان هذا المصطلح مركب وغير محدد ومتشعب في ذات الوقت، فعند النظر الى اغلب المصادر التي تتناول مفهوم الجريمة المنظمة بالتعريف نجد بانها: (ذلك الاجرام الذي يأخذ طابع الاحتراف المعتمد على التخطيط المحكم والتنفيذ الدقيق والمدعم بإمكانات مادية لتحقيق اغراضه مستخدماً في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة معتمداً في ذلك على قاعدة من المجرمين المحترفين الذين يمثلون الوجه المباشر للجريمة، وملتزمة بغطاء السرية والتمويه لإخفاء المعالم الجرمية التي تدينها لتحقيق غايات تتعلق بمنافع مادية او معنوية).
اما مصادر الفقه الاسلامي فلم نأخذ بها لأنها عرّفت الجريمة ضمن حدود التشريع الفقهي المتأثر بآراء الفقهاء وتفسيراتهم الخاضعة لرقابة السلطة، والتي تعتبر الراعي والداعم للفقيه في اغلب الاحوال، لذلك نجد ان بعض الباحثين عمل على وصف جناية الحرابة على انها التفسير المناسب لمفهوم الجريمة المنظمة في التشريع الاسلامي، - التي حدد معالمها فقهاء المذاهب الاسلامية بانها قطع الطريق بغية كسب محرم - .

يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran