الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظومة القيم في النظام التَّربوي بالمغرب

عز الدين المعتصم

2021 / 9 / 19
التربية والتعليم والبحث العلمي


يعد مفهوم التربية على القيم، في المدرسة الحديثة، ركيزة هامة من ركائز إنجاح المشاريع التنموية التي انخرط فيها المغرب في الألفية الثالثة، لأنها تهدف إلى تكوين المتعلمين وفق الثقافة السّائدة. وهكذا، فإن ما يكتسبه المتعلم من مهارات وقدرات وكفايات، وما يتدرب عليه من أساليب السلوك النِّظامي داخل الجو المدرسي، يسهم إسهاما وافرا في بناء شخصيته في مختلف جوانبها الجسمية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية. وعن طريق هذا التكوين يستطيع، بالتدرج، أن يمنح الأشياء المتباينة في عالمه معنى ودلالة. فما المقصود بالقيم في الحقل التربوي؟ وكيف تسهم في اختيار غايات التربية وأهداف التدريس بالمدرسة المغربية؟

1- القيمة valeur – تحديدات مفاهيمية
يطلق لفظ القيمة من الناحية الموضوعية على ما يتميز به الشيء من صفات تجعله مستحقا للتقدير. ويعرف قاموس علم النفس "القيمة" valeur بأنها الاهتمام الذي يوليه الفرد لموضوع ما، أو إنه التقدير الذي لدينا لشخص معين. ويضيف بأن مفهوم القيمة مفهوم ذاتي؛ فالقيم تختلف باختلاف الأفراد والمواقف، ومن ثم، فهي مرتبطة بإشباع الحاجات. ذلك أن موضوعا ما له قيمة معينة، بقدر ما إذا كان مرغوبا فيه أم لا.
يتضح أنه ليس من الضروري وضع حد فاصل ونهائي بين القيم والمثل العليا؛ فالقيم عبارة عن مفاهيم سلوكية تدفع بالفرد إلى الانتماء والاختيار في مجالات الحياة وفق اهتماماته واتجاهاته وتقديره للأشياء التي يحتك بها خلال حياته، سعيا لإرضاء نفسه وإشباع حاجاته. ويتفق معظم الباحثين في الحقل التَّربوي على أن عملية تربية الطفل على القيم تبدأ في سن الثالثة، أي في مرحلة الطفولة المبكرة، فمرحلة المراهقة، ثم مرحلة النضج التي يتحدد فيها سلوك الفرد، نتيجة لخبرات التنشئة التي تلقاها الفرد في مرحلة الطفولة والمراهقة حسب الباحثة أمل خلف في كتابها التنشئة السياسية لطفل ما قبل المدرسة. ويتقبل الطفل المفاهيم والقيم وفقا لمرحلته العمرية، إذ لكل مرحلة عمرية خصائصها الخاصة التي تمكنه من تقبل وتفهم بعض المفاهيم دون سواها. ومن هنا يتبين أن لمنظومة القيم علاقة وثيقة بالتنشئة الاجتماعية، فعلى الرغم من أنها عبارة عن مفاهيم انتقائية يقوم بها الفرد الإنساني في موقف معين بمحض اختياره، فإن هذا الاختيار لا يعدم أسسه بالواقع الاجتماعي الذي ينشأ فيه بكل حمولته الثقافية. ومهما تمكنت تلك التشكيلة من الفرد وتغلغلت في كيانه الشخصي العميق، إلا وأصبحت عاملا من عوامل التأثير في أفكاره وتوجيه سلوكه واختياراته، كما تصبح الموضوعات التي تمثلها القيمة أهدافا وغايات يسعى لبلوغها.
يتضح، اعتمادا على ما سبق، أن القيم هي ذلك النسق من المعايير التفضيلية والسلوكيات المرغوبة، والتي يمكن للتربية نقلها وتنميتها عن طريق التنشئة الاجتماعية والتفاعل في المواقف التعليمية التي تتجسد انطلاقا من ممارسات لفظية وحركية مباشرة وغير مباشرة، يمكن وصفها بأنها ممارسات يبرز فيها الخلق الحسن. لأن المحيط السوسيو ثقافي الذي يعيش فيه الفرد ، بكل ما يتميز به من نظم وتقاليد وأعراف اجتماعية، يمارس عليه تأثيرا مباشرا أو غير مباشر، بشكل يؤدي إلى بلورة قيمه وتحديدها بشكل معين.

2- القيم والتنشئة الاجتماعية
تمثِّل القيم الإسلامية مرتكزات أساسية تقوم عليها عملية التفاعل الاجتماعي، وفي هذا الصّدد نلفي الباحث السوسيولوجي إميل دوركهايم يؤكد على التربية الأخلاقية كمحور لعملية التنشئة الاجتماعية التي تزوِّد الأفراد بتصورات المجتمع ومعاييره وأنماط سلوكه، وبالتالي تواصل الفرد بجماعته التي هو عضو فيها، لأن التربية والأخلاق وجهان لعملة واحدة، فلكي يقدم المربّي تربية سليمة، لابد أن يرتكز على الأسس الروحية والخلقية، ولكي ينمّي ويغرس المبادئ والقيم الخلقية في نفوس المتعلِّمين، خليق به التوسل بجميع طرائق التربية السّليمة ومحتوياتها وممارساتها لربط المضمون الفكري والروحي بالواقع العملي الذي يعيشه أبناؤنا، لتصبح هذه القيم موضع التطبيق والممارسة، كما يذهب إلى ذلك محمد الفلاحي في كتابه الموسوم بدور التربية في غرس القيم الخلقية في نفوس الناشئة. ومن ثمّة تظهر العلاقة الوظيفية التبادلية بين التربية والأخلاق، ومساحة التقائهما تكون على صعيد القيم.
ولهذا نجد مضامين ومحتويات الكتاب المدرسي، المعتمد من طرف الوزارة الوصية، تروم تربية الطفل المغربي تربية دينية متينة تستمد مقوماتها من تعاليم ديننا الحنيف. وفي هذا الإطار تتجلّى أهمية اللغة العربية التي تربي الطفل تربية وطنية، وتثقفه تثقيفا صالحا. ومرد ذلك إلى أن عملية التنشئة الاجتماعية هي الإطار العام الذي يضم بداخله مجموعة من العمليات تتمثل في القيم الإسلامية والوطنية والإنسانية، وإن هذه العمليات إنما تعبر عن الجوانب المختلفة لتنشئة الطفل في المجتمع المغربي، كما أنه من الصعب الفصل بين تلك العمليات المتعددة لتنشئة الطفل بعيدا عن الإطار العام الذي يضمها في بوتقة واحدة، وهي التنشئة الاجتماعية.
وفضلا عن القيم الإسلامية، نجد النظام التربوي ببلادنا يسعى إلى ترسيخ القيم الاجتماعية في وجدان المتعلم، وتكمن أهمية هذه القيم في إكسابه المفاهيم والعادات والاتجاهات والقيم السائدة في مجتمعه، هذا بالإضافة إلى القيم التربوية والاجتماعية والثقافية، التي يتمكن من خلالها من التفاعل والتكيف مع المجتمع. ويعتبر هذا الاكتساب تعلما اجتماعيا، ويتم ذلك عبر مجموعة من الوسائط. وقد اتضح للباحثين في مجال دراسة القيم أنه لا يمكن دراسة قيمة معينة لدى الفرد بمعزل عن قيمة أخرى مرتبطة بدورها بمجال سلوكه واهتماماته، بتعبير التربوي أحمد أوزي في كتابه المراهق والعلاقات المدرسية. لذلك تلعب المقررات التربوية دورا هاما في تنشئة الطفل بواسطة عملية التعلم الاجتماعي، وتلقينه قيم المجتمع سواء كانت سلوكية أم دينية أم اجتماعية، وذلك بشكل غير مباشر.
وتجدر بنا الإشارة إلى القيم الثقافية التي يروم النظام التربوي بالمغرب غرسها في نفوس الناشئة، على اعتبار أن الثقافة هي المحصلة النهائية لإفادة الإنسان من المعارف والعلوم والآداب والفنون، وكذلك من التقاليد والعادات لتطور ملكاته العقلية ومهاراته اليدوية والفنية، وصقل وجدانه ليحرك كل إرادته في مواجهة الظروف المحيطة، كما يشير إلى ذلك سعد لبيب في كتابه دراسات في العمل التلفزيوني. وغالبا ما يرغب النظام المدرسي المغربي في تعزيز الثقافة العامة للمتعلم، وزيادة خبراته ومعلوماته عن المجتمع، وإثراء الحصيلة اللغوية لديه، وإكسابه العديد من المهارات والقدرة على التصرف في المواقف الحياتية. ومردّ ذلك إلى أن القيم الثقافية تساعد على إكساب الأفراد العديد من المعارف والأفكار، وأشكال الإبداع الفني والأدبي المختلفة، بالإضافة إلى تقاليد المجتمع وعاداته وتراثه وفنونه. وهذا يعني أن الثقافة تشتمل على أنماط السلوك التي يكتسبها الإنسان مشاركا فيها أعضاء مجتمعه، أو هي بتعبير آخر، كل ما يتعلمه الإنسان ويتصرف على أساسه مشاركا الآخرين فيه، فضلا عن كونها نمط من الأفكار والقيم التي تدعم ذلك السلوك، حيث إن كل عنصر من عناصر الثقافة يتضمن سلوكا معينا.
نستخلص مما سبق من طرح، أن المدرسة المغربية تعمل، من خلال المقررات التعليمية، على تدعيم القيم الإيجابية وتقديم النموذج الإيجابي الذي يتوحد معه المتعلم، زيادة على الجانب الفني الهادف الذي يساعد على إمتاعه من جهة، وتمثله لثقافة بيئته وقيمها وأعرافها من جهة أخرى، حتى يتكيف مع مجتمعه. وعلى هذا الأساس فإن الرقي بالعملية التربوية يتطلب الارتباط بقيم أساسية يتجه إليها النمو الإنساني الذي تهتم التربية بتحقيقه، وهذا الأمر رهين بزيادة اهتمام النظام التربوي والتعليمي بالقيم التربوية، ووضع الاسراتيجيات والخطط الكافية في ذلك، مما يستدعي تضافر الجهود بين جميع العناصر، من أهمها: إدارة المدرسة، والمدرس، والأسرة، ومؤسسات المجتمع المحلي. فالتكامل في العمل يقودنا إلى التوافق، ويخلصنا من الأفكار غير السليمة، ويبعدنا عن السلوكات غير المقبولة، فنسلم من ثقافة الآخر التي لا تنسجم مع تربيتنا وثقافتنا، حينئذ نبني شخصية واضحة تخلو من التناقضات.
لأن العلاقة بين القيم والتربية علاقة متبادلة ذات تأثير وتأثر، فالتربية تتأثر بقيم التربويين والمفكرين وواضعي المناهج والمدرسين، و تؤثر في غرس قيم الأجيال وإكسابهم السلوكات والصفات الحميدة. وحتى نرتقي بالعملية التربوية من ناحية وبأبنائنا من ناحية أخرى، يجب أن تستند التربية إلى قيم إيجابية تتفق مع ثقافة مجتمعنا وتراثه، وهذا لن يتسنى إلا بواسطة توافر القيم، وتبنيها قولاً وعملا.

باحث من المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و