الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيجيرفان بارزاني من البحث عن الهوية الى تجسيدها

صلاح بدرالدين

2021 / 9 / 19
القضية الكردية


يكاد يجمع المراقبون ، المتابعون لتطورات إقليم كردستان العراق ، على حدوث نوع من الاختراق الدبلوماسي ، والبروتوكولي ، من جانب الفرنسيين ، والبريطانيين ، لدى استقبال رئيس إقليم كردستان العراق الشاب – نيجيرفان. بارزاني – حيث تم التعامل معه كرئيس دولة مستقلة ، ومعلوم ان ماحصل ليس من باب السهو ، والخطأ في هذين البلدين العريقين المعروفين بالدقة ، والصرامة البيروقراطيتين على خطى الاباطرة ، والملوك ، والامراء الذين حكموا البلدين – المستعمرين السابقين – لمعظم دول وشعوب آسيا ، وافريقيا .
هناك من فسر ذلك الاختراق ، وحفاوة الاستقبال ، بنوع من صحوة الضمير ، والاعتراف غير المعلن ، وغير الموثق كتابة ، بالاعتذار عن الضرر الذي الحقه البلدان بالشعب الكردي في الحقب التاريخية الماضية ،بدأ من الحروب الصليبية ، والمواجهة وجها لوجه مع جيش القائد الكردي المسلم صلاح الدين الايوبي ، مرورا بقيام سايكس الإنكليزي ، وبيكو الفرنسي بابرام اتفاقية تقسيم كردستان التاريخية عام ١٩١٦ ، وانتهاء بموقفهما العدائي تجاه التطلعات الكردية المشروعة من خلال مشاركة البلدين في مختلف المعاهدات ، والاحلاف التي ابرمت بالشرق الأوسط مع الأنظمة الحاكمة ، تستهدف باجزاء منها الشعب الكردي ، وتقف عائقا امام حق تقرير مصير الكرد اسوة بالشعوب الأخرى في المنطقة .
وهناك من ذهب بعيدا والى اكثر من ذلك ، معتبرا أن ماقامت به حكومتا البلدين تجاه رئيس الإقليم الكردستاني حفيد الزعيم الراحل مصطفى بارزاني ماهو الا مقدمة لخطوة الاعتراف باستقلال كردستان العراق ، وإعادة النظر بالملف الكردي في المنطقة برمتها ، والعودة الى ترسيم الحدود الدولية من جديد ، وإرساء تحالفات مستحدثة تطوي صفحة نتائج الحربين العالميتين الأولى ، والثانية .
وفي هذا المجال تعيدني الذاكرة الى عام ١٩٨٩ أي قبل نحو ثلاثة عقود ، عندما عقد مؤتمر تضامني مع الشعب الكردي في باريس ، برعاية السيدة الأولى الفرنسية – مدام ميتران – وكنت من جملة عدد من المتكلمين من القيادات السياسية الكردية في المؤتمر ، وطالبت حينها بان تقدم فرنسا الاعتذار للكرد حول الضرر الذي الحقته بهم طوال التاريخ الاستعماري ، والتعويض عن ذلك ، وقد تجاوبت السيدة – ميتران – وتفاعلت مع كلمتي ، حيث قامت من كرسيها وبدات بالتصفيق دليل موافقة علىى طلبي ، وهو امر ليس بغريب في عصرنا الان حيث هناك العديد من الشعوب المستعمرة السابقة تطالب بانصافها ، خصوصا من جانب فرنسا ،وبريطانيا ، وألمانيا ، وغيرها والتعويض عن خسائرها بالحقب الاستعمارية .
نيجيرفان بارزاني من البحث عن الهوية ، الى تجسيد الهوية
كانت زيارة السيد – نيجيرفان بارزاني – الى الولايات المتحدة الامريكية ( ١٧ –٤ – ٢٠٠٠ ) وكلمته المعبرة في كونفرانس " البحث عن الهوية " بذلك الحضور النخبوي الأمريكي المميز ، إيذانا لبدء مرحلة جديدة متطورة في العمل السياسي ، مترافقة مع الطفرة الإنمائية في مجال تدشين البنية التحتية لإقليم كردستان ، بعد مرحلة الثورة ، واستبشر الكثيرون خيرا ، بإمكانية بلوغ كردستان العراق مرتبة – نمور آسيا – كاحد نمور – ميزوبوتاميا – وذلك لتوفر النفط ، والقوة البشرية ، والموقع الجغرافي المؤهل ، وقبل هذا وذاك صمود ، وطموح ، شعب قدم التضحيات الجسام لاكثر من قرن من الزمان ، وبحثه عن سبل لنيل الحرية ، والكرامة ، والعيش بسلام .
بعد عقدين من بحثه عن " الهوية " في أمريكا ، يزور الرئيس – نيجيرفان – البلدين الأوروبيين كصاحب هوية كردستانية واضحة المعالم ، راسخة الجذور في إقليم فيدراليي له مؤسساته المنتخبة التشريعية ، والتنفيذية ، معترف به بدستور الجمهورية العراقية ، ويحظى باجماع كردستاني ليس من جانب الكرد فحسب بل من قبل القوميات الأخرى الكردستانية ، التركمان ، الكلدان ، الاشور ، السريان ، الأرمن ، العرب ، وتقيم في العاصمة أربيل العشرات من القنصليات ، والبعثات الدبلوماسية ، وله تمثيل دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم .
لاشك ان هناك العديد من العوامل الخارجية ، في حال توفرها ، ستضفي المزيد من جوانب الرسوخ والأمان الى الهوية الكردستانية ، الفيدرالية ، القائمة ، خصوصا في مجال استمرارية المساندة العسكرية للقضاء على الإرهاب ، وتعزيز مؤسسات الإقليم العسكرية ، والامنية ، وتوفير الدعم للمشاريع التنموية الكبرى خاصة بمجال البنى التحتية ، واعداد الكادر العلمي ، والفني بمختلف المجالات ، وتحديث المرافق الحكومية ، والإدارية ، والتعليمية ، والصحية ، والخدماتية ، وتحويل انتاج النفط والغاز الى مصدر لتطوير الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، وهذا مايبحث عنه رئيس الإقليم في زياراته الى العالم الخارجي عموما وأوروبا وامريكا والبلدان العربية الخليجية على وجه الخصوص .
دوافع الانفتاح الغربي والعربي علي إقليم كردستان
قد أختلف مع الرأي المتفائل جدا في بعض الأوساط الكردية ، فالغرب بجناحيه الأوروبي ، والامريكي ، وكذلك النظام العربي ، والإقليمي الرسمي ، ليسوا بوارد إعادة النظر بالقضية الكردية بالشرق الأوسط عامة ، والعراق خاصة ، من منطلق الاعتراف بحق تقرير المصير ، بل ان بعض مظاهر الانفتاح التي بدت مؤخرا ، ومنها الاستقبال الحافل لرئيس الإقليم ، جاءت بظروف مميزة تمر بها العراق في ظل حكومة الكاظمي التي تتمتع بعلاقات حسنة مع إقليم كردستان ،نحو إرساء نوع من سياسة التوازن في المنطقة ، بحيث لاتغضب ايران ، وقد لاترضيها تماما ، وذلك على نفس منوال سياسة إدارة الرئيس بايدن الديموقراطية ، وكذلك الاتحاد الأوروبي .
كما ان الموقف الكردستاني العراقي مازال متمسكا بالفيدرالية القائمة ، وتطويرها حتى الى ماتشبه – الكونفيدرالية – وليس الاستقلال الناجز ، لذلك لااعتقد ان الخارج مهما كان صديقا لشعب الإقليم ، سيزايد عليه ، ويتبنىى دعوة استقلال كردستان بالنيابة عنه ، وقد تابعنا ومنذ سنوات قليلة كيف ان المحيط والعرب ، والعجم ، والغرب وقفوا وقفة واحدة ضد استفتاء تقرير المصير ، ومن حينها وحتى الان لم يتغير شيئا في جوهر السياسة العالمية ، والإقليمية .
ولاشك ان علاقات أربيل مع بغداد ، تحسنت اكثر منذ تولي السيد – نيجيرفان بارزاني – رئاسة الإقليم كنهج ثابت استخلص بعد تجربة عملية استفتاء تقرير المصير عام ٢٠١٧ ، ومن مؤشراته العودة الىى بغداد ، والتفاعل ، والتشارك مع وفي العملية السياسية ، والقيام بدور في بناء العراق الفيدرالي الجديد كعامل استقرار محلي ، واقليمي ، مع تحسين فيدرالية إقليم كردستان ، وإنجاز خطوات دستورية حول القضايا العالقة ، وكان واضحا مساهمة رئاسة الإقليم ، وتفاهمها مع حكومة المركز حول النشاطات ، والإنجازات الأخيرة التي تمثلت بلقاءات القمة ، والمؤتمرات التي عقدت ببغداد .
توضح لنا تجربة العلاقات بين المركز ، واربيل انه كلما تحسنت تلك العلاقات ، كلما استأثر إقليم كردستان بالدعم ، والرعاية من جانب العرب ودول الإقليم ، والغرب ، لان الجميع متمسكون بوحدة العراق ، وضد قيام دولة كردستانية مستقلة ، وبما ان تحسين العلاقات بدأ أكثر في ظل رئاسة ، وحكومة الإقليم الراهنتين ، بعد الفجوة التي احدثتها عملية الاستفتاء ، فان الاهتمام الخارجي قد يتضاعف بالاقليم الى درجة ما ، وفي حدود معينة لن تتخطى المالوف في المرحلة الراهنة .
من جهة أخرى هناك سبب آخر للاهتمام بالاقليم وهو الاعجاب الكبير في الغرب ، ومن قداسة بابا الفاتيكان الذي زار الإقليم مؤخرا ، بتجربة إقليم كردستان في التعامل مع المكونات ، والاقوام الكردستانية من غير الكرد ، واتباع الديانات المسيحية بشكل خاص ، الذين يتخذون من الإقليم مأوى ، وملاذا آمنا ، والسكان الاصلييون منهم يتمتعون بالحقوق القومية، والاجتماعية ، والثقافية ، وهي تجربة فريدة بالشرق الأوسط الملتهب بنيران الإرهاب ، والتمييز ، والعنصرية ، والفاشية ، والتطهير الديني ، والعرقي .
من المؤكد أن سلطة إقليم كردستان العراق كأية سلطة حاكمة في العالم لاتخلو من الشوائب ، والنواقص ، وأوجه القصور ، والفساد ، خاصة اذا علمنا أن التجربة مازالت حديثة العهد ، مقارنة بالدول والنظم التي مضى على قيامها قرون ، وعقود ، كما انها محصورة في السلطة المحدودة في اطار الفيدرالية ، كما انها مازالت تمر بفترة انتقالية بين مرحلتي الثورة ، والكيان ، التي تحتاج الى المزيد من الحكمة السياسية ، والتروي ، والبحث والتمحيص .
ولاشك ان قيادة كردستان العراق تتحمل المسؤوليات الجسام ، وعلى قدرها تواجه التحديات الكبرى من اكثر من طرف ،وجهة تتربص بها في الداخل ، والجوار خصوصا ، ومن مصلحة شعب كردستان العراق ، وشعوب العراق ، والمنطقة وفي المقدمة الكرد في الأجزاء الأخرى ، والعالم ، ان ينجح مشروع الإقليم السلمي بكل جوانبه في ظل قيادته المنتخبة ديموقراطيا ، ويتحول الى نموذج متقدم للحلم الكردي التاريخي ، يحتذى به في مجال حل القضيتين القومية ، والديموقراطية ، ومن اجل تحقيق الامن ، والاستقرار ، وترسيخ قاعدة العيش المشترك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا


.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام




.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف


.. اعتقال مرشحة رئاسية في أميركا لمشاركتها في تظاهرة مؤيدة لغزة




.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال