الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة الأمريكية في بغداد : تكريس للهيمنة أم طوق نجاة؟

خالد شاكر حسين
باحث

(Khalid Shakir Hussein)

2021 / 9 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


في ظل إنهيار ساحِق وغير مسبوق لمنظمومة التعليم الجامعي (الوطني) في العراق بشقيه (الحكومي) و(الأهلي) تلوح في الأفق بوادر نهضة علمية واعدة تتكفلُ بأعبائها ومسؤلياتها الجسيمة (الجامعة الأمريكية في بغداد). وبصفتي أكاديمي عراقي يعمل في إحدى الجامعات العراقية أطرح هذا التساؤل المفتوح:
هل ستُشَكِل (الجامعة الأمريكية في بغداد) تكريساً للهيمنة السياسية الأمريكية في بغداد أم أنها ستكون (طوق نجاة) ثمين عله يُنقِذ منظومة التعليم الجامعي العراقي من الغرق في مستنقع الفساد المُتفاقِم يوماً بعد أخر؟
لا زلت أتذكر خِطاب وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) الذي ألقاه في زيارته للجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2019 حيث قَدَمَ الجامعات الأمريكية في الشرق الأوسط بصفتها أنموذجاً "للخير الأمريكي المتأصل . . . والمستقبل الأفضل الذي نتمناه لكل دول الشرق الأوسط" على حد تعبيره. وعادةً ما تَطرَح الجامعات الأمريكية في دول الشرق الأوسط ديباجة أكاديمية ساحرة يحلم بها أي أكاديمي مخلص ونزيه، فهي تزعم أنها تعمل على تكريس "الحريات الأكاديمية والإستقلال المؤسسي والإدارة المشتركة"، كما تحاول التأسيس لثقافة أكاديمية تتغلبُ فيها "الأسس الأكاديمية" على جميع المتطلبات والقيود السياسية بل وتتحرر من قيود (الإحتياجات المالية) بقدر تعلق الأمر بإتخاذ القرارات الهامة حول آليات القبول والمناهج الدراسية والمبادرات البحثية وتعيين أعضاء الهيئة التدريسية.
ديباجة ساحرة وغريبة تماماً على واقع الجامعات العربية عموماً والجامعات العراقية على نحوٍ خاص. فالجامعات الحكومية في العراق صُمِمَت في حدود الإطار العام لسياسة المحاصصة الحزبية والطائفية معاً. إذ لا زالت الحكومة العراقية هي التي تتولى مهام تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات حصراً. كما تَحرُص أحزاب وطوائف هذه الحكومة حِرصَاً شديداً على إنتاج وتجنيد كوادر من التكنوقراط المخلصين أساساً لمُقتضيات الواقع الحزبي والطائفي بغض النظر عن أهلية تلك الكوادر الأكاديمية والبحثية. وما عادت هذه الأهلية الأكاديمية تُشكِل أي فارق يُذكر في هيكلية الجامعات العراقية سواءٌ على مستوى القيادات الأكاديمية المتقدمة أو على مستوى الموارد البشرية والكوادر التدريسية.
كما ساهمت الإنتهازية الغير مسبوقة لجامعات بعض دول الجوار في تسويق كوادر طارئة على الوسط الأكاديمي وتفتقر لأبجديات السلوك العلمي سواءٌ ما تعلق منها بإصول الكتابة الأكاديمية أو بآليات التدريس وإلقاء المحاضرات في قاعات الدراسة الجامعية الأولية والعليا على حدٍ سواء. وتلعب الجامعات الإيرانية والتركية واللبنانية والمصرية تحديداً الدور الأبرز في تسويق هذا النوع المُستَنفَدْ من الكوادر وخاصةً في سياق التخصصات الإنسانية ناهيك عن الإنتشار الوبائي لمكاتب السمسرة الخاصة بتوفير بحوث ترقية أكاديمية جاهزة ومُسَعرَة وتحت الطلب. كما أن الغياب التام للبيئة المعرفية التنافسية بين الجامعات العراقية قد ساهمَ هو الأخر في تقويض الأصول الأكاديمية والأعراف العلمية المُتَبعة عادةً في تعيين الهيئات والملاكات التدريسية. وهذا بدوره أدى الى تَشجيع هائل لإطلاق سلسلة هائلة من التعيينات في الجامعات وفقاً لإسلوب (ملء الفراغ) فحسب بغض النظر عن النوعية لتلبية الطلب المتصاعد على الهيئات الجامعية التدريسية لا سيما في ضوء التناسل المُرعِب والمتصاعد لعدد الجامعات التي تستحصل موافقات تأسيسها وفقاً لقانون المحاصصة والاستثمار المالي المُربِح خاصة في التعليم الجامعي الأهلي (إذ فاقَ العدد تسعون جامعة حكومية وأهلية حتى الآن).
إنهيار متسلسل ولا يقف عند حدٍ ما. قطع من الدومينو تتساقط على التتابع دون توقف وبلا نهاية.
لذا وفي ظل هذا الخراب المتفشي والمتفاقِم في هيكلية التعليم الجامعي العراقي حكومياً وأهلياً تظهر لنا (الجامعة الأمريكية في بغداد) وهي ترفعُ جميع الشعارات الأكاديمية الرصينة والتي بوسعها، إن صَدَقت، خلق مركزاً تنويرياً قد يُعيد منظومة التعليم الجامعي في العراق الى صوابها ورُشدِها الذين فقدتهما تماماً منذ عقودٍ طويلة.
ولكن ماذا عن تجربة هذه الجامعة في كردستان العراق؟ هل كانت إنموذجاً "للخير الأمريكي المتأصل" على حد تعبير (مايك بومبيو)؟
إحتضنت كردستان العراق إنموذجين للجامعة الأمريكية أحدهما في السليمانية 2007 والأخر في دهوك 2014
تأسست الجامعة الأمريكية في السليمانية منذ عام 2007 وبمجلس إدارة مثير للجدل ترأسه (برهم صالح) وبعضوية كل من (بول ولفويتس)، المهندس الأول للحرب الأمريكية على العراق 2003، و(فؤاد عجمي)، وهو لبناني- أمريكي وأحد المتحمسين للصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، و(كنعان مكية) المعماري العراقي المعروف والصديق الحميم لـ (أحمد جلبي) وهو أحد عرابي الحرب الأمريكية على العراق عام2003، وأخيراً اليهودي (دوف زاخيم). مجلس إدارة محفوف بالشُبُهات وحافل بالأجندات السياسية والذي لم يَمنح جامعات كردستان، على الأقل في السليمانية، بعد أربعة عشرَ عاماً من تأسيسه، أي طوق نجاة يُمَكِّن الجامعات الكردستانية من إحراز أي حضور طفيف على الأقل في تصنيف التايمز للجامعات العالمية. وتعرضت (الجامعة الأمريكية في السليمانية) لعدة إنتقادات لا سيما من طرف كوادرها وهيئاتها التدريسية بالذات. ففي عام 2009 كتب (مارك كروتر)، وهو أحد أعضاء الهيئة التدريسية للغة الإنجليزية سابقاً، مقالة ذكرَ فيها (ان الجامعة تعمل كـأدة سياسية أكثر من كونها أداة تعليمية)، كما أشتكى العديد من الطلبة والاعضاء من سوء الإدارة الجامعية وإنعدام الكفاءة البحثية. وفي عام 2010 كتبَ (جون دولان)، أحد أعضاء الهيئة التدريسية سابقاً في الجامعة، مقالاً أيضاً أكد فيه وجهة نظر (مارك كروتر) ولخص بالتفاصيل علاقة الجامعة بـ (دونالد رامسفيلد) تحديداً.
ولن أخوض بالكثير من التفاصيل حول (الجامعة الأمريكية في دهوك) والتي تأسست عام 2014، إذ يكفيني أن أذكر أن الجامعة تأسست على يد (مسرور برزاني) نجل الزعيم الكردي (مسعود برزاني) وهو نفسه أحد خريجي (الجامعة الأمريكية في واشنطن). وشغل (مسرور) هذا منصب رئيس مجلس أمناء (الجامعة الأمريكية في دهوك) وذلك بحد ذاته يضرب حلم الحريات الأكاديمية والأستقلال الجامعي في الصميم ويجعل من تلك الجامعة الأمريكية تحديداً مجرد مؤسسة أخرى مُلحَقة بإقطاعيات الأسرة البرزانية التي لا زالت ترسخ حكم (الأسرة الواحدة) في ربوع كردستان العراق.
هذان إنموذجان من نماذج (الخير الأمريكي المتأصل) في كردستان العراق!
ماذا عن الملامح الأولية لإنموذج (الجامعة الأمريكية في بغداد)؟
رغم أن هذه الجامعة لا زالت فتية ورغم جميع نواياها المعلنة لسد الثغرة كما تزعم في إستقلالية وديناميكية البيئة الأكاديمية في العراق، إلا أن إرتباطها بالمستثمر والملياردير العراقي (سعدي وهيب صيهود) يجعلنا نتخلى سريعاً ومبكراً عن حلم (طوق النجاة) هذا.
فـ (صيهود) هو صاحب مصرف (الاقتصاد للإستثمار والتمويل) وعَديلَهُ السيد (حسن السنيد)، الرجل المقرب من (نوري المالكي). كما يمتلك صيهود (شركة ربان السفينة) للتجهيزات الكهربائية وله عقود ضخمة ومثيرة للجدل مع وزارة الكهرباء العراقية منذ ٢٠٠٣ وحتى يومنا الحاضر. بل يعده البعض من أهم المتحكمين بملف الكهرباء في العراق كما يحلو للبعض القول أن (جوزة كهرباء العراق بيد صيهود فحسب).
يُعد ملف الطاقة الكهربائية في العراق واحداً من أعقد الملفات وأكثرها فساداً حيث بلغت رؤوس الأموال المُبَدَدة على هذا القطاع (ثمانون مليار دولار) منذ 2003. والسيد (صيهود) يكاد يكون المُحتَكِر الوحيد لعقود الطاقة الكهربائية في العراق طوال (ثمانية عشر عاماً) ويصفه البعض بـ (رجل أمريكا الأول) وذراع السفارة الأمريكية في بغداد. وسطع نجم السيد (صيهود) منذ حصول شركته على عقد قيمته (275 مليون يورو) لتجهيز (أعمدة إنارة) تعمل بالخلايا الشمسية وهو أحد المشاريع التي يُدرِكُ كل عراقي حجم فشله وفساده ورغم ذلك أصبح (صيهود) مليارديراً بعد أن كان صاحب (مكوى بخاري) صغير في (كرادة مريم).
ما الذي يدفعنا إذن للإعتقاد أن إستثمار السيد (صيهود) لن يَصُبْ هذه المرة في مصلحته هو فحسب كما هو حاصل في إستثماراته الضخمة في مجال الطاقة الكهربائية والتي لا يزال المواطن العراقي يدفع ثمنها فادحاً؟
لا تزال الطبيعة التأسيسية لـ (الجامعة الأمريكية في بغداد) تُلقي بظلال داكنة على أهم ركيزة في أي مؤسسة أكاديمية ناجحة واعني بذلك (الحريات الأكاديمية والإستقلال المؤسسي والإدارة المشتركة). إذ يرتبط (المستثمر) بشبكة واسعة ومعقدة مع الطبقة السياسية العراقية التي قوضت ولا زالت تقوض جميع البِنى التحتية المادية والبشرية للجامعات العراقية. وحتماً ستكون شبكة السيد (صيهود) السياسية هذه مصيدة عنيدة لأي حريات أكاديمية مزعومة وبؤرة لفساد أخر يبتلع كل أحلام الإستقلال الأكاديمي ويُبَدِد كل النوايا الطيبة التي تسعى لخلق بيئة أكاديمية رصينة وبإدارة مشتركة وتكافلية.
لا أحاول أن أكون متشائماً، رغم أن لي كل الحق في ذلك. بيد أنني على أهبة الإستعداد للتصفيق للسيد (صيهود) وللسيد (مايكل مولنيكس)، رئيس الجامعة الذي يبدو ان سيرته الذاتية يلفها الكثير من الغموض، وبحرارة بالغة فقط ليجعلوا من (الجامعة الأمريكية في بغداد) طوق نجاة ينتشلنا من جحيم الفوضى العارمة التي يعيشها التعليم الجامعي الحكومي والأهلي في العراق.
ولتحيا نماذج (الخير الأمريكي المتأصل)!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين تعليقي رجاء كمذ يومين
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 9 / 22 - 04:09 )
تحياتي

اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب