الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطيعة بين الفن والفلسفة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 9 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٨٥ - تناقض الفكر والفن

"القضية بالنسبة للإنسان العبثي ليست بعد قضية تفسير وحل، بل هي قضية معاناة ووصف. فكل شيء يبدأ بـ"اللامبالاة المبصرة " يقول كامو في أسطورة سيزيف مضيفا بأن الفن لا يقدم مخرجا حقيقيا لداء الفكر المزمن، بمعنى أن الموت لا ينقذ من الحقيقة ردا على نيتشة الذي يقول : لدينا الفن لكي لا نموت من الحقيقية - ذلك أن الفن هو علامة من علامات هذا الداء الفكري. وبذلك ينفي كامو أي تعارض - حقيقي أو مفترض - بين الفن والفكر، لأن الفنان والمفكر على حد سواء يندمج ويتصير في أثره في نوع من الإمتصاص أو التناضح والتنافذ المتبادل - osmose، باعتبار الفن النابع من الخيال، والفكر النابع من العقل هما من إنتاج الإنسان كوحدة كلية. ولكي يكون الأثر العبثي ممكنا، يجب على التفكير في أكثر أشكاله إشراقا أن يكون ممتزجا بالعمل الفني وحالا - من الحلول - فيه، ولكن بشرط ألا يشير إلى هذا الحلول مباشرة. الأثر الفني يجسد بطبيعة الحال محنة الفكر والمأزق الذي يحاصره ولكنه لا يشير إليها ولا يقدم عليها الدليل إلا بطريقة جانبية وغير مباشرة. الفن العبثي إذا هو " فن لا يدل فيه المحسوس على أكثر من نفسه "، ولا يمكنه أن يكون هدفا أو غاية أو عزاء للحياة، ذلك أن الخلق والإبداع أو عدمهما يتساويان في العبثية وعدم المعنى. ولذلك نجد الخالق والمبدع العبثي لا يحرص على أثره ويمكنه أن يعزف عنه أو يدمره، ويكفيه بلد كالحبشة - بخصوص رامبو - أو رصاصة في الرأس كما فعل العديد من الفنانين والمفكرين. ذلك أن القضية الأساسية بالنسبة للفنان العبثي هي قضية إكتساب تلك البراعة في العيش والتي تتخطى المهارة الحرفية - الإبداعية، فنحن نتعلم الحياة قبل أن نتعلم التفكير.
ألبير كامو يرى أن الرواية هي الشكل المثالي للعمل الفني المتميز بطابع ذهني - intellectualisation de l art فالروائيين الكبار، هم " روائيون فلاسفة " رغم التناقض الواضح في هذا المفهوم، ويذكر كمثال كل من المركيز دي ساد، بلزاك، ملفيل، ستاندال، دوستوييفسكي، بروست وغيرهم. ذلك أنهم يفضلون الكتابة بـ "الصورة " بدل الكتابة العقلية - المنطقية بالإستدلالات، رغم أن الفن ضمنيا لا يستطيع أن يستغنى عن الصورة. ويشتركون جميعهم بالإقتناع بعدم جدوى كل محاولة للتفسير، فالمظهر الحسي هو أساس العمل الفني. والعمل أو الأثر الفني هو في الأساس بداية ونهاية لنوع من المعرفة المستحيلة، والرواية والقصة هي آلة هذه المعرفة النسبية. وهذا التحليل، المصبوغ بالشاعرية يمثل بوضوح عدم قدرة كامو على التفرقة بين الفلسفة والفن، مثله مثل نيتشة، وذلك لعدم إهتمامهم بقضية "الوعي" كمصدر أساسي للفكر والفن والإدراك، وهو الموضوع الذي درسه سارتر وميرلوبونتي ومن قبلهم هايدغر وهوسرل. ولهذا السبب يمكن إعتبار كامو ونيتشة كمفكرين وكفنانين وليس بالتأكيد ليس كفلاسفة، لأنه من المستحيل التفكير بواسطة المخيلة، أو تكوين المقولات المنطقية بواسطة الخيال. كما أنه من المستحيل مشاهدة فيلم سينمائي أو مسرحية وممارسة عملية التفكير أو حتى الحوار العادي في نفس الوقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في فرنسا : هل يمكن الحديث عن هزيمة للتج


.. فرنسا : من سيحكم وكيف ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. سائل غامض أخضر اللون ينتشر على أرضية مطار بأمريكا.. ما هو وم


.. فشل نظام الإنذار العسكري.. فضيحة تهز أركان الأمن الإسرائيلي




.. مقتل وإصابة العشرات من جراء قصف روسي على عدة مدن أوكرانية عل