الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آ- الكحل أفضل من العمى-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 23
المجتمع المدني


لمدينة دمشق مثقفيها الذين يرتادون المقاهي و المكتبات ، أغلبهم معروف للعامة، كونهم من " النّخب " التي تملك القدرة على الرّفاه الثقافي وفق المفهوم الدّارج ، لكن يبدو أن سورية لم تعد بحاجة للمكتبات ، فقد أغلقت جميعها أبوابها ، و آخرها كان مكتبة " نوبل" .
بالنسبة لي فإنني لم أسمع بالمكتبة إلا بعد إغلاقها ، و في مرات عديدة كنت أذهب إلى المكتبة العامة في دمشق ، ولا أرى فيها إلا بعض الكتب ربما الجامعية، وحكايات القائد ، ومع أنني استخرجت بطاقة المكتبة، لكنني توقفت عن الذهاب إليها .
ماذا عن مكتبة نوبل ؟ لا شكّ أن للمكتبات الخاصة ذاكرة تشبه ذاكرة الإنسان، فمكتبة اللواء في القامشلي ، و الذي كان يديرها أنيس مديواية ، وسمّاها اللواء لأنّه قدم من لواء اسكندرون، كانت رغم قلّة الكتب ، و اهتمامها بالقرطاسية ، و الصحف اليومية ، لكنها كانت منارة في القامشلي ، وربما كانت كذلك مكتبة نوبل السّورية التي تقع في دمشق، و لكن. . . . !
كأنني أقرأ كف مالك المكتبة. تمعنت كثيراً، رأيت أنّه كان ينتظر فرضة إغلاقها رغم أنها تعني له الكثير، لكن حياته تعني له أكثر ، لن يغامر بأولاده ، أو أحفاده فشدّ الرّحال إلى كندا ، وحسناً فعل .
ما نفع المكتبات في سورية اليوم؟
نحن السّوريين نستمد ثقافتنا اليوم من مصدرين: أقوال سيد الوطن ، أو سيدنا محمد ، رغم وجود قراء حقيقيين ، لكن الانترنت أصبح أغنى، و الكتب الورقية قد لا يصادفها الحظ بالبيع.
كأنّني بصاحب المكتبة يجرّ حقيبته بينما ينزل دمعة من عينيه ، لكنه لا يلتفت إلى الوراء كي لا يفكر بالعودة. في الشّام تغيّرت الكثير من المعالم إلى الأبد و إلى غير رجعة ، و أهم الأشياء التي تغيّرت هم السّكان ، نهر بردى، وملامح الإنسان السّوري الجسديّة و الفكرية . إنّ أغلاق مكتبة نوبل لا علاقة له بالتقدم التكنلوجي ، و الابتعاد عن عالم الورق ، فما يوجد في المكتبة من كتب هو تحت سيطرة النّظام ، لن يسمح حتى بكتاب يتحدّث عن الحبّ إن لم يراقبه، أو يقتسم ربحه .
على سيرة مكتبة نوبل ، فإنني كنت أملك مكتبة كبيرة في منزلي ، لم أقرأ أغلب كتبها السّياسية، مع أنّها كانت مغلّفة بشكل جميل ، كمؤلّفات لينين الكاملة ، وبعض الدواين الشعرية لنزار ، ومحمود درويش ، وقصص الأطفال ، ومجموعة السّنهوري القانونية . استيقظت في يوم من الأيام و أنا أرغب في فعل شيء ما لتلك المكتبة التي أرهقني نفض الغبار عنها، فقرّرت أن أرمي كتبها بالتدريج ، لأنّها كتب ميّتة ،للعرض فقط، وفعلت ذلك فتخلّصت منها عدا مجموعة السّنهوري ، وكتب الأطفال . لم أحزن لأنّني رميت الكتب، فمكتباتنا فقيرة بالثقافة الحقيقية . كان هذا قبل ثلاثين عاماً عندما كنّا نتباهى بمكتباتنا . كان هذا على المستوى الشّخصي ، حيث شعرت بضآلة ما أملكه رغم صفوف الكتب المنسّقة بشكل جميل.
وداعاً مكتبة نوبل ، نتمنى لمالكك التوفيق ، فأنت لست أوّل المعالم في دمشق تختفي ، فقد أصبحت دمشق رمادية دون ألوان منذ زمن طويل ، وما المرحلة الحالية سوى مرحلة تشطيب العمارة الجديدة التي تخصّ سيدّ الوطن الذي عيّن ليقود المسيرة إلى ما قبل عصور التاريخ .
رغم ضآلة المواد المسموح بنشرها ، أو بيعها، فإنّ وجود مكتبة خاصة أو عامة هو من معالم التّقدم ، ف"الكحل أفضل من العمى" وها نحن نصل إلى العمى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا