الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت عند الغزالي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 9 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
89 - الموت عند الغزالي

« شيخُنا أبو حامد: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع »
أبو بكر بن العربي، تلميذ الغزالي

أبو حامد الغزالي شيخ وفقيه متصوف، ولد بمدينة طوس سنة 450 هـ الموافق 1058، توفي أبوه وهو صغير فعاش يتيماً تحت رعاية أخيه الأكبر، كما رعاه وتكفله في التعليم صديقاً لوالده صوفي المذهب، فتلقى تعاليم الإسلام بين يديه حتى بدأ يتشرب الصوفية جيداً، ولما كبر، وأصبح يعتمد على نفسه، سافر الغزالي إلى نيسابور ليتلقى تعاليمه على يد الإمام أبو المعالي الجويني حتى أصبح من أشهر تلامذته، وبدأ يناظر العلماء وهو لا زال شاباً.
بعد وفاة الإمام الجويني سنة 478 هـ، سافر الغزالي إلى بغداد، وبحكم قربه من "نظام الملك" الوزير آنذاك، فقد ابتدأ الغزالي بالتدريس في المدارس النظامية ببغداد، كان يدرّس الفقه وأصوله وسائر تعاليم الشريعة الإسلامية، وبقي في التدريس مدّة أربعة سنوات، حتى اشتُهر بين النّاس وصار مقصدًا لطلاب العلم من شتى البقاع الإسلامية، قال الإمام أبو بكر بن العربي: «رأيت الغزالي ببغداد يحضر درسه أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم»
بعد تلك المدّة عكف الغزالي على دراسة وقراءة كتب التصوف، وصاحب الشيخ الفضل بن محمد الفارمذي الذي كان مقصداً للصوفية في عصره في نيسابور، ما أدّى به لاحقًا إلى انعزاله عن الآخرين والاتجاه إلى التصوف والخوض في مرحلة جديدة من مسيرته الفكرية والروحية. وخرج الغزالي من بغداد سرًا تاركًا وراءه كل المناصب والجاه الذي حصل له، وكان ذلك في سنة 488 هـ، فخرج في رحلة دامت 11 سنة قضاها بين القدس والخليل ودمشق والمدينة ومكة، كتب خلالها كتابه المعروف "إحياء علوم الدين" كخلاصة لتجربته. في عام 499 هـ عاد الغزالي إلى بلده طوس متخذاً بجوار بيته مكانًا للتعبد والعزلة، ومدرسةً للفقهاء حتّى تُوفي فيها سنة 505 هـ الموافق 1111م.
تناول الغزالي الفلسفة بالتحليل التفصيلي، ودرس معظم الفلاسفة، وذكر أصنافهم وأقسامهم، وما يستحقون به من "التكفير" بحسب رأيه، وما ليس من الدين، بذلك اعتُبر الغزالي أول عالم ديني يقوم بهذا التحليل العلمي الإقصائي للفلسفة، وأول عالم ديني يصنّف في علوم الفلسفة التجريبية النافعة، ويعترف بصحة بعضها. إذ قسّم علوم فلاسفة اليونان إلى العلوم الرياضية، والمنطقيات، والطبيعيات، والإلهيات، والسياسات، والأخلاقيات، وكان أكثر انتقاد الغزالي وهجومه على الفلاسفة فيما يتعلق بالإلهيات، إذ كان فيها أكثر أغاليطهم بحسب قوله، وقد كفّر الغزالي فلاسفة الإسلام المتأثرين بالفلسفة اليونانية في 3 مسائل، وبدّعهم في 17 مسألة، وألّف كتاباً للرد عليهم في هذه الـ 20 مسألة سمّاه "تهافت الفلاسفة"، وفيه هاجم الفلاسفة بشكل عام والفلاسفة المسلمون بشكل خاص، وخاصة ابن سينا والفارابي، ويُقال إنه قضى على الفلسفة العقلانية في العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت ولعدة قرون متواصلة وربما حتى الآن، رغم مجيء ابن رشد بعده ورده الفلسفي في كتابين أساسيين هما "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، ثم "تهافت التهافت".
الغزالي يُعدّ في كثير من نظرياته النفسيّة والتربوية والاجتماعية صاحب نظرة فلسفية متميّزة، وهو في بعض كتبه أقرب إلى تمثيل فلسفة إسلامية، وأنه فيلسوف بالرغم من هجومه الشرس على الفلسفة والفلاسفة، وهذا ما صرّح به كثيرون من العرب والغربيين، حتى قال المستشرف رينان: «لم تنتج الفلسفة العربية فكراً مبتكراً كالغزالي»، وقد رأى كثير من علماء المسلمين قديماً أن الغزالي رغم حربه وعداءه للفلسفة، لم يزل متأثراً بها حسب تلميذه أبو بكر بن العربي: « شيخُنا أبو حامد: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع ».
وقد عالج فيما عالجه من مواضيع فكرة الموت والتي تهمنا في بحثنا هذا. انه لم ينظر إلى الموت كمشكلة، فلم يكن الموت هو الذي يتهدد وجوده بل هي الحياه هي التي يخاف منها ونظرته الى الموت تقترب من نظرة أفلاطون. .فهذا يرى ان الموت هو الحالة التي تتاح فيها للفيلسوف فرصة تأمل الصور أو المثل، دون ان يعوقه الجسد عن ذلك، اما الغزالي فيرى ان الموت هو لحظة التجلي المطلق الذي يمكنه من تأمل"الحضرة الربوبية"، فافلاطون لم يرفض الموت، كما لم يرفضه الغزالي فالموت هو نهاية الحياه الأرضية وبداية الحياه الروحية، وهو ليس شيئا في باطن الحياه، بل خارجا عنها.
ويربط الغزالي بين الموت، والمعرفة والحب. .فهو ينظر الى الموت نظرة اخلاقية وليس نظرة وجودية، فاهم خاصية للروح الإنسانية هي المعرفة، وكلما كان المعلوم اشرف في مراتب الوجود المطلق، فمعرفة الله هي الذ الاشياء بالنسبة للانسان، ولكن هذه الشهوة وأن عظمت لذتها فلا قيمة لها اذا قيست بلذة النظر إلى الله. وصورة الحضرة الربوبية تنطبع في قلب العارف كما تنطبع صورة العالم المحسوس، ولافرق بين الصورة المحسوسة والصورة المتخيلة الا ان الابصار في غاية الوضوح بالنسبة إلى التخيل.. ولكن الانسان يستطيع ان يدرك أشياء لاتدخل في الحس ولا في الخيال.
ويكون ذلك على درجتين متفاوتين في الوضوح، نسبة الثانية إلى الأولى كنسبة الابصار إلى التخيل، فتكون الثانية في غاية الكشف والوضوح، لذلك تسمى هذه الحالة "بالرؤية" وهي لحظة التجلي النورانية، غير ان الحياه اليومية والاهتمامات البسيطة والسقوط في العالم تحجب عنا هذه الرؤية.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في فرنسا : هل يمكن الحديث عن هزيمة للتج


.. فرنسا : من سيحكم وكيف ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. سائل غامض أخضر اللون ينتشر على أرضية مطار بأمريكا.. ما هو وم


.. فشل نظام الإنذار العسكري.. فضيحة تهز أركان الأمن الإسرائيلي




.. مقتل وإصابة العشرات من جراء قصف روسي على عدة مدن أوكرانية عل