الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بقلم قطة

حنان بديع
كاتبة وشاعرة

(Hanan Badih)

2021 / 9 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من يشعر بقطة تقطع الشارع أو تمشي على رصيف أو تبحث في حاوية قمامة، اعتدنا نحن القطط على الشعور بأننا غير مرئيين حتى بتنا لا نتوقع الرحمة، هذه "الرحمة" يبدو أن مفهومها نسبي لدي البشر.


كان جسدي يرتجف وروحي تذوب تحت جلدي، كنت بحاجة للصراخ لكن صوت موائي لا يصل لأحد، افتقد أمي التي ذهبت لتبحث عن طعام ولم تعد، لم يبحث عنها أحد سواي، من يشعر بقطة تقطع الشارع أو تمشي على رصيف أو تبحث في حاوية قمامة، اعتدنا نحن القطط على الشعور بأننا غير مرئيين حتى بتنا لا نتوقع الرحمة، هذه "الرحمة" يبدو أن مفهومها نسبي لدي البشر، جلست وقت طويل تحت جذع الشجرة لا أعرف كم مر من الوقت، بدأ الجوع يقطع أحشائي وأدركت أن لا رضاعة بعد اليوم، لم يكن عمري يتجاوز الشهرين وكان صغر حجمي وسني يغري الأطفال بالإقتراب مني واللعب معي أو بي!
لاحقا اكتشفت أنه لا فرق، فقد التقطني طفلة كانت تلهو أمام باب المنزل المجاور للشجرة التي كنا نختبئ تحتها أنا وأمي وأخوتي الذين ماتوا واحدا تلو الآخر، في المرة الأخيرة التي شدتني فيها من ذيلي تألمت كثيرا وصرخت بشدة ودون أن أشعر حاولت أن أعض يدها لتتركني لكنها بكت وصرخت وذهبت تشكو لأمها، غضبت الأخيرة وطردتني، ذهبوا بي بعيدا في السيارة ، تركوني في منطقة لا أعلم ما هي، أناس غرباء، أطفال أشقياء، سيارات وأصوات، دخان وقمامة، ما هذا المكان الغريب؟
بدأ الجوع يعصرني فأنا لا أجيد البحث عن طعام فقد كانت صديقتي الصغيرة رغم شقاوتها وقسوتها تضع لي بعض الطعام، عدت أشعر بالخوف، الجوع والرعب، فقد أصبح المشي في الشارع أمام البشر مغامرة أخشاها، فإما يرميني الأطفال بالحجارة أو أن يضربني أحدهم بقدمه أو أن يرمي على جسدي السجائر ليرى إن كان يجيد الرماية وفي أحسن الأحوال يتجاهلون وجودي وموائي.
مرت أيام من عمري لا أدري عددها لكنها قليلة جداً بدت قاسية وطويلة، اعتدت فيها على الإختباء خلف أي شيء والمشي حين تخلو الشوارع منهم..
ثم لا أدري كيف حدث أن تجرأت على قطع الطريق، كنت آمل أن أجد مكانا آخر تكثر فيه القمامة لعلني أجد شيئا ما صالحا للأكل،، أو غير صالح.
لكن سيارة مسرعة قذفتني إلى الجهة الأخرى من الشارع فوقعت على رصيف الإشارة الضوئية، كنت أنزف وحدي وأصرخ وأنازع ثم أحاول أن أرفع رأسي فلا أرى سوى عجلات السيارات وأضواء الإشارة الضوئية التي أذكر أنها كانت حمراء..
كان المطر يهطل بشدة، وكنت غارقة في بركة من ماء المطر الممزوج بدمي، انتبهت إلى أن الإشارة أصبحت خضراء، ضاع معها الأمل في أن يلاحظني أحد رغم أن مئات العيون كانت تنظر من نوافذ السيارات، بدأت أطرافي تبرد وشعرت بروحي تتلاشى، كل ما كنت أذكره هو صوت الرعد والمطر، وعبق القسوة، ورائحة باردة غريبة..
كان جسدي الصغير يموت، وموائي يضعف، ورعبي يتحول إلى دموع..
و.. وبداوكأن المكان فارغاً ومزدحماً..وكأن لا أحد يراني على الإطلاق!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟