الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله وتاريخ الديانة اليهودية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 10 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٩١ - الله والتاريخ اليهودي

يمكن تحديد تاريخ اليهود واليهودية بالمراحل السته التالية، والتي نقلناها بتصرف عن ملف خاص بالثقافة اليهودية في مجلة "ميزوبوتاميا" المهتمة بالهوية العراقية :
1- المرحلة الشفاهية : وهي المرحلة الفلسطينية الاولى التي يسودها الكثير من الغموض والفرضيات والمجادلات بين المؤرخين العلميين والفقهاء المؤمنين نظرا للبعد الزمني وغياب الآثار الأركيولوجية وعدم وجود النصوص، وهي تتعلق بكل تاريخ اليهود السابق لما يسمى فترة النفي البابلي. وتبدأ منذ الالف الثاني ق.م مع قصة خروج ابراهيم من أور في العراق، ثم خروج اليهود من مصر مع موسى، ثم تكوين دويلات اسرائيل ويهودا، حتى النفي البابلي في القرن السابع ق.م. شلومو صاند، المؤرخ الإسرائيلي المعاصر، يؤكد أن النفي الأول المذكور في كتاب «التوراة»، الذي يتعلق بأول نفي إلى بابل قد حدث فعلا؛ إلا أنه لم يتم نفي الشعب اليهودي بأسره، بل النخبة الفكرية في فلسطين هي التي نفيت إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد. وكانت عملية نفي بسيطة تدخل في إطار سياسة البابليين آنذاك. ما يسمى بسبي اليهود الى بابل لم يكن حالة أستثنائية وخاصة باليهود وبغاية أستعبادهم، بل كان جزءاً من سياسة ظلت تمارسها السلطات الآشورية ثم الكلدانية والبابلية، طيلة قرون طويلة. فكان يتم نقل السكان من منطقة الى أخرى بطرق سلمية أو عقابية، من أجل تعمير الاراضي والمناطق الزراعية. وقد تم ذلك على يد نبوخذ نصر، في حملتين سنة 597 وسنة 586 ق.م، وقد تركزت على دويلة "يهودا" جنوب فلسطين، وقد بلغ عدد المسبيين أكثر من 50 ألف، غالبيتهم من النخب العليا للمجتمع : " كل الرؤساء وجميع جبابرة الناس ... وجميع الصناع والاقيان. ولم يبق أحد إلاّ مساكين شعب الارض" (سفر الملوك الثاني 24 :14 ). في هذه المرحلة لم يتم تشتيتهم، بل جمعوا في منطقة بابل، وسط وجنوب العراق، مما سمح بتشكلهم كجالية متميزة، وبما أنهم كانوا كلهم من سكان يهودا، لهذا شاعت تسمية "اليهود" كتسمية قومية وليست دينية، ولكن مع الزمن تحولوا الى طائفة دينية خاصة.
وهذا يعني أولا ان اليهودية لم تتكون كديانة واضحة وناضجة في فلسطين على يد موسى الذي ينسب اليه كتاب التوراة بعد الخروج من مصر في أواخر الالف الثاني ق.م. بل ان بداياتها الاولى وتأسيسها كدين كتابي محدد كانت في بابل بعد نفي اليهود في القرن السابع ق.م.
وثانيا ان اليهودية ليست هي أول ديانة توحيدية سماوية بل هي الديانة المسيحية، لأن اليهودية في هذه المرحلة التأسيسية البابلية كانت ديانة بابلية دنيوية، ولم تبدأ بالتحول الى سماوية ـ توحيدية الاّ بعد ظهور التيار العرفاني ـ الغنوصي إبتداءاً من القرن الثالث ق.م. التيار الذي أدخل في اليهودية المبدأين التوحيدي والسماوي :
ـ التوحيد يتمثل بالايمان بأن الاله ليس (يهوه) رب اليهود وحدهم، بل هو (الله) الواحد رب جميع البشر والخليقة.
ـ السماوي يتمثل بالايمان بأن مصير الانسان ليس العدم، بل هنالك القيامة ويوم الحساب والوعد بالخلود في ملكوت السماء، أي الإيمان بالجنة والنار والثواب والعقاب.
2- المرحلة الكتابية البابلية : وهي مرحلة التأسيس، بين القرن السابع والقرن الاول ق.م، والتي تحولت فيها اليهودية من انتماء جغرافي قومي ومحلي لدويلة يهودا الصغيرة في جنوب فلسطين الى انتماء ديني وثقافي واضح. ان هذا التحول الكتابي المتأثر الى حد بعيد بأنجازات الحضارة البابلية، قد وضع النخبة اليهودية في الطريق الى تكوين نوع من المباديء الانسانية العامة وبناء صرح أخلاقي وشرائعي. إذ قامت الجالية اليهودية في بابل بكتابة تراثها الشفاهي الحكائي والعقائدي في اسفار - أجزاء وفصول - مختلفة جمعت في كتاب واحد هو ما يسمى اليوم بالكتاب المقدس أو العهد القديم، الذي أطلق على اسفاره الخمس الاولى تسمية "التوراة ـ أو التراث" وهي التي نسبت الى - النبي موسى - شفاهياً أو كتابياً، بالاضافة الى اسفار الانبياء وغيرها. وأعقب التوراة كذلك تدوين شروحات وجدالات دينية جمعت أيضاً في كتاب كبير اسمه التلمود، أي التلمذة والتعلم. التلمود كتاب ضخم جمعت فيه أحاديث اليهود وأحكامهم وفقههم وكل كتاباتهم التي أعقبت انجاز التوراة، خلال حوالي ألف عام، أي من القرن الخامس ق.م حتى القرن الخامس الميلادي. وهناك تلمودان في حقيقة الأمر، التلمود الذي جمع في فلسطين ويسمى تلمود أورشليم، والتلمود الذي كتب في العراق ويسمى التلمود البابلي، وهو أكثر استفاضة وأهمية. وبينما انتهى التلمود الفلسطيني بحدود عام 400 ق.م.، فإن التلمود البابلي قد ضم إضافات إلى نحو عام 500 م. إن التلمود البابلي ثلاثة أضعاف التلمود الفلسطيني، حيث تبلغ صفحاته أكثر من خمسة آلاف صفحة، وقد ترجم الى العديد من اللغات. وهو يعتبر أشبه بدائرة معارف ضخمة بكل ما يتعلق بأسس الديانة اليهودية، وهو المصدر الاساسي للتشريع اليهودي. وبما أنه اكتمل بعد أنتشار المسيحية، فأنه يتضمن إنتقادات عديدة للديانة المسيحية وللمسيح، لهذا رفض المسيحيون هذا التلمود، وبسببه عانى اليهود في اوربا أنواعا شتى من الاضطهاد والتعذيب والقتل الجماعي، وكانت عملية حرق التلمود أمر شائع لدى الكاثوليك.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزة.. ماذا بعد؟ | المعارضة الإسرائيلية تمنح نتنياهو -الأمان-


.. فيضانات في الهند توقع أضراراً طالت ملايين الأشخاص




.. مواجهة مرتقبة بين إسبانيا وفرنسا في نصف نهائي يورو 2024


.. الاستقرار المالي يثير هلع الفرنسيين




.. تفاعلكم | مذيعة أميركية تخسر وظيفتها بسبب مقابلة مع بايدن!