الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مروجو الفتاوى واحتلال الاسلام الشكلى الخليجى والأفغانى لمسلمى مصر

محمد فُتوح

2021 / 10 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مروجو الفتاوى واحتلال الإسلام الشكلى الخليجى والأفغانى لمسلمى مصر
-----------------------------------------
يشكل الدين للإنسان احتياجاً نفسياً مهماً ، يستطيع به أن يواجه صعوبات الحياة ، ويتأقلم مع طلاسمها التى تحيره وتؤرقه ، ويعتمد على قوة الهية خارقة ، فى السماء ، تقدر كل شئ فى الكون ، وتضبط أمور الحياة ، وتعد بالتعويض الملائم فى الآخرة .
ويعد التدين من أهم صفات الشخصية المصرية . فالدين راسخ ومتجذر فى عقل الإنسان المصرى ووجدانه ، ومحاولة تأمل هذا الملمح ليس بالشىء الصعب .
نجد ذلك واضحاً فى سلوكياته اليومية من ناحية ، وفى مظهره من ناحية أخرى ، فالغالبية تحرص على أداء الفروض الإسلامية الخمسة ، وخاصة الصلاة ، وصلاة الجماعة بشكل خاص . وقد زاد هذا الحرص بعد بناء وانتشار الجوامع والمساجد فى جميع الأحياء ، وخاصة الأحياء الشعبية والفقيرة منها ، هذا بالإضافة إلى الحرص على أداء مناسك الحج ، لأكثر من مرة ، وأداء العُمرة مرات ومرات.
منْ يتأمل أحوال المصريين مؤخرا ، يلاحظ أن هناك مبالغة شديدة فى النظرة إلى الدين ، فهناك نبرة عالية ومتشنجة فى الخطاب الدينى ، وغياب للمنطق الموضوعى فى الحوار أو النقاش ، و اتجاه لتحويل أى شىء فى حياتنا وتفسيره تفسيراً دينياً ، ومن ثم انتشار الإرهاب الفكرى الدينى ، فالويل لكل منْ يتبنى وجهة نظر مخالفة ، فقد يصل الأمر إلى وصمه بالكفر ، والخروج عن الدين.
وهذه الصفات نجدها واضحة فى الشخصية المصرية المسلمة ، يتساوى فى ذلك منْ حصل على أعلى الشهادات العلمية ، والأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة . بل إن هناك ما هو أفدح من ذلك ، فقد نجد بعضاً ممنْ يتقلدون مناصب مهمة كرؤساء الأقسام العلمية فى الجامعات ، هم أيضاً يقعون أسرى لهذا التفكير ، و خاصة بالنسبة لمنْ يتبنون ذلك الاتجاه ، الذى يربط بين العلم والدين . فهؤلاء لديهم ازدواجية فكرية ، فهم من جانب يتحرون الدقة والموضوعية والمنهج العلمى حينما يتحدثون فى العلم ونظرياته ، ثم نجدهم من جانب آخر بعيدين عن هذه الصفات ، وخاصة حينما يقومون بالبحث عن علاقة يربطون بها بين العلم والدين . مثلا ، الكوارث الطبيعية كالعواصف والزلازل ، تعد غضباً من الله على الأشرار من البشر غير المسلمين . والسؤال الذى يطرح نفسه هنا ، وماذا عن الكوارث التى حصدت الأرواح وشردت الناس فى بلاد تدين بالإسلام ، كإيران وتركيا وأخيراً باكستان ؟! . هنا نجد أن منطقهم يصاب بالاعوجاج والقصور والضعف.
وفى هذا المناخ نجد ملمحاً أخر يسود حياتنا الدينية ، والمتمثل فى هوجة الفتاوى من كل صنف ونوع ، التى يحدد لنا الشيوخ وغير الشيوخ ، كيف نسلك وكيف نسير وكيف ندعو وكيف ننام ونأكل ونشرب ، إنهم يفتون فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا.
لقد أصبح الإنسان المصرى المسلم ، أرضاً خصبة يبذرون فيها فتاواهم ويتركونها تنمو وتترعرع مخلفة وراءها إنساناً ضيق الأفق جامداً متعصباً ، يرى الدين فى الطقوس الشكلية والفرعية وحسب.
ونموذج ذلك أحد عمداء الكليات الأزهرية ، والذى يرى أنه لا يكفى أن نتعبد مع حلول هلال رمضان ، بل يجب الاستعداد والبدء فى التعبد قبله بأيام وأسابيع . فنستعد بالمسبحة دائماً فى اليد ، والمصحف فى الجيب ، ويقترح أن تحدث منافسة بين المسلمين على منْ يتم القرآن أولاً وقبل الآخرين ، ويجب على المسلم والمسلمة ، آلا يتركا المصاحف من أيديهم سواء فى البيت أو العمل أو الشارع أو وسائل المواصلات ، دائماً المسبحة فى يد ، والمصحف فى اليد الأخرى ، ويمكن للمسلم أن يختم القرآن مرة أو مرتين أو ثلاث ، حسب ما يستطيع ، ففى هذا زيادة لأجره عند الله . ويجب على المسلمين حينما يتناقشون يكون موضوع النقاش حول الآيات القرآنية ، ولا مكان لأى نوع من الموضوعات يخرج عن دائرة القرآن والأحاديث والتسبيح الدائم ، فكل تصرفات الإنسان المسلم وأقواله ، يجب أن تصطبغ بالصبغة الدينية ، لأن الدنيا فانية ،
ولا شئ يبقى وينفع ويشفع يوم القيامة ، الا عبادة الله ، واتباع سُنة الرسول ، خاتم الأنبياء .
هذا الكلام الذى طرحه الشيخ الأزهرى وأستاذ الجامعة ، يتسم بالمبالغة الشديدة والتى سوف تنتج عنها مشكلات كثيرة . الشخص الذى يعمل ويقوم بالتسبيح طوال الوقت ، حتماً سيكون عرضة للوقوع فى الأخطاء نتيجة عدم التركيز فيما يعمل ، وقد تقع بعض الحوادث إذا كان يعمل عملاً يدوياً خطراً ، أو قد يهمل الشخص عمله بحجة التعبد ، فيصلى مرة أو مرتين فى عمله وذلك مضيعة للوقت ، ومنْ يعترض على هذا السلوك ، نجد أن الشخص الذى يريد الصلاة ، يتشنج و ينتفض متهما المعترض على منعه من الصلاة ، وأداء فروض الله . ،
لقد انتشرت المظاهر الدينية الشكلية بين المسلمين والمسلمات فى البلاد الإسلامية ، ومنها مصر التى أصبحت تعج بالمنقبات اللاتى يتشحن بالسواد ، وأصحاب اللحى الطويلة من الرجال . وجوههم لابد أن تكون متجهمة ، لأن
" الله لا يحب الفرحين ". مع أن مصر ، طوال عمرها ، بلد البهجة ، والنكات، والظرف ، حتى فى أحلك الظروف .
لقد حكت لى إحدى السيدات من غير المحجبات ، أن هناك سيدات منقبات يصعدن إلى مترو الأنفاق ويعطين المواعظ والوصايا الدينية ، ويطلبن من الراكبات أن يرددن وراءهن دعاء الركوب ، ويمتلىء المترو بالملصقات التى تهدد النساء على وجه الخصوص بالعقاب فى الأخرة على ترك الصلاة ، أو عدم ارتداء الحجاب أو النقاب.
هذا يحدث فى مصر ولا أحد من المسئولين يحرك ساكناً . بل ان عددا لا بأس به ، من المسئولين ، نساء ، ورجالا ، خاصة فى الاعلام المرئى ، يروجون لخطاب دينى متعصب ومتطرف ، يصلح للتمهيد الى دولة دينية . لقد تحولت وسائل المواصلات فى الشارع المصرى إلى بؤر إسلامية متعصبة ، لقد تم احتلالنا بالدين الإسلامى الشكلى الخليجى والأفغانى . وما الفتاوى التى تحاصرنا إلا تعبير عن هذا الشكل من الإسلام. حتى تلاوة القرآن ، غاب الشكل المصرى المميز على يد شيوخ لهم أصوات جميلة ، مثل محمد رفعت ، وجاء بدلا منها أصوات مستوردة خليجية ، خشنة ، فيها رائحة الارهاب والقسوة .
لست مندهشاً على تردى أحوالنا فى شتى مناحى الحياة ، فمن أين نجد الوقت لكى نبدع ونخترع ؟؟. جوائز نوبل مثلا ، فى الطب والفيزياء والعلوم ، ليس بينها اسم عربى مسلم واحداً .
إن هذا يعد إفرازاً طبيعياً لحياتنا ، فلا شىء فيها يعلى من قيمة التفكير الناقد ، ويقدر قيمة العقل الصادم والمبدع . لن نتحرك خطوة إلى الأمام ، إلى فضاء المستقبل ، ما دمنا نغرق فى مثل هذه الفتاوى الدينية ، التى تحرض على الكسل والخمول وتعادى الحاضر والمستقبل . لقد أصبح العقل العربى الإسلامى مقعداً كسيحاً ، بسبب طريقة التفكير البالية ، ونتيجة تعاطيه لهذه الفتاوى التى جعلته يغط فى سبات عميق.

من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم .. منْ الضحية ؟ " 2007
---------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللوم ليس على المروجين بل على المتلقين!!!
سهيل منصور السائح ( 2021 / 10 / 2 - 04:53 )
هذا هو الجواب ايها الاخ الكريم:
بعد التحية.
الاديان هي اداة التخدير فاذا اردت ان تتحكم في جاهل فما عليك الا ان تغلف كل باطل بخلاف ديني وهذا ما هو جار في جميع بلاد المسلمين على درجات. الجهل لا يعني الامية اي عدم معرفة القرآءة والكتابة بل يشمل بعض من يحملون شهادات عليا في كل الفنون. انه الجهل الفكري. اخي الكريم ان سوقنا بعصا الفتاوى دليل على الغباء وليس على التدين وهل سال الخانع نفسه عن مصدر تلك الفتاوى ومتى بدات؟؟. ان اعتمادنا على كتب صفراء كتبت بعد رحيل المؤسس بـ 200 سنة نقلا من افواه رجال ماتوا وليس هناك دليل على صحتها والاتكى من ذالك هو ان من كتبها هم الفرس في العهد العباسي ـ ليس حبا في الاسلام ـ بل لتوطيد ملكهم. انه من المؤسف حقا ان ابناء القرن الحادي والعشرين عصر العلم والتكنولوجيا يقلدون وياتمرونون باوامر من القبور الذين لا دليل على وجودهم هذا وان وجدوا لا دليل صدقهم والتحزم والانحياز كانت سمتهم. نحن بحاجة الى احرار كـ علماء التنوير الاروبيين الذين ابعدوا الدين عن السياسة وجعله شان شخصي. يقول الامام علي (اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كانك تموت غدا)


2 - اسلمة الحياة سلاح ذو حدين
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 2 - 06:22 )
منذ ان شرّعت مصر قانون معاقبة من يزدري الأديان ،عندئذ بدأت التيارات الدينية في مصر تتقوى وتتسلط بعصى هذا القانون المتخلف ، وهذا القانون شرّع اصلاً لتكميم افواه المتنورين والمفكرين الذين يسعون لتقدم البلد عن طريق خلق نظام مدني يعطي حقوق لجميع المواطنين بالتساوي ، وبلا شك دعم هذا القانون التوجه لأسلمة الدولة والحياة الإجتماعية ودعم ايضا وقوى المادة الثانية من الدستور المصري (مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع) ، ان مثل هذه القوانين هي امتحان للدين نفسه ولا تكون نتائجه في صالح الدين في حالة سقوط الدين في الأمتحان وأدى الى تخلف المجتمع ، فهذا سيزيد من نسبة الألحاد وسيخسر المشرعون الأسلاميون ثقة الشعب بهم وفي الدين . يبدوا ان المشرعين الأسلاميين في مصر لم يتعظوا ممن سبقوهم الذين قاموا بعزل الدين عن الدولة لحماية الدين نفسه ، انا أتوقع ان تثور الأجيال الشبابية القادمة بوجه اسلمة الحياة في مصر والنتيجة سيتحملها رجال الدين الذين يقرأون المستقبل بشكل خاطئ ويومها سيستحي رجل الدين ارتداء الجبه والعمامه ، تحياتي استاذ فتّوح

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال