الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرح نفعية الدين في الميزان

عبدالله محمد ابو شحاتة

2021 / 10 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من المحبط كون أفضل طريقة دائماً لكشف المغالطات تكمن في استعمال ذات المغالطات، تلك هي أقصر الطرق وأكبرها نجاحاً. فبعكس المغالطة على الخصم يمكننا أن نُظهر تهافت ادعاءاته وبذلك نضعها في مكانها الصحيح.
منذ بضعة أعوام ظهر اتجاه متنامي في الجدال حول الدين لا ينطلق من قاعدة إثبات صحة الدين كبناء عقائدي، وبدلاً من ذلك يحول أن يعالج الدين من منظور برجماتي. فيبدأ بتساؤل هل الدين نافع لنا ام لا، ثم يخلص من بضع دراسات منتقاه إلى أن الدين جيد ونافع على الصعيدين الفردي والجماعي.
ولا شك في أن الدين في له دوراً في تعقد وتطور البناء النفسي والاجتماعي للإنسانية، و لكن تأثيراته في كل مرحلة تختلف عن أخرى، وفي كل مكان تختلف عن الآخر، فالدين كأي نسق اجتماعي يمكنه أن يلعب أدواراً متعددة، بعضها تقدمياً وبعضها تحللياً، فالأمر يختلف باختلاف الخصوصيات الثقافية لكل دين ومدى توافقه مع السياق المادي الاقتصادي والسياسي أو حتى مع باقي أجزاء النسق الثقافي.
ولكن أصحاب تلك النظرة البرجماتية، أو لنكون واضحين مدعوها، لكونهم في الواقع لا ينطلقون من البرجماتية بل من الدين، أي أنهم برجماتيون مزيفون. يرتكبوا دائماً مجموعة من المغالطات، فهم أساساً يبنون ادعاءاتهم على أوراق وتجارب في علمي النفس والاجتماع، بينما يغفلون تماماً الجانب التاريخي والواقع الموضوعي المُشاهد. وفي الحقيقة فإن علم الاجتماع في أساسه لا يزال علم قائم على المناهج التاريخية والوصفية والمقارنه، بينما يحبو في خطواته الأولى في اتجاه المنهج التجريبي، فمن العبث أن نعتمد في تقييمنا للحقائق الاجتماعية الكلية على المنهج التجريبي أو الدراسات الجزئية دون أن ننظر للتحليل التاريخي والمعالجة الاجتماعية الشاملة.
فلو جئتني على سبيل المثال بمئة دراسة تقول أن التدين الإسلامي بشكله الأصولي الشائع لا يتعارض مع العلم. فيمكنني ببساطة أن أبطل ادعاءاتك عبر قراءة مبسطة للوقائع تخبرنا أن نسب الأمية في العالم الإسلامي تتجاوز ٥٠٪، و أن عدد الحاصلين على نوبل في العلوم من المسلمين بتعدادهم الذي يتجاوز المليار هم اثنين فقط. أو يمكننا أن ننظر أيضاً لحجم الكتلة العظمى من المسلمين التي لا تزال ترفض تدريس التطور البيولوجي لكونه يتعارض مع الدين حسب رأيهم.
ويمكنك أن تظل تدعي أن تلك المؤشرات ناتجه عن عوامل متعددة، ولكن رغم ذلك سيكون من العبث أن نتجاهل دور نمط التدين في هذا الوضع المزري لكونه عامل ثابت وسط عوامل أخرى متغيرة بتغير المجتمع المُلاحظ.

علينا أيضاً أن نوضح كون تلك الفئة التي تدعي البرجماتية ترتكب مغالطات في استشهادها بتلك الدراسات، فهي في الواقع تمارس انتقاء الكرز بجانب بجانب الاحتكام للقاموس بأن تضفي على استشهاداتها موثوقية غريبة ليس لها مكان في مجال العلوم الإجتماعية.
وتلك هي المغالطات التي أود قلبها عبر تلك المقالة وبذات الطريقة التي تعمد لأستشهادات بتجارب ودراسات وحشوها لتأييد موقف بعينه دون آخر.

ولنبدأ في رحلة قصيرة عبر مجموعة الدراسات المنتقاه بعايير مخالفة نوعاً ما

الدين والسلوك الأخلاقي.

توجد العديد من الدراسات والتجارب التي تربط بين الدين والسلوك الأخلاقي، ولكن من الخلل في المنهجية أنها أولاً تقيم التدين بناء على معايير شكلية وتقيم أيضاً السلوك الأخلاقي على معايير شكلية كذلك.
تقدم الدراسة التالية، نقداً لتلك المنهجية لتخرج لنا بنتيجة مفادها أن المتدين يمكن أن يكون فقط أكثر حرصاً على مظهره الأخلاقي لا أكثر، وليس الأمر علاقة بسلوك أخلاقي جوهري.
The Origin and Evolution of Religious Prosociality
ARA NORENZAYAN AND AZIM F. SHARIFF

الدين يجعل الأشخاص أكثر عنصرية.

Priming Christian Religious Concepts Increases Racial Prejudice
Megan K. Johnson, Wade C. Rowatt, Jordan LaBouff

أثبتت الدراسة التالية أن الأشخاص المهيئين بشكل لا شعوري بمصطلحات دينية مسيحية كانوا أكثر ميلاً للعنصرية العرقية اتجاه الأمريكيين من أصل إفريقي، مما يطرح تساؤلات حول الارتباط بين الدين والعنصرية.

المتدين يميل بشكل أساسي لطاعة الأوامر والقيم المجردة على حساب السلوك الاخلاقي المباشر.

When authoritarianism meets religion: Sacrificing others in the name of abstract deontologyMatthieu Van Pachterbeke,Christopher Freyer,Vassilis Saroglou

تخبرنا الدراسة أن مجموعة الأشخاص المؤهلين
لا شعورياً بكلمات دينية كانوا أكثر ميلاً لإتخاذ قرارات تقدم طاعة الاوامر والمبادئ الكلية المجردة على حساب الحس الاخلاقي المباشر.
فعندما ُطرح عليهم على سبيل المثال سؤال يقول " إذا كنت مسؤولاً في اضراب يمنع الوصول لسوبر ماركت، وكانت هناك امرأة تريد الوصول لشراء طعام لأطفالها، هل نتركها أم لا ؟
أو سؤال الآخر يقول، إكرام مهاجر غير شرعي، أم رفض هذا لكون القانون يحظر الهجرة غير الشرعية ؟

وقد كانت الإجابات كما أسلفنا أكثر ميلاً لطاعة الأوامر والقيم المجردة. وهو ما يفسر ميل المتدينين لطاعة الأوامر والاستبداد أكثر من غيرهم.
وهذا ما يفسر لنا كيف أن المؤمن قادر على القيام بأفعال لا يختلف أي حس سليم على لا أخلاقيتها ( حادثة قتل حسن شحاته على سبيل المثال ) في سبيل قيمة ما مجردة يعتقد بقدسيتها.

الدين يجعل الأشخاص أكثر عنفاً

When God Sanctions Killing: Effect of -script-ural Violence on Aggression
Show all authors
Brad J. Bushman, Robert D. Ridge, Enny

قسمت الدراسة مجموعتين، أحدهما تعرضت لنص عنيف مع مؤثرات إضافية ( الله والكتاب المقدس)، والأخرى مع غياب تلك المؤثرات الدينية.
ثم تلى ذلك مسابقة وهمية بين المشاركين وشريك آخر كان يمكن بموجبها للفائز أن يعرض الخاسر لدرجة ضوضاء يختارها بداية من صفر إلى درجات عالية جداً. وقد أظهرت المجموعة التي تعرضت لمؤثرات الله والكتاب المقدس سوك أكثر عنفاً.

التدين قد يدفع المرضى النفسيين الانتحار.

Religion as a risk factor for suicide attempt and suicide ideation among depressed patients
Ryan E Lawrence, MD, MDiv., David Brent, MD., [...], and Maria A. Oquendo, MD

أجريت الدراسة السابقة على ٣٢١ مريض بالاكتئاب واضطراب ثنائي القطب، وقد كشفت عن وجود ترابط إيجابي بين تدين المرضى وميول الانتحار لديهم.

الدين والعلم.

الدين ودارسة البيولوجيا

Experiences of Judeo-Christian Students in Undergraduate Biology
M. Elizabeth Barnes, Jasmine M. Truong, and Sara E. Brownell

تخبرنا الدراسة السابقة أن طلبة البيولوجيا المتدينين من المسيحيين واليهود، يشعرون أن هوياتهم الدينية قد تتعارض مع علم الاحياء.

الدين الإبداع.

Does Religion Hinder Creativity? A National Level Study on the Roles of Religiosity and Different Denominations
Zhen Liu, Qingke Guo, [...], and Rui Wu

تخبرنا الدراسة السابقة والتي تمت على مستوى الدول عن وجود علاقة تبادل سلبي بين الدين والابداع المتمثل في براءات الاختراع والتحصيل العلمي والاستثمار في البحث والتطوير ، وقد كان الترابط السلبي أكثر وضوحاً في حالة الاسلام.
وهو ما يعود بحسب رأي الباحثين لكون المسلمون يعتمدون على كون السلطة العليا نظمت وستنظم كل شيء ودورهم فقط يتلخص في الطاعة، كما أنهم لا يميلون عادة لإحداث تغيير لكونهم لا يثقون في قدرات العقل البشري ويميلون لإزدراء انتاجاته مقابل ما يعتبرونه مقدساً.

الدين والقدرة على أداء المهام المعرفية.

The Negative Relationship between Reasoning and Religiosity Is Underpinned by a Bias for Intuitive Responses Specifically When Intuition and Logic Are in Conflict
Richard E. Daws and Adam Hampshire

أجريت الدراسة السابقة عن طريق عينة واسعة على الانترنت، وقد خلُصت لأن الملحدين واللادينيين والمرتدين، لديهم مستوى أعلى من أداء المهام المعرفية من المتدينين.


هل الطرح السابق متماسك من منطلق العلوم الاجتماعية ؟

بمنطق مدعي البرجماتية والعلمية في سبيل الميتافيزيقيا، سيكون الطرح السابق في غاية التماسك. فكما يأتي لنا هؤلاء بطرح مبني على دراسات منتقاة ليقول أن الدين، يدعم الأخلاقية والصحة النفسية والبقاء ويتوافق مع العلم. فيمكننا أيضاً وفقا للطرح السابق أن نقول أن الدين يحرض على العنصرية والاستبداد والعنف والانتحار ويتعارض مع العلم والإبداع.

أين توجد الإشكالية ؟

الإشكالية توجد وبشكل أساسي في تجاهل حقيقة كون العلوم الاجتماعية حتى وقتنا هذا ليست علوم تجريبية بالأساس، نعم التجربة قد تكون مفيدة في تقديم تصورات محددة ولكنها تظل تعاني من تضارب النتائج وضعف إمكانية الربط والتعميم على واقع اجتماعي أكبر، فلا يجب علينا أن نتجاوز ونبني عليها أحكاماً نهائية متغافلين بذلك عن دور التحليل التاريخي والوصفي والملاحظة المنظمة والتي قامت عليها العلوم الاجتماعية ولازالت تعتمد عليها.

فالقاعدة المعرفية التي تبنى عليها العلوم الاجتماعية ترتبط بشكل أساسي بالدراسات التاريخية و الوصفية بمرحلتيها الاستكشاف والصياغة والتشخيص والوصف كما يقول ريتشارد ستيفن، ولقد كانت الدراسات الوصفية حجر الأساس لأكبر الأعمال الانثروبولوجية تأثيراً كأعمال جيمس فريزر ولويس مورجن. كما تمثل المادة التاريخية المتاحة حقلاً معرفياً أساسياً يخدم المنهج التاريخي والمقارن في البحث الاجتماعي وهو الاتجاه الذي يواجه صعوبات أقل ويعطينا معرفة أكبر وأوسع لكونه أكثر شمولاً، فيمكننا من تحليل الظاهرة موضوع الدراسة بشكل شامل والعودة إلى أصولها ومراقبة اتجاهاتها وتطورها ومراقبة العلاقات الأكثر تشعباً بين الظواهر والتي لا تظهر عادة في الدراسة التجريبية المحدودة النطاق.

مشكلات المنهج التجريبي في علم الاجتماع.

دخل المنهج التجريبي لعلم الاجتماع عن طريق علم الاجتماع الصناعي، عبر تجارب التون مايو ووارنر وغيرهم من الذين اتخذو من المصنع مجتمعاً لتجاربهم.
ويشير تواضع البناء الاجتماعي للمصنع مقارنة بالمجتمع الكلي الي الريبة في عملية الاعتمادية على هذا المنهج فيما يخص التنظيمات الأكبر.
يقول توم بورتومر أن العلوم الاجتماعية تواجه صعوبات متعددة في استخدام المنهج التجريبي. تتلخص في استحالة ضبط كافة الظروف المؤثرة في الموقف التجريبي، وأن صعوبة تحقيق الضبط التجريبي نابعة من طبيعة الظواهر البشرية نفسها، مما ينتج عنه صعوبة في إخضاع العوامل السببية المرتبطة بالظاهرة وتحديد المتغيرات التابعة والمستقلة.
مما يجعل حتى وقتنا هذا من عملية إخضاع الظاهرة الاجتماعية للقياس الكمي آلية مشكوكاً في صحتها.


و يمكننا أخيراً أن نخرج من تلك المقالة بمغالطة هامة.
وهي الطبعنة المفرطة للعلوم الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية