الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص وحواديت من العالم القديم (25) ثيودوسيوس العظيم

محمد زكريا توفيق

2021 / 10 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جوفيان. فالنتينيان. ثيودوسيوس العظيم:

بعد وفاة جوليان، نصب الجنود جوفيان، رئيس الحرس، إمبراطورهم الجديد. سحب الجيش من بلاد فارس، وخلق ملاذا آمنا بالتخلي عن بعض المقاطعات التي تم احتلالها.

كان جوفيان صديقا للمسيحيين، لكنه مات بعد فترة صغيرة جدا، لم يستطع خلالها فعل الكثير. كانت وفاته مفاجئة. بعد تناول عشاء دسم للغاية، ذهب إلى الفراش، وفي صباح اليوم التالي وجد ميتا.

اعتقد البعض أنه قتل بسبب عسر الهضم، والبعض الآخر أنه اختنق بأبخرة الفحم. وربما مات مسموما.

في هذا الوقت، كان الرومان يواجهون الكثير من الأعداء، ولديهم الكثير من البلدان الواقعة تحت سيطرتهم، الواجب الحفاظ عليها. كثيرا ما كانوا يضطرون إلى نقل جنودهم من مكان واحد لحراسة مكان آخر.

حدث، في بعض الأحيان، أن القوات الرومانية استدعيت من بريطانيا، وأرسلت للقتال في بلاد الغال أو ألمانيا. في مثل هذه الأوقات، استغل الأسكتلنديون غيابهم، وفي قوارب مصنوعة من الخوص صغيرة، مغطاة بالجلود، كانوا يعبرون المضيق، ويقومون بالسطو وتدمير أجزاء كبيرة من بريطانيا، ثم يعودون أدراجهم إلى بلادهم. بعد أن يكونوا نهبوا وفعلوا الكثير من الأذى، وجاءوا بالكثير من الغنائم.

تم اختيار فالنتينيان لخلافة جوفيان. ثم قام الإمبراطور الجديد بإشراك شقيقه فالنز وتقاسم الحكم معه. هكذا، تم تقسيم إمبراطورية روما الشاسعة إلى سيادتين، معروفتين باسم الإمبراطورية الشرقية، والإمبراطورية الغربية.

احتفظ فالنتينيان لنفسه بالإمبراطورية الغربية، وأعطى الشرقية لأخيه. تم إجراء هذا التقسيم مع أبهة عظيمة وهيبة كبيرة، عام 364 م.

تسبب فالنتينيان في موته هو نفسه، لأنه لم يستطع التحكم في أعصابه ويسيطر على غضبه. كانت قبيلة "كوادي" الألمانية، قد أرسلت وفدا للتفاهم وتخفيف غضب الإمبراطور، الذي عقد العزم والنية على إبادتهم عن آخرهم، بسبب جرؤتهم على غزو بعض الأراضي التابعة له.

بالرغم من أن أعضاء الوفد تحدثوا وتعاملوا معه بتواضع شديد، إلا أنه انفجر غاضبا، شوح بيديه، وصرخ بصوت عال، وبحركات عنيفة، لدرجة ارتفع معها ضغط دمه، تسبب في انفجار أحد شرايينه، فمات بعد لحظات قليلة من العذاب الشديد.

جراتيان، الابن، وفالنتينيان الثاني حفيد فالنتينيان الأول، كل بدوره، صار إمبراطورا للغرب. لكن لم يبق أيا منهم في السلطة طويلا. ثم أصبح ثيودوسيوس إمبراطور الغرب. بعد موت إمبراطور الشرق، أصبح ثيودوسيوس أيضا إمبراطور الشرق. بذلك عادت الإمبراطورية الرومانية موحدة، تحكمها سيادة واحدة.

اعتنق ثيودوسيوس المسيحية، ولم يصادق المسيحيين فحسب، بل وافق أيضا على قرار مجلس الشيوخ، بأن الوثنية لا ينبغي أن تكون دين الدولة بعد الآن.

تناظر رجلان ذكيان بمهارة في مجلس الشيوخ حول المزايا المختلفة للمسيحية والوثنية، وأيهما أفضل. بعد مناقشة طويلة ورصينة، وقف مجلس الشيوخ في صف المسيحية، ولم يعد يدعم الوثنية. منذ تلك الفترة، أصبحت المسيحية، هي الدين الرسمي لجميع البلدان التابعة للإمبراطورية الرومانية.

لقد كان ثيودوسيوس حكيما وشجاعا وكريما. كان يحب ويمارس الفضائل، حنونا في علاقاته العائلية، وفيا لأصدقائه، رقيقا كزوج، وطيبا كأب. لذلك، كان يدعى ب ثيودوسيوس العظيم.

أثناء ثورة غضب، أمر ثيودوسيوس بقتل العديد من الأشخاص في ثيسالونيا في اليونان، كانوا قد اشتركوا في اغتيال أحد ضباطه. عندما هدأ وخف غضبه، حاول منع المذبحة، لكن قرار عفوه جاء متأخرا.

كان ثيودوسيوس على علم بنقطة ضعفه. إذا استثنينا هذا الحادث، نجد أنه كان لا ينفعل كثيرا. وقد غفر لسكان أنطاكية أيضا، بعد أن أغضبوه.

مات ثيودوسيوس العظيم في ميلانو عام 395 م، في السنة الستين من عمره، بعد أن حكم 18 سنة.

هونوريوس. ألاريك. بولشيريا:

قسم ثيودوسيوس إمبراطوريته بين ابنيه. جعل أونوريوس الأصغر سنا، إمبراطور الغرب، وعاصمته روما. وأركاديوس، إمبراطور الشرق، وعاصمته القسطنطينية.

أخيرا تم تقسيم الإمبراطورية الرومانية الهائلة إلى قسمين. وسنرى قريبا انتهاء سيطرة روما الامبراطورية. لقد كان أونوريوس صغيرا جدا، عندما تولى منصب الإمبراطور. وبضعفه وتردده عجل بسقوط الدولة، وكان من واجبه أن يصونها ويحميها.

بعد أن شعر بالجزع من اقتراب القوط تحت القيادة العسكرية لألاريك، فر إلى رافينا. ونقل معه الحكومة. هكذا، فقدت روما مرة أخرى سيادتها. كما أن أونوريوس، أضعف سلطاته أكثر، بعد تخليه عن جزء من إسبانيا، كمهر زواج لأخته. كما أنه سمح للبورجنديين في ألمانيا، بالانتقال والعيش في بلاد الغال (فرنسا).

ينقسم القوط إلى العديد من الدويلات المتميزة. أهمها، القوط الشرقيون، والقوط الغربيون. كان ألاريك، ملك القوط الغربيين. وكان الرومان يمارسون سياسة خطرة، وهي تأليب دويلات القوط على بعضها، حتى يظلوا في شجار ومناكفة طول الوقت.

كان ألاريك يخدم الرومان في هذا الشأن. لكنه غدر بالرومان، وجمع جيشا، غزا به اليونان، ومنها توجه إلى إيطاليا. تم إنقاذ أثينا من غضبه، لأن السكان فتحوا له أبواب المدينة بسهولة. لكن، ستيليتشو، الجنرال الروماني، أظهر الروح الرومانية، وقام بدفع ألاريك وإرجاعه إلى أركاديا.

لكن بعد وفاة ستيليتشو، غزا ألاريك إيطاليا مرة أخرى، ونصب معسكره قبل روما. فدفع له الرومان مبلغا كبيرا من المال كرشوة، لكي يرجع عن هدفه. لكن للأسف كان فقط لفترة صغيرة.

لأنه عاد ثانية عام 410 م، ودخل روما بالقوة، وترك المدينة لجنوده، لكي يعيثوا فيها الفساد، ويقوموا بنهبها. وقد لوحظ أن بعض القوط كانوا مسيحيين، يتجنبون السكان المسيحيين والمعابد المخصصة لعبادتهم.

لمدة ستة أيام، لم يتوقف النهب والقتل في هذه المدينة، التي كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية. ولمدة أربع سنوات، ظل القوط يسيطرون على إيطاليا. لم يكتف ألاريك بهذا النصر الرائع، لذلك عقد العزم على جعل نفسه سيد صقلية وأفريقيا أيضا. كيف يشبع وهو الرجل الطموح؟

سار ألاريك برجاله جنوبا إلى كامبانيا، حيث كان ينوي الإبحار إلى صقلية، ربما للحصول على الحبوب وغيرها من الإمدادات. عندما دمرت عاصفة أسطوله، خلال الأشهر الأولى من عام 411 م، بينما كان في رحلة عودته شمالا عبر إيطاليا، أصيب ألاريك بالمرض وتوفي في مدينة بواتيا في بروتيوم.

كان سبب وفاته الحمى المحتملة، ودفنت جثته وبعض أثمن غنائمه، كما تقول الرواية، تحت مجرى نهر بوسنتو، وفقا للممارسات الوثنية للشعب القوطي.

في قاع النهر، جففوا المياه، ثم دفنوا ألاريك مع أبهة كبيرة وروعة. بعد هذا، ردموا وأعادوا المياه إلى مجراها. بذلك، يصبح النهر نفسه، هو المدفن والقبر والنصب التذكاري لملكهم المتوفي. تذكار متغير وماء متدفق، ولكن النهر باق.

عندما انتهى العمل، أعيد النهر إلى مجراه المعتاد، وتم إعدام الأسرى الذين حفروا وأنجزوا العمل بأيديهم. حتى لا يخبر أحدا منهم عن مكان الدفن.

لم يكن ألاريك شجاعا فحسب، بل كان سخيا أيضا، وأكثر صقلا بكثير من الناس الذين حكمهم. أتالوس، أو أدولفوس، خليفته، تزوج بلاسيدا، شقيقة أونوريوس، وتلقى معها، جزءا من إسبانيا كمهر.

نفى أركاديوس، إمبراطور الشرق، القديس كريسوستوم، بطريرك القسطنطينية. ومات أونوريوس، إمبراطور الغرب الضعيف، بعد عهد غير مجيد مدته أربعة عشر عاما، عن عمر واحد وثلاثين عاما، سنة 408 م.

ثيودوسيوس الثاني. كان إمبراطورا بالاسم فقط. هو حقا خليفة أبيه أركاديوس، غير أن السلطة كانت في يد أخته بولشيريا، التي حكمت لمدة أربعين سنة، بتعقل وحصافة ومقدرة كبيرة.

حكمت أولا باسم أخيها، وأخيرا باسمها. في السادسة عشرة حصلت على لقب أوجستا. كانت خيرية، كادحة، وتقية. تقرأ وتكتب باللغتين اليونانية واللاتينية، مع الأناقة والطلاقة.

تتحدث بشكل جيد في المناسبات الهامة. وكانت مهتمة بالنظر في الشؤون العامة، كما كانت سريعة في تنفيذ قراراتها. وعلى الرغم من أنها كانت تحكم الإمبراطورية بالكامل، إلا أنها كانت تنسب سلامها وازدهارها إلى شقيقها.

بولشيريا ليست المرأة الوحيدة التي أشرقت وأثبتت جدارتها كحاكمة ورئيسة. هذا يوضح أن المرأة قادرة على أداء واجباتها في أي مركز عام. حتشبسوت، وكليوباترا وشجر الدر، هن أمثلة أخرى على قدرة المرأة على الحكم.

فيرجوس. فاراموند:

توفي هونوريوس، إمبراطور الغرب فجأة، عام 423 م. وسعى مغتصب يدعى جون، لخلافته. لكن سرعان ما هزم وقطعت رأسه. خلفه فالنتينيان الثالث على عرش روما، عام 425 م.

عندما كان ألاريك على وشك الدخول إلى روما، كانت اسكتلندا يحكمها ملك، يدعى فيرجس، الذي نعرف عنه القليل.

كان الفرنجة لديهم الآن ملك، اسمه فارماكون. وقد تم تأكيد تاريخ حكم هذا الملك بشكل مختلف.


في عهد فالنتينيان الثالث، ترك الرومان أخيرا بريطانيا، لحاجتهم للجنود للدفاع عن روما، وبالتالي سحبوا قواتهم من هذه الجزيرة، والعديد من البريطانيين معهم. ويبدو أنهم تصرفوا بلطف قدر الإمكان عند مغادرتهم.

فقد قاموا بإصلاح الجدار الحجري، الذي بناه سيفيروس لإبعاد الغزاة الشماليين. وعلموا البريطانيين أفضل طريقة للدفاع عن أنفسهم. ورحلوا مع أكثر الشروط ودا، مع الناس الذين حكموهم ما يقرب من أربعمائة عام، حدث هذا سنة 426 م.

ترك البريطانيون الآن لكي يضعوا قوانينهم الخاصة، ولكي يحكموا أنفسهم. كان الرومان قد علموهم كيفية بناء المنازل ورصف الطرق. وكان لديهم مدارس لتعليم الشباب، وبدأوا يعرفون استخدام المعادن.

لكن قيل إنه، بالرغم من شجاعتهم، لم يكونوا رجال حرب. كانوا يقاتلون بجرأة، ولكن ليس بكفاءة. ومع ذلك، لأنهم لم يعد يعتمدون على الرومان في المساعدة والمشورة، اضطروا إلى التفكير والتصرف والاعتماد على أنفسهم.

دخل الأسكتلنديون والبيكتس بريطانيا، عن طريق تحطيم أجزاء من الجدار. ونهبوا كل مكان مروا به. فر البريطانيون المذعورون على عجل، واحتموا في غاباتهم وجبالهم.

في هذه المحنة، طلبوا النجدة من آيتيوس، جنرال الامبراطور فالنتينيان. وجاء في نداء الاستغاثة: "البرابرة أمامنا، والبحر من خلفنا. البرابرة تهاجمنا من الأمام، والبحر يهاجمنا من الخلف. ونحن إما أن نقطع بالسيوف، أو نغرق إلى الأعماق". مقولة طارق بن زياد، "البحر أمامكم والعدو خلفكم" يبدو أنها منقولة.

لكن هذه الاستغاثة قد ذهبت أدراج الرياح. فلم يستطع آيتيوس مساعدتهم. لكن لحسن الحظ، بعد أن اتخذ الغزاة كل ما في وسعهم من استعدادات للغزو، تقاعسوا من تلقاء أنفسهم.

عاد البريطانيون الخائفون الآن إلى المنازل التي هجروها، ومرة أخرى شغلوا أنفسهم بزراعة الأرض. وقد كوفئوا بمحاصيل وفيرة. وتغيرت حياتهم من الخوف والرعب، إلى رغد العيش والاطمئنان.

كان الفاندال في هذا الوقت يخربون أفريقيا، حيث فاجأ ملكهم، جينسيريك، قرطاجة واستولى عليها عام 439 م. بعد ما يقرب من ستمائة عام من تدمير المدينة القديمة من قبل سيبيو. وقد أعاد أوغسطس بناء قرطاجة. وكانت مدينة رائعة.

كانت هناك مدينة أخرى، في إسبانيا، تسمى قرطاجة الجديدة، التي بناها أسدروبال، عام 227 م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا