الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة المنظمة في صدر الاسلام – 2 -

ربيع نعيم مهدي

2021 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة ثانية
قبل الدخول في موضوعات الجريمة المنظمة في صدر الاسلام أجد من اللازم ان نعود بالزمن الى ما قبل الدعوة المحمدية. فمفردة "الجاهلية" التي تمثل الاصطلاح الشائع عن تلك الفترة من التاريخ ترسم صورة غير مكتملة عن المجتمع العربي، الذي كان يعيش وفق اعراف وتقاليد سادت باعتبارها نظام شامل يخضع لسلطانه كل افراد القبائل والحواضر العربية المتناثرة على ارض الجزيرة.

"1"
هذه الأرض بطبيعتها الجغرافية ساهمت في تأكيد الصورة المرسومة في كتب التاريخ عن العرب، إذ لم تخضع هذه المنطقة بشكل مطلق لأية قوة سواء أكانت عسكرية او سياسية، والمسببات لهذا الوضع كثيرة منها افتقار الارض للموارد، والبيئة القاسية للحياة، والتي أنتجت فئتين من المجتمعات (اهل المدر - واهل الوبر )، الاولى تشمل مجتمع الحضر الساكن في القرى الصغيرة مثل مكة والطائف ويثرب وغيرها، والثانية تشمل المجتمع البدوي الخاضع للأعراف السائدة بحكم العلاقات الاقتصادية والمنافع المتبادلة بين الفئتين. وبالرغم من غياب النظم السياسية عن الوجود في صحراء العرب، إلا ان بعض الحواضر استطاعت ان توجد لها انظمة حاكمة تمثلت في الممالك التي نشأت في اطراف الصحراء، والتي خضعت في الغالب لنفوذ القوى السياسية المجاورة في ذلك الوقت، فيما تأقلمت المجتمعات العربية في الصحراء مع طبيعة الارض التي فرضت التنقل والترحال على ساكنيها بحثاً عن مصادر المياه.
اما الحياة الدينية للعرب فان اغلب الشواهد المتناقلة في كتب التاريخ تشير الى وجود غالبية وثنية تتعايش بين اظهرها مجتمعات صغيرة من اليهود والنصارى، اضافة الى الاحناف الذين لم يشكلوا عبر تاريخهم اي جماعة لتوحيد شملهم، حالهم حال الزنادقة الذين كان لهم حضور في المجتمع المكي، بحسب ما ينقله ابن سعيد في كتابه "نشوة الطرب".

"2"
ان انتشار العرب في بيئة صحراوية تتسم بالقسوة وقلة الموارد، ادى الى وجود وحدات شبه سياسية تمثلت في القبائل التي فرضت مجموعة من الاعراف والتقاليد لتنظيم العلاقات بين افرادها وبين بعضها البعض، حيث شكلت القبيلة - باعتبار ها وحدة نسبيّة - لبنة اساسية، لها ما يميزها عن باقي القبائل، ولها رموزها الدينية وتقاليدها الحاكمة كالعصبية والاجارة واقراء الضيف وغيرها. وبسبب تكرار واستمرار حالة النزاعات بين القبائل أقيمت عدد من المعاهدات بين بعضها عرفت بالأحلاف لضمان النصرة فيما بينها عند نشوب الصراعات التي كانت تثار لأتفه الاسباب .
وبحسب ما يرى (جواد علي) في كتابه (المفصل)، ان كسر الاعراف السائدة كان كافياً لحصول عمليات القتل، الذي تعددت اساليبه ما بين الطعن، والذبح، والخنق، ودس السم، وجميعها يمكن تصنيفها الى قسمين هما: الاغتيال والفتك، - والفرق بينهما ان الأخير يحدث جهراً، بعكس الاغتيال الذي يتصف بالخديعة والتربص والمفاجأة-.

"3"
أما محور البحث وهو الجريمة المنظمة في صدر الاسلام، فأغلب الشواهد التاريخية تؤكد ان جزء من عمليات الاغتيال كانت ممنهجة، وإذا سطّرنا أسماء ضحايا الاغتيال في صدر الاسلام سنخرج بقائمة طويلة من الضحايا، بعضهم عُرِف قاتله والغاية من القتل، فيما الكثير منهم قُيّدت عمليات تصفيتهم ضد مجهول، ولو طبقنا إحدى مبادئ البحث الجنائي وهي : ( البحث عن المستفيد في الجرائم الغامضة ) سنجد ان بعض – إن لم يكن الكثير – عمليات الاغتيال تحمل بين طياتها إشارات صريحة عن الجهة المستفيدة من عملية القتل، والتي في مجملها لم تخرج عن دائرة الصراع السياسي، خصوصاً بعد وفاة محمد (ص).
فالمجتمع في تلك الفترة لم يكُن بتلك الصورة المثالية التي تحاول رسمها كتب التاريخ، والتي نقلت لنا أخبار الجماعات والصفات تمسكوا بها لتمييزهم عن الآخرين، واذا نظرنا الى طبيعة المجتمع في المدينة سنجد صفة الأنصار في مقابلة المهاجرين، والذين لهم انتماءاتهم القبلية والأسرية، فليس بني هاشم كل قريش، والتي ما بقي منها – أي قريش - عند فتح مكة دخل في تصنيف (الطلقاء)، الكلمة التي ستبقى كلطخة سوداء في تاريخ بعض من ينتمون الى الاسلام.

"4"
نقطة أخرى تجب الإشارة اليها عند الحديث عن التاريخ الاسلامي وإن كانت بعيدة عن الموضوع، لكنها ضرورية لفهم الواقع السياسي للمسلمين، وهي تتعلق بطبيعة النظم السياسية المرتبطة بمفهوم الخلافة، فالخلافة باعتبارها سلطة حصرية ومركزية لم تتحقق إلا في العقود الأربعة الأولى من التاريخ الهجري، بل ان الفترة التي حكم فيها الخليفة الرابع (علي بن أبي طالب) شهدت قيام دولة منافسة لحكمه وإن كانت غير معلنة، فالاستقلالية التي تمتع بها معاوية بن ابي سفيان تجعل من اراضي الشام في أيامه دولة مستقلة عن دار الخلافة، والحال يتكرر بعد نجاح معاوية في تأسيس ما يُسمى بالخلافة الأمويّة، إذ أقام عبد الله بن الزبير دولته المستقلة في مكة، كذلك الحال في أيام بني العباس، فمع وجود خليفة في بغداد، كانت هناك دولة مستقلة للفاطميين في القاهرة، وأخرى للقرامطة في شرق الجزيرة، وثالثة في الاندلس، و... الخ، وأغلب هذه النظم ادعت مشروعية الحكم وتبنت مفهوم الخلافة. وفي المحصلة نجد ان التاريخ الاسلام لم يكن في حقيقته سوى فوضى من الصراعات والنزاعات التي انتجت انهاراً من الدم.

"5"
وفي هذه السلسلة من المقالات سنعمد الى عرض بعض الاسماء وعمليات الاغتيال والاشارات المرتبطة بها، والتي تكاد تكون عامل مشترك فيما بينها لإثبات صحة الفرض الذي قدمناه في المقدمة الأولى، وسنترك للقارئ مهمة جمع الخيوط والربط بينها للوصول الى الحقيقة – وإن كانت نسبية - .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال