الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوائق التنوير في العالم العربي

زكي بوشوشة
كاتب

(Zaki Bouchoucha)

2021 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يختلف عاقلان حول ضرورة التنوير في حياة الأفراد و استقرار المجتمعات و مع ذلك يبقى هذا المصطلح غامضا و مبهما و ذو طبيعة مرنة و هيولية يصعب الامساك بها او ضبطها في إطار و شكل واحد ثابت و هذا ما دفع سابقا بكبار الفلاسفة و على رأسهم إ . كانط إلى مناقشة ماهية التنوير و ليس ضرورته و اهميته فهذه الاخيرة بديهية و مسلمة أولا و ثانيا هي لن تقدم لنا جوابا وافيا حول كيفية ممارسة التنوير او اخراجه من مثاليات السرد إلى تناقضات الواقع ، و من هنا نتساءل لماذا فشل خطاب التنوير في العالم العربي هل كان يفتقر لادوات الممارسة الواقعية أم أن المشكل اعمق من ذلك و يكمن في فهم التنوير بالاساس ؟
في بحثنا عن ماهية التنوير و كما سبق و قلنا عن كونه مصطلح مبهم و غالبا ما نسيء فهمه و تقديره ، وجب علينا ان نقترب منه تدريجيا و ان ننطلق من ابعد نقطة او من اوضح اشكال رفض التنوير ثم الأقل وضوحا و هي :
أولا : الخطاب التراثي هو خصم التنوير الظاهر الذي يقف منه موقف النقيض إذ أنه يناقض التنوير من حيث المبادئ العامة و الشكل العام و يقوم كل واحد منهما على نفي الآخر و هنا نذكر أهم النقاط .
الخطاب التراثي يتوجس كثيرا من العقلانية و يفرض حدودا و رقابة جد صارمة على العقل و التفكير و يحدد مجال استخدام العقل في نطاق معين ، و هذا أحد الاسس التي قام عليها عصر الانوار استخدام الإنسان لعقله بنفسه .
الخطاب التراثي يكرس السلطة و الوصاية بكل اشكالها الدينية و السياسية و الاجتماعية و الابوية و الذكورية ...، بينما التنوير يدعو إلى الحرية ، حرية التفكير و الاعتقاد و حق الاختلاف و الاختيار .
الخطاب التراثي هو دعوة لإغتراب ثقافي طوعي ، فهو يعيش على معايير و قيم زمان آخر و مكان آخر ، و هذا ما رفضه التنوير و تجلى ذلك في فكرة العلمانية .
ثانيا : الخطاب المابعد حداثي هو خصم التنوير الخفي ، و إذا كان الخطاب التراثي يعارض التنوير في الشكل العام فالخطاب المابعد حداثي يعارضه من حيث المضمون و يقوضه من الداخل ، فهو يتبنى نفس مبادئ التنوير ليسوقها في غير سياقها الطبيعي ، و من خلال تلاعب خفي بتلك المبادئ و على سبيل المثال لا الحصر نذكر :
أولا : التنوير رفض السلطة الابوية للكنيسة و دعى الى حرية الفرد في التفكير ، مابعد الحداثة تستغل هذا المبدأ لتكريس الشعبوية و الغوغائية و تلغي اي دور للنخب و المتخصصين . و هذا ما يقوض حركة التنوير و يعيقها .
ثانيا : التنوير يتميز بالعقل النقدي ، فهو يعرض المفاهيم للنقد لاختبارها و التحقق من صوابيتها ، أما المابعد حداثي فيجعل النقد غاية و يجعل السخرية فنا ، فيتحول الامر إلى فوضى و غوغاء و انحطاط باسم النقد و التنوير و في الحقيقة هو فقط تحطيم لما شيده التنوير تحطيما من الداخل ....و الامثلة كثيرة .
هكذا سننتهي إلى ان التنوير هو ثورة على خطاب الكنيسة و ما بعد الحداثة هي ثورة مضادة على التنوير كما وصفها هابرماس ، و ان عوائق التنوير اليوم تكمن في صخرة التراث التي تشل حركتنا من جهة و حصان مابعد الحداثة الاعمى الذي يجرنا في منحدر لا ينتهي لأي سفح غير الهواية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناريندرا مودي... زعيم هندوسي في هند علمانية -اختاره الله للق


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي




.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم


.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8




.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟