الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرح هو الأساس.. والحزن نتيجة طارئة

حميدة العربي

2021 / 10 / 8
المجتمع المدني


منذ البدء كان الفرح هو الأساس، حيث يولد الإنسان خامة خالية من المشاكل والعقد والاحزان، وبالإمكان أن ندرك بأن الإنسان الأول كان يستمتع ويفرح بكل تفاصيل حياته اليومية البسيطة مثل العثور على الطعام والمكان المريح وإشباع رغباته المادية والحسية وربما شروق الشمس وهطول الأمطار وتفتح الزهور ونمو النباتات وغيرها من نشاطات الطبيعة الجميلة والاكتشافات الجديدة ولم تتولد لديه مشاعر الحزن إلا بعد أحداث سببت له الخسائر والفقدان.. لكن، فيما بعد، ونتيجة للتربية والبيئة وما يمر به الفرد والمجتمع من ظروف وأحداث وصعوبات ازداد الحزن وطغى على حياة الكثير من المجتمعات وتضاءل الفرح وقلت مساحته في حياة الفرد والمجتمع.. فبدأ الإنسان بالبحث عن أوقات للراحة والفرح وطرق للاستجمام واستعادة النشاط، البدني والنفسي، ليواصل السعي والإنتاج. ولأن الفرح ليس شيئاً معلباً يحصل عليه بعض الناس ولا يتوفر لغيرهم، بل هو حالة شعورية يمكن أن يخلقها الإنسان، الفرد، حين ينتهز أية فرصة ليجعل منها فرحاً وبالتالي يصبح الفرح سمة المجتمع، وللمساهمة في تحقيق ذلك تضع الدول، المتقدمة، خططاً وبرامج طويلة الأمد لإسعاد الناس والتخفيف عنهم فتنشأ المرافق السياحية والثقافية والترفيهية وتقدم التسهيلات ومحفزات المشاركة بتسهيل السفر وتشجيع الاحتفالات والكرنفالات الشعبية وابتكار المناسبات المفرحة والمسابقات بأنواعها وتمنح العاملين إجازات إجبارية للتمتع بأوقاتهم وهواياتهم.. فينمو الإنسان ويكبر متعوداً على الفرح والاحتفال والمشاركة، يرى الجميع مشاركين، لا شيء مقصور على عمر معين أو فئة دون أخرى، العائلة تربي أطفالها على التفاؤل والانفتاح على الحياة لكي يصبحوا عناصر فاعلة ومؤثرة بإمكانها أن تحقق النجاح على الصعيد الشخصي والعام، عكس ما يسود في مجتمعنا حيث المحاذير كثيرة والعوائق عديدة والطريق عكرة معتمة.. في حين إن الفرح من سماته النور والبهجة والالوان.. ومن علاماته الضحك والحيوية والانطلاق، والناس عندنا، مهما كانت ظروفهم، يتمنون الفرح وينتظرون قدومه وحين يطل عليهم يستعيذون منه ويخافون قوته وسريانه لذا يمارسونه باختصار وعلى استحياء.. ثم ينسونه ويتجاهلون ذكراه فورا بل ينسبون له سبب أحزانهم واتراحهم اللاحقة. يعتقدون، الى حد الإيمان، إن الفرحة الكبيرة تخفي وراءها حزن عظيم والضحكة القوية، المجلجلة، ستجلب لهم النحس لذا يشعرون، دائمآ، بالندم على ضحكة أطلقوها عفواً أو فرحة عاشوها، صدفة….. يا ترى، من علّم الناس إن الفرح زائل والحزن ثابت؟ من سمح للنفس أن تنجر وراء ما يؤلمها وتهرب مما يريحها؟ البيئة المنغلقة والناس المعبأون بالخرافات ومشاعر الخوف من المجهول والحسد توارثوا أفكاراً ومعلومات وعادات تمجد الحزن وتستخف بالفرح، فأطلقوا شعارات تؤكد ذلك وحكايات وأمثال متوارثة تُزرع في أذهان الصغار والبسطاء منها ( الحزن حالة مقدسة والفرح أمر سطحي ) و ( لا تمشي ورا اللي يضحكك..أمشي ورا اللي يبكيك ). مثلاً، نرى المرأة تتفنن في إظهار حزنها وإطالة زمنه وكأنه أحد المبادئ الاساسية في الحياة والناس حولها يشجعونها ويمتدحون إبداعها في إيذاء نفسها بالحزن والكرب والكآبة.. لكنها تخجل من التعبير عن فرحها بحرية، تمارسه بمجاملة وتردد وكأنها مجبرة ولو تجرأت وانطلقت بفرحتها خارج المألوف، صارت متهمة بالرعونة والتهور وعدم الانضباط. أما وضع الرجل فلا يختلف كثيرا سوى إن لديه الحرية الكافية للخروج من شرنقة الحزن بأسرع وقت وبأية طريقة تناسبه دون استنكار أو نقد أو لوم من أحد، لكنه، وبسبب الثقافة الاجتماعية الرافضة للفرح، لا يستغل الحرية، المتوفرة له، لكي يفرح بصدق.. أقصى ما يفعله إطلاق عيارات نارية بشكل متواصل تعويضاً عن الصرخات والضحكات المكبوتة في داخله والتي لا يجرؤ على افلاتها لكي لا يُتهم بالصبيانية وانعدام الرجولة!.. لكن لماذا يخجل الانسان العراقي من الفرح؟ هل لأنه في لحظات الفرح يعود الإنسان الى طبيعته الفطرية العفوية فتظهر حقيقته بدون رتوش أو تغليف أو تصنع، وتنكشف حقائق شخصيته، التي ظل يخفيها دوماً خلف قناع الوقار والوجاهة؟ وإذا كان الحزن شعور إنساني ويجب أن يُحترم، أليس الفرح، أيضاً، شعور إنساني ويجب أن يُحترم؟ نلاحظ، عندما يحزن أحدهم يطالب الآخرين بالحزن معه ويغضب منهم إذا فرحوا ويستنكر عليهم عدم الاهتمام بحزنه، بينما من يفرح لا يطالب الآخرين بالفرح معه ولا يستنكر عليهم عدم الاهتمام والمشاركة، هذا يعني إن الحزين يشعر ويعرف إن الحزن غير مرغوب به ولذا يُرغم الآخرين، بأية وسيلة، على مشاركته كي لا يبقى وحيداً في حزنه.
تتأسس شخصية المجتمع الحي على ثلاث صفات أساسية، أولاً حيوية ذلك المجتمع واستعداده الذاتي ( العقلي والنفسي ) لتلقي الجديد، ثانياً، القابلية على التغيير والقدرة على التكيف مع نتائج ذلك التغيير، ثالثاً القدرة على ابتكار وسائل تنفيذ المتغيرات وسبل التعبير عنها.. لكن مجتمع ـ مثل العراقي ـ تقولب على ثقافة واحدة وعادات محددة وتقاليد ثابتة، تقريبا، يعيش حياته في دوامة حزن، أكثر مناسباته حزينة وكل أعياده جادة، خالية من الالوان والبهجة والاحتفالية، تُمارس بمجاملة وكأنها واجبات، هكذا مجتمع حتماً سيتأقلم ويندمج مع حالة الحزن فتصبح جزءً من طبعه وميوله وعلامة من أساسيات ثقافته الاجتماعية فيغدو الحزن هو الوضع الطبيعي ويصبح الفرح أمراً طارئاً وغريباً ومستنكراً كأنه حالة شاذة.
يقول الكاتب توركوم ساريا داريان إن « المستقبل صديق أولئك الذين يعيشون في فرح، ويتشاركونه وينشرونه فيما بينهم» وعالِم النفس جاك بولاند يقول « كل إنسان ينسج خيوط حياته بالطريقة التي يشعر بها. فلِمَ لا نختار إذن الشعور بالفرح!».. وحسب علم النفس إن الفرح يقوي الأمل ويساعد في تجاوز الصعوبات الحياتية والهموم اليومية ويساهم في زيادة إنتاج الفرد ويدعو للتأمل والشعور الإيجابي ما يوصل الى الإبداع والرفاهية.. ولنتذكر إن الحزن إنغلاق والفرح انفتاح.. الحزن يكسر المعنويات والفرح يرفع المعنويات.. الحزن انهزام والفرح إقبال.. الحزن مذلة والفرح تألق.. فلماذا لا نبتكر مناسبات للفرح والاحتفال ونعلم أطفالنا إن الفرح هو الأساس والحزن نتيجة طارئة وأن الابتسام والتفاؤل والشعور الإيجابي هي أولى المراحل باتجاه الفرح والحياة الطبيعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة


.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين




.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت


.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا




.. الأمم المتحدة تكرم -رئيسي-.. وأميركا تقاطع الجلسة