الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوكايين الشعوب

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 10 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا شك أن للماضي قوة سحرية على نفسية الإنسان الذي يقدس الحاضر والعالم كما هو. وإذا كان الدين هو إفيون الشعوب، كما يقول الشيخ كارل، حيث تستلقي الشعوب المدمنة في ظل نخلة وتنتظر أن تتحقق إرادة الله، فإن الماضي هو كوكايين الشعوب تجعلها تفقد علاقتها بالواقع وتجعلها تشعر بقوة وسعادة وهمية وبأنها مكلفة بمهمة تاريخية لإنقاذ البشرية من المستقبل وإعادتها إلى هذا الماضي التليد والأكيد. لا شك أن الحركات الإسلامية المتعددة، سلفية وجهادية وتكفيرية - تدخل ضمن هذا النوع من الحركات المسطولة والمدمنة على استنشاق كوكايين الماضي الصافي والذي وصل إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه في قيام الدولة الإسلامية " داعش " بزعامة الخليفة أبوبكر البغدادي. الأمل في العودة إلى عصر الخلفاء وبناء إمبراطورية جديدة على نفس النموذج بنفس الطريقة التي استعمر فيها هؤلاء الخلفاء آسيا وأفريقيا بجنود من المرتزقة، وسرقوا خيراتها وسبوا النساء والرجال والأطفال. وهم يريدون إعادة بناء هذه الخلافة ليس فقط على أرض الشام والعراق حيث نبتت هذه الدولة، بل على ما يعرف بديار الإسلام الممتدة من سور الصين إلى جبال البيرنيه في أوروبا وما بينهما، ولذلك فإن مقاتلي الدولة الإسلامية لا يقتصرون على أراضيها الحالية، بل هم يقاتلون في عدد من الساحات، من الجزائر وتونس وليبيا ومصرشرقا إلى الجزيرة العربية غربا ومن تركيا شمالا إلى اليمن جنوبا، ومن المحتمل ان تتوسع ساحات القتال لتضم مناطق أخرى من أفريقيا وآسيا وأوروبا والعالم بأسره. إن منظري وقادة ودعاة الدولة الإسلامية، هدفهم هو إحياء الخلافة الإسلامية كما كانت عليه منذ أربعة عشرة قرنا، وهذا لا يعني أنهم في تناقض أو في مواجهة لكل ما أفرزته الحضارات الإنسانية المتعاقبة، وكل ما أفرزه تطور البشرية من معرفة وعلوم كما يعتقد البعض، بل أنهم يستعملون كل منتجات الحضارة الصناعية والرأسمالية التجارية لأغراضهم العسكرية والإقتصادية والدعائية، من أسلحة متطورة إلى وسائل الإعلام المعاصرة من أفلام وأنترنت ووسائل ما يسمى بالتواصل الإجتماعي . المشكلة بطبيعة الحال لا تكمن في أن مجموعة من المسطولين يريدون الحياة كما عاش محمد وعمر أو زيد وبلال منذ قرون مضت، فهذا من حقهم، وإنما المشكلة إنهم يريدون جر البشرية بأسرها لهذا الماضي المزري، وليس فقط بقوة السيوف والخناجر والسواطير كما يمكن أن يتخيل البعض هذه الخفافيش، وإنما بقوة الدبابات والأسلحة المتطورة والأموال الطائلة.
إن الذي نريد تأكيده هنا مرة أخرى هو أن هذه التيارات السياسية المتعددة والمتباينة والمتقاتلة فيما بينها والتي تتخذ الإسلام مرجعا لها، هي تيارات سياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال نعتها بـ " العدمية " لأنها تيارات ذات مشروع ورؤية اجتماعية وسياسية ودينية تريد تحقيقها بقوة المال والسلاح. والذي ينفي عن هذه الحركات كلها صفة العدمية هو أن مشروعها ليس مشروعا جديدا أو مبتدعا، بل هو مشروع كائن لمجتمع " كان " في الماضي البعيد، إنهم فقط يعيدون الشريط إلى الوراء لإعادة مشاهدة التمثيلية القديمة. إنهم لا يرغبون في تغيير العالم بل إعادته مرة أخرى كما هو منذ البداية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في فرنسا : هل يمكن الحديث عن هزيمة للتج


.. فرنسا : من سيحكم وكيف ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. سائل غامض أخضر اللون ينتشر على أرضية مطار بأمريكا.. ما هو وم


.. فشل نظام الإنذار العسكري.. فضيحة تهز أركان الأمن الإسرائيلي




.. مقتل وإصابة العشرات من جراء قصف روسي على عدة مدن أوكرانية عل