الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوكلاء الحصريون لله على الكوكب

عادل صوما

2021 / 10 / 15
المجتمع المدني


في سنة 1921 خلعت هدى شعراوي (الناشطة الاجتماعية المصرية) النقاب العثمنلي (وهو عكس النقاب الأفغاني الرائج اليوم) ووضعت فوق رأسها غطاء الرأس المصري الأصيل، أثناء استقبال الزعيم سعد زغلول العائد من المنفى، وعندما قابلت كمال أتاتورك بعد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في اسطنبول في 18 نيسان/ إبريل 1935، كتبت في مذكراتها: "وبعد انتهاء مؤتمر استانبول وصلتنا دعوة لحضور الاحتفال الذي أقامه مصطفى كمال أتاتورك محرر تركيا الحديثة"... إلى أن كتبت " قلت (لأتاتورك): إن هذا المثل الأعلى من تركيا الشقيقة الكبرى للبلاد الإسلامية شجع كل بلاد الشرق على محاولة التحرر والمطالبة بحقوق المرأة، وقلتُ: إذا كان الأتراك قد اعتبروك عن جدارة أباهم وأسموك أتاتورك فأنا أقول إن هذا لا يكفي بل أنت بالنسبة لنا "أتاشرق".
اعتبرت هدى شعراوي في مذكراتها أتاتورك كمحرر لتركيا لكن ليس من الاستعمار، بل من عبادة الماضي، ومن قيود العصور الوسطى وظلاميتها، ومن وهم الخلافة الإسلامية، النظام الذي فشل في زمانه ويستحيل أن يصلح في عصور الدول، وأطلقت عليه "أتاشرق" وتعني بالتركية أبو الشرق.
تلفيقات الماضي
كانت هذه الأمور وغيرها كانت ارهاصات عصر التنوير في مصر، لكن سرعان ما بدأ عمل التيار الذي يرى في عبادة التاريخ نقاءً، رغم سيوفه وبربريته وأكاذيبه، وفي تسييس العبادة وسيلة للحكم، وبدأنا نسمع من مصر نفسها أخباراً لا تمت للقرن الواحد والعشرين بأية صلة أو إيمان من قريب أو بعيد، خصوصاً في مسألة التحرش بالمرأة.
عبر البحار
بشكل عام، إذا بحثنا في القرآن أو السنّة لن نجد ما يبرر التحرش بامرأة لا ترتدي الحجاب، ولن نجد الحث على الاعتداء على امرأة ولمس أعضاءها الأنثوية في حماية مجموعة بلطجية يحاصرون رجلا مؤمناً ليحموه وهو يهين ويضرب امرأة سافرة، أو رجال مؤمنين يتحرشون بنساء سافرات وسط التهليل والتكبير وحماية مجموعة بلطجية لهم، كما يحدث في أوروبا وأطلقوا عليهCologne Taharrush ، نسبة إلى المقاطعة الألمانية "كولونيا"، التي بدأت فيها هذه الظاهرة القذرة، ولا تشير إليها وسائل الاعلام، بل مواقع رصد الإرهاب وبعض المواقع النسائية مثل Femen التي أطلقت عليها Taharrush Gamea؛ تحرش جماعي، ناهيك عن التعرض للمواطنات الأوروبيات بالسكاكين لأنهن لا يرتدين الحجاب أو لأنهن غير محتشمات.
إيزيس مصطفى
أصبح التنمر من الرجل ضد المرأة ومن المرأة ضد المرأة شائعا في مصر، لكن الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تنقل ما يصل منه لحدود البلطجة، مثل الحادثة التي أثارت غضب الشارع المصري، بعد تعرض الصيدلانية إيزيس مصطفى للتنمر والضرب المبرّح من قبل موظفتين تعملان معها في مقر الوحدة الصحية في قرية كفر عطا الله التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية عقاباً لها على عدم ارتدائها الحجاب. لم تكتف الموظفتان المؤمنتان بضرب إيزيس بل سحلتاها على الارض بجذبها من شعرها وليس يديها.
كما كشفت التحريات وأقوال شهود العيان، أن إيزيس مصطفى تعرضت من قبل لتنمر الموظفات اللائي تعمدن إيذاءها، ومنعوها من التوقيع في دفاتر الحضور والانصراف، لخلق حجة لطردها من العمل بسبب الغياب، حتى تطور الأمر بوقوع اشتباكات ومشادات بينهن، انتهت بضربها ضرباً مبرّحَاً وسحلها، كأنها سبية مشاكسة في عصور ماضية ترفض مضاجعة المنتصرين لها. والضرب والسحل فعلان يتخطيان التنمر ويصلان إلى حدود البلطجة.
في ردة فعل سريعة قرر ممدوح غراب، محافظ الشرقية دعوة إيزيس مصطفى لتقديم اعتذار لها، كما أمر بفتح تحقيق موسع حول الواقعة واتخاذ كافة الإجراءات القانونية، التي يجب أن تنتهي بطرد الموظفتين المؤمنتين من العمل لأنهما اعتديتا لفظياً وجسدياً بالبلطجة على موظفة حكومية أثناء تأدية عملها بالضرب والسب والسحل كأي بلطجيتين رخيصتين مأجورتين في حارة موبوءة داخل حي وضيع يسكنه مجرمون وقطّاع طرق وإرهابيون.
حبيبة طارق
منذ أسابيع تعرضت حبيبة طارق للتنمّر، وهي طالبة بالفرقة الثانية بكلية آداب جامعة طنطا، فقد سخر مراقبون مؤمنون منها بسبب فستانها (المحتشم) بعد خروجها من لجنة الامتحانات. سخروا منها مرتين، مرة بسبب فستانها ومرة بسبب تركها الحجاب.
وكانت بداية السخرية والتنمّر اللفظي حين بدأ مراقب امتحان غرفتها ينظر لها ولفستانها بعد استلامها بطاقة دخول الامتحان، ووجه لها سؤالا حول ديانتها إن كانت مسلمة أو مسيحية، باعتبار ان المسيحيات وبعض الفنانات فقط لسن محجبات في مصر، ولا يُعقل أن تكون حبيبة فنانة.
ثم لحقت بها اثنتان من المراقِبات بعد خروجها من الامتحان وتنمّرن عليها، وظلتا تتحدثان عن فستانها. وعندما لم تعرهما حبيبة أي انتباه، استوقفتاها واقتربتا منها وسخرتا منها بالقول للنساء القريبات منهن: "تعالي شوفي لابسة أيه"، ثم سألتها إحدى المؤمنتين: إنت نسيتي تلبسي بنطلونك؟ إنت مسلمة ولا مسيحية؟".
وعندما أنقذ المليونير المصري نجيب ساويرس حبيبة طارق من ورطتها وتكفل مالياً بدراستها في جامعة خاصة، بعد رسوبها بسبب فستانها وليس اجاباتها في الامتحانات، هاجمه غوغاء على هذا العمل عوضاً عن شكره، وردّ ساويرس بقوله "أنا حُرّ في مالي". "وصلنا لمستوى من التنمر لا يطاق. كل واحد عامل نفسه رقيب على الفضيلة والحريات.. كل واحد يخليه في نفسه وربنا في الآخر هو اللي بيحاسب.. أنا محبش مدعي الفضيلة".
نافلة القول
أليس غريباً في زمن الاخلاقيات الذي يعيشه الملتحون والمحجبات أن تقول نجمة البرونوغرافيك اللبنانية ميا خليفة وغيرها من عربيات الأصل في الصناعة نفسها أن معظم مشاهديهن من الشرق الأوسط؟
ليقل الملتحون والمحجبات ما شاءوا من تبريرات عن هذه النسبة الحسابية التي رصدتها مواقعهن إلكترونيا ولا تجدي معها الترقيعات أو التفاسير، وتكشف عن مرض مستفحل متأصل في جيناتهم، هم أعلم به من غيرهم.
وليقولوا ما شاءوا عن التديّن الطقوسي الذي يُمارس، فما يقولوا علمياً مجرد تمسك ظاهري بأعراف صحراوية عمرها أكثر من أربعة عشر قرناً، لكن المفترض على الحكومات الحديثة حماية مواطنيها، فقد انتهى زمن أعراف القصاص الفردي والأبوي والعائلي والقبلي والديني بعد ظهور شرعة حقوق الانسان، وحلول الدولة محل الأب والعائلة وشيخ القبيلة والفقيه في معاقبة المسيء والمجرم.
ثم أن من يجعل نفسه وكيلا عن الله، يتخطى حدوده ويعاقب عوضاً عن ربه أولا، وعن رجال القانون ثانياً. ومشكلة هذا الوكيل تكمن في استلهامه فكرة العقاب من أعراف وأدبيات، سجنته وشوهت تفكيره ولم تتح له الترقي إلى مستوى شرعة حقوق الانسان التي أفرزت على سبيل المثال الصفوف الدراسية للسجناء، ليجدوا ما يرتزقوا به بعد الإفراج عنهم، والصفوف الاجتماعية للطالب المتنمّر، لكي تنوّره وتبصّره بأدبيات المعاشرة الإنسانية، بدون التهديد بحرقه أو سلخ جلده أو ضربه بالسياط في حياة أخرى غير مؤكدة.
يجب على الدول ردع أعراف القصاص الفردي، حتى لا يتحول العقاب إلى فوضى يمارسها أي فرد بصفته قوّام الآخرين، لأنه صاحب لحية أو امرأة محجبة، لم يقرأا في حياتهما أي كتاب أو أحاديث، بل سمعا كذا وكذا مِن مَنْ يريدون حكم الناس بصفتهم الوكلاء الوحيدين لله على الكوكب، ولديهم حساسية مفرطة وعداء متأصل ضد العلم والحداثة والفن ومنتجات الحضارات المختلفة ومنها الأزياء وحقوق الانسان والدولة الحديثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقيقه الامر
على سالم ( 2021 / 10 / 16 - 03:18 )
من الواضح ان مصر بلد مريضه ومتخلفه وداعشيه , لايوجد حل فى المنظور القريب بسبب ان العقليات متحجره متخلفه جاهله وغبيه وتتوارث عادات اسلاميه صحراويه متخلفه على مر الاعوام و لذلك الصوره تبدو قاتمه وبائسه