الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقليات متناوئة من بيئة واحدة

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2021 / 10 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بداية إذا اسثنينا الإنتهازيين الذين يغيرون مواقفهم أو حتى قناعاتهم وفقآ لما تمليه عليهم مصالحهم الشخصية ، فإن ما يحكم تفاعل شخصين تربيا تقريبآ في نفس البيئة الثقافية والإجتماعية والفكرية والمادية (سواء أكان المقصود بهذه البيئة بمعنى الخلفية والمستوى الاجتماعي والثقافي والمادي أو المجتنع ككل كقرية أو كمدينة أو كدولة ) ، بحيث يصبح أحدهما دوجمائي متعصب لهذه البيئة بمكوناتها وآخر ناقد لهذه البيئة وكينونتها ، إنما هي عدة أمور تحكم هذه المعادلة الغريبة .

أولآ : وهو نوعية البيئة المحيطة (سواء أكانت الجماعة الأولية اللصيقة كالأسرة والجيرة أم جماعة ثانوية تتعلق بالمجتمع ومؤسساته ) التي يعيش فيها هذا الفرد أو ذاك ومدى سيطرتها وتحكمها على ضمير هذا الشخص ومدى تجذرها في المُعاش الاجتماعي والنفسي وتحلقها بشكل لولبي عبر مراحل الأسرة والتعليم والعمل وسيطرتها على عقله وكينونته ومعيشته .

بل ومدى السيطرة التي يمارسها هذا المجتمع على فرص هذا الشخص في الترقي المادي والإجتماعي وأمانه الشخصي وفقآ لمدى التزامه بالمكونات والآليات الثقافية والفكرية المعنونة لهذا المجتمع والواصفة له .

ثانيآ : كذلك فان العقليتين الدوجمائية المتحفظة أو النقدية المتطورة تتفاعلان طرديآ حضورآ وغيابآ وفقآ لمدى تواجد وتوافر مساحات من الإنفكاك والتشظي بين مكونات الجماعات الأولية من جانب والثانوية التي يعيش فيها الفرد من جانب آخر بما قد يسمح بأفكار جديدة وجودآ وابداعآ مع امكانيات الوصول اليها أو لا يسمح بتنوع فكري أو يعدم الجديد الفكري ويُنشأ حالة من السقم والتكرار الفكري ، وذلك في حالة التماهي او الإنصياع لخطاب ثقافي موحد كما في المجتمعات المنغلقة أو شديدة الإنغلاق حيث تتعاون مؤسسات المجتمع من حكومة ودور عبادة ووسائل إعلام وأسرة وجيران على النسج على منوال واحد ، مرضعة للفرد منهاجآ واحدآ أو يكاد كذلك غير متغير في عناوينه ومواضيعه وأساسياته .

ثالثآ: مدى إنكشاف الفرد على الصدمة أو التفاعل الحضاري أو التعامل مع الأجانب وأصحاب الرؤى المختلفة من أبناء نفس المجتنع وقدرته الخاصة على التفاعل والتعامل مع كل ذلك أو بعضه وفقآ لدرجة انكشافه وخبراته الحياتية وشدة حدة هذه المتغيرات وأثرها عليه وتأثره ايجابآ أو سلبآ .

رابعآ : العامل النفسي وهو ما يتعلق بالأثر النفسي الذي تحفره البيئة الحالية وتشكل المٍعين الذكرياتي المنصرف إلى الإشتراط الاستجابي لحالة هذه البيئة وارتباطها لدى هذا الفرد أو ذاك بالراحة والسعادة والنجاح اللائي يريد استمرارهن أم ارتباط بحالات من الألم والحزن والفشل اللائي يريد عنها الرحيل شكلآ ومضمونآ .

بمعنى آخر هو إمكانية تشكل رغبة في الإنفكاك من القولبة القديمة أوالإلتحاق بالحديثة بناء على مصلحة ذاتية أو انتقامآ من أشخاص سبق وأساءوا لهذا الفرد وكانوا مشبعين بالمخزون الثقافي القديم أو رفضآ لوضع قديم لم يحقق فيه ذاته أو لم يلبي طموحاته ، أو اختيارآ للوضع الحالي آثرآ للسلامة ومبقيآ على نجاحه أو على الأقل تخوفآ من آت مجهول غير معتاد عليه .

خامسآ : تشكل كلآ من القدرات المادية واللغوية والاضطلاع الثقافي الراقي المتنوع (بعيدآ عن الإكتفاء بمكتبات التراث وتقديسها ) روافد أساسية في تغذية القبول بالآخر و نفض الدوجما العقلية ونقد السائد وفحص الحال الراهن واخضاعه لأدوات المنهج العقلي البحثي التحليلي لاستشراف مستقبل يتجاوز الماضي ويبني مجتمعآ أكثر قربآ من لحظته الراهنة لا مسكونآ بالماضي وتائهآ في الحاضر وفاقدآ لمستقبل .

سادسآ : من المؤكد أن حاملي العقليات النقدية التحليلية والسعي للتطوير وبناء حاضر متصالح مع مستقبله وداعم له هم من يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء تفوق تلك التي تركن للتقليد واعادة انتاج الماضي والمكوث في خيامه .

فلا شك أن ادراك مثالب الماضي والسعي الى التجديد وعلاج أمراض الحاضر الموروثة من العبودية العمياء للماضي الى درجة تحويل مثالبه في بعض الأحيان وكثيرها لمناقب ، لا شك أنه لعمل ذلك إنما يتطلب عقليات ذكية وواعية ، والمثبت علميآ أن الجينات والتي تختلف من إنسان لآخر لها دور هام وان لم يكن احتكاريآ لمسألة الذكاء والتمتع بالذهن المتقد الى جانب البيئة والثقافة والخبرات طبعآ .

سابعآ : سلطة الخوف ، فحقيقة أنه إذا تحول التغيير المطلوب تحقيقه الى المجال الديني في إطار التخلص من موجود تراثي مخاصم للمنطق والحاضر والمستقبل ، فإن أبناء المجتمع الواحد سينقسمون الى فريقين تحت سطوة الخوف نتيجة أن كثيرآ من المؤسسات الدينية ومسؤولوها سيقفون بالمرصاد لمثل هذا التغيير الذي يضر بمصالحهم ومكانتهم وبمكتسباتهم الذاتية والموروثة عن سابقيهم بالسطوة على عقول الناس بل وأموالهم .

وستكون حربآ شعواء يستخدمون فيها كل أسلحتهم وعلى رأسها سلاح الخوف من العقاب الإلهي الذين هم بسياساتهم وأساليبهم يحتكرون تحديد من سيقع تحت مقصلته ومن سينجو ويفوز بالنعيم الأبدي ، فيسعون لإبقاء المجتمع على تخلفه عن الفهم الديني السليم والإيمان الخاطئ بمفاهيم دينية كثيرة كالقضاء والقدر والحكم والسلطة ، لتبرير احتكار السلطة وتوارثها جماعة أو عائلة وقبول سوء توزيع الثروة والبقاء في الفقر والرضا بالدنية من العيش وضعف للأجور والمرتبات لصالح قلة تزداد سلطة وغنى ومنعة وثروة .

فيتم تجييش غالبية أصحاب المال والإعلام والنفوذ لتجييش جماهير من الدهماء والسذج والبسطاء والفقراء والجهلاء لمقاومة التغيير والقضاء على أصحاب راياته وعازفي أنغامه وتكفيرهم ولعن من يجاورهم ويعينهم .

حتى نجد أن غالبية الشعب والبسطاء أنفسهم الذين يُنادى بالتغيير من أجلهم هم أول من ينذرون أنفسهم لمحاربة هذا التغيير حتى يصل الأمر ببعضهم أو أكثرهم إلى الغوص في بئر قناعة الإعتقاد أنهم في مهمة جهاد مقدس ضد الهؤلاء من منشدي التغيير فيخرجون عليهم حاملي حناجر الوعيد وخناجر الطعن والتقتيل حتى تكف معازف التغيير حتى عن الكلام المباح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل