الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحتسبون … ولعبةُ الخروجِ من الكوكب

فاطمة ناعوت

2021 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عزيزي القارئ، تعال نلعبُ لعبةً لطيفة، اعتدتُ أن ألعبها مع نفسي للحكم على الأمور بموضوعية، إذا استعصى عليّ فهمُ شيء عجيب. سنركبُ، أنت وأنا، مركبة فضاء ونسافر خارج الكوكب. ثم نقومُ بعملية مسح كامل للذاكرة، حتى نمحو جميعَ تجاربنا الأرضية السابقة، مع الإبقاء على "جوهر المنطق والتحليل"، لأنه الوظيفة الأساسية للمخ البشري، وأيضًا نستبقي معارفَ اللغة والقراءة. في كلمات أخرى سنكون، أنت وأنا، شخصين ناضجين عاقلين ذكيين مثقفين، ولكن دون خبرات أرضية مخزّنة في الذاكرة، كأننا آتيان من كوكب بعيد. بعد هذا نركب المركبة الفضائية ونعود إلى كوكب الأرض، ثم ندخل مصر العريقة الجميلة، ونفتح هواتفنا. اقرأ معي هذه الأخبار الطريفة أيها الكائن الجديد:
“سيدة تتنمّر على فتاة جامعية لأنها ترتدي فستانا!”، "سيدات يعتدين بالضرب على طبيبة صيدلانية لأن شعرها مكشوف!”، "سيدة تقصُّ ضفيرة طفلة في المترو لأن الضفيرة جميلة منسدلة على كتفها!” ماذا سيحدث لنا بعد قراءة هذه الطرائف؟ أغلبُ الظنّ سننظر إلى بعضنا البعض، ولا نفهم شيئًا. ثم نستوقف أي عابر سبيل من ذوي الخبرات الأرضية، ونسأله عن معنى ما قرأنا. ويظل يشرح لنا، ولا نفهم. ويحكي لنا من خبراته، وتزداد دهشتنا ونرفض التصديق. سيحكي لنا عن فظائع داعش وبوكوحرام وطالبان مع النساء في بلاد مُبتلاة بالويل، وترفضُ عقوُلنا التصديق، فتنفجر رؤوسُنا من هول ما نسمع. بعد ذلك يدور بيننا هذا الحوار:
أنت: أخبرنا الرجلُ ذو الخبرات الأرضية أن المتنمرات اللواتي سخروا من فتاة الفستان، والنساءَ اللواتي ضربن الصيدلانية غير المحجبة، والسيدةَ التي قصَّت جديلةَ الطفلة، فعلن هذا بوازع ديني. صحيح؟
أنا: صحيح.
أنت: طيب، أليس في "القرآن الكريم"، آياتٌ تقول: “وكلُّ إنسانٍ ألزمناه طائرَه في عنقِه"، "كلُّ نفس بما كسبتْ رهينة"، "ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى"؟
أنا: نعم. دون شك.
أنت: إذن، كل إنسانٍ مسؤولٌ أمام الله عما صنع. فكيف ولماذا يتدخل أحدٌ في شأن أحد، وقد أمرهم اللهُ أن يلتزم كلُّ إنسان بنفسه وعمله لأنه تعالى لن يُحاسب أحدًا عن أحد؟! كيف يكون الوازعُ دينيا بينما الدين لم يقل هذا؟!
أنا: هم كاذبون. فهذا ليس من الدين في شيء. بل لونٌ من دسّ الأنف فيما لا يخصُّ ذاك الأنف. وفي رأيي الخاص أن تلك الممارسات المشينة محاولة يائسة لرأب صدوع النفس. إكمالُ النقصِ بالانتقاص، والتطهّرُ بالتدنيس.
أنت: ماذا تقصدين بإكمال النقص بالانتقاص، والتطهر بالتدنيس؟
أنا: يعني شخصٌ ما إيمانُه بالله فقير، فيُكمِلُ ما نقُص من إيمانه بالانتقاص من إيمان الآخرين. يرتكب الفواحش والآثام، ويشعر بتأنيب الضمير الدائم جراء ذلك. ولكنه بدلا من التوبة والكفّ عن ارتكاب الخطايا، يلجأ إلى الحلّ الأسهل، وهو رمي الناس بالتُهم، وإهانتهم وضربهم وربما قتلهم، ثم يزعم لنفسه وللناس بأنه يدافع عن الدين! ذلك السلوك المريض يصنع له شيئا الرضا عن النفس وإراحة الضمير المعذَّب. لأنه يظن أنه "بتدنيس" الآخرين "يتطهّر" من دنسه ويبرأ من آثامه؛ فيرضى عنه الله.
أنت: ولكن كيف يرضى عنه اللهُ وهو يؤذي الناس؟!
أنا: هو "يظن" ذلك. ولكن بالعكس، هو يرتكب مزيدًا من الآثام ويُغضب الَله لأنه خالف أمرًا واضحًا بالكفّ عن الأذى. اللهُ "عدلٌ" وهو تعالى الأوحد الذي يحاسبُ كلًّا بما صنع.
***
انتهت اللعبةُ عزيزي القارئ وعادت لنا خبراتُنا الأرضية وعادت سحابةُ الحزن تُخيّم على عقولنا بما نشاهد من سلوكات لا يقبلها دينٌ ولا منطقٌ ولا أخلاقٌ ولا قانون. والخلاصةُ أن ممارسات "البلطجة" ضد النساء لن تنتهي، ما لم يُطبق القانونُ بحسم، ويُضرب بيد من حديد على مرتكبيها. لسنا في حاجة إلى السفر خارج الكوكب للشعور بالدهشة لمثل تلك الأخبار المؤسفة، فالعالمُ يقرأ مآسينا ويضحكُ علينا.
مصرُ اليوم في "الجمهورية الجديدة" تعلو وتتقدم وتقفز نحو التنمية والإعمار والتنوير في وثباتٍ رائعة تجعلُ الدنيا تنظرُ لنا بعين الإعجاب بما حققه الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في سبع سنوات فقط، مما لم نكن نحلمُ بحدوثه في خمسين عامًا. فكيف نسمح لبعض المأفونين الخارجين عن القانون بأن يفسدوا هذا البناء الجميل بما يرتكبون من مَخازٍ تجعلنا نخجل؟! أرجو تفعيل "قانون مكافحة البلطجة" وتطبيقه على الجميع، لأن مَن أمِن العقابَ أساء الأدب. “الدينُ لله والوطن لمن يحترمُ أبناءَ الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انا اقول عنك يافاطمه انت حكيمه وحاملة مشعل التنوير
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 10 / 18 - 20:47 )
ولكن كما يقول العراقيون -اجن اجن-اي خطوه خطوه-خاصة وقد ظهر -بعد 100 عام من الحنقبازيات الثوريه ودكتاتورية البروليتاريا-التي ذبحت الملايين- بعد ان عجزت عن تنويرهم-فصارت اليوم الحكيمه فاطمه تبداء درس التنوير من الالفباء-لان الملايين العريضه في مستنقع عميق من الجهالة ولايمكن اثعافهم بنور التنوير بالقصائد الثورية والشعارات الطنانه فصارت الحكيمه فاطمه تتفاهم مع الملايين ببساطه وبكلمات سهله-دون اعلان الحرب-الثورية الجاهلية على السلطه-وهو داءب الذين جعلونا نخسر ال100سنة الاخيره-التي كانت حبلى باعظم الخير للبشرية كلها ولكن شيزوفرينية دعاة الثوره والحلول الثورية -الجذرية-في واقعنا البائس بعد 600سنه من التجهيل العثماني ودروشته اضافت لبؤسنا احمالا حتى صرنا نحن لما قبل 60سنه وماقبل 70سنه لان مجتمعاتنا في تراجع للاسف الشديد بسبب المزايدات-الثورية الجذرية التي ليس فيها مكان لتعليم الناس الفباء الحياة الرشيده
يااستاذه فاطمه عندي لك سؤال-ارجوك الجواب والا سازعل بجد=لماذا العديد من مدعي الثقافه يكرهك بل يعتبرونك عدوا او اداة للعدو -ارجوك-انا لا اشك بنبلك ولكن لااعرف سر عداوة هؤلاء لك -تحياتي واحتراما

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24