الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل الغربيون في فهم التطرف الاسلاموي ؟

حميد زناز

2021 / 10 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعود صعود الإرهاب في الغرب في جزء كبير منه إلى عدم القدرة على فهم الغربيين للظاهرة. إن استحضار المفكرين والسياسيين الغربيين لمقولات مثل حقوق الإنسان والعلمانية والحرية الدينية ، فضلاً عن اعتبار الإرهابيين مرضى نفسيين ، كل هذا أدى إلى ظهور رؤية ضبابية وشبه متسامحة مع الإرهاب الاسلاموي. لقد ساهمت هذه النظرة الغامضة و المتذبذة في تشجيع الأعمال الإرهابية. مرعب هذا التسامح من الغرب تجاه هؤلاء البرابرة الجدد الذين لا هدف لهم سوى تدميره !
أمام ظاهرة الإرهاب الإسلاموي ، يواجه الغربيون أزمة نظرية ، بل عطالة معرفية، لدرجة أن سبّب هذا الارهاب انشقاقات وسوء فهم داخل مراكز البحث وبين الباحثين والسياسيين. وكأن الافعال الارهابية الجهادية قد فاجأت هؤلاء الحالمين ، في حين أن الأمر كان واضحًا تمامًا منذ البداية بالنسبة للذين لم تخدعهم التحليلات المواربة والأطروحات الديماغوجية والساذجة التي اقترحها المستشرقون الجدد مثل جيل كيبيل وأوليفييه روي وفرانسوا بورغا وغيرهم.
على الرغم من كل الهجمات والاغتيالات الاعتداءات المتكررة ، فإن قلة فقط من المعلقين و المحليين قد فهمت أن التعصب الإسلاموي يؤدي حتماً إلى العنف الإرهابي. و ربما يعود ذلك العجز الى عوامل ثقافية تقف حاجزا امام القدرة على تصور عمل إرهابي تحت يافطة الدين بالنسبة لكثير من الاوروبيين. و رغم كل ذلك، لقد فهم البعض المسألة جيدًا منذ البداية ، لكنهم فضلوا الانخراط في الخطاب المهادن السائد حفاظًا على مصالحهم الشخصية و تجنبا لشر اليسار المتطرف المتربص الشاهر لتهم العنصرية و الاسلاموفوبيا و التحريض على العنف في وجه كل من تسوّل له نفسه الأمارة بالعلمانية و قيم الجمهورية و كل من يفضح تلك الروحانية القاتلة الوافدة. كثير من المؤلفين والباحثين الذي يكثرون من النشر حول مسألة الإسلام السياسي مصابون بالعمى و يضببون رؤية من يقرأ ما ينشرون . إنهم لا يجرؤون على طرح المشاكل الحقيقية ، بل يفضلون المراوغة كما يفعل اوليفييه روا حينما يعتبر هؤلاء الإرهابيين الإسلاميين عدميين جدد مقارنة بالعدميين في الستينيات من القرن الماضي و اعتبار الامر مجرد أسلمة للتطرف وليس تطرفا إسلاميا !
في المانيا ، يبدو أن الامر قد حسم إذ ليس لدى السياسيين الألمان الذين يتعاونون مع الـــ 850 مسجدًا على اراضيهم أي فكرة عما يقال فيها. هذه المساجد لا تفعل شيئا من أجل إدماج المهاجرين فحسب بل تكافح كل يوم ضد أي شكل من أشكال الاندماج. الخطاب الديني الرئيسي للأئمة في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا أو في أي مكان آخر هو تحذير و تنفير المؤمنين المسلمين من أسلوب الحياة في الغرب.
لا يزال الغربيون في اغلبهم يعتبرون الأصولية مرض الإسلام، ويحلمون بمعالجة تشدّد المتطرفين وإعادتهم إلى الطريق المستقيم من خلال تقديم نسخة الإسلام الحقيقي هم. لكن هل يوجد إسلام حقيقي ؟
تتكاثر الجمعيات من أجل هذا العلاج المزعوم للمتطرفين و تحوم حول هذه التجارة المربحة و هي الجمعيات نفسها التي ساهمت بطريقة أو بأخرى في جعل الشباب من أصل إسلامي يكره الغرب وقيمه.

إن عدم القدرة على رؤية الأسلمة القادمة لم يقتصر على الباحثين و المثقفين و الاعلاميين ، بل امتد حتى إلى السياسيين. فوزير الداخلية الفرنسي السابق جيرار كولومب الذي من المفترض أن يحمي المواطنين الفرنسيين لا يعرف أعداءهم ولا دوافعهم أو لا يريد أن يشير إلي ذلك ! كيف يمكن أن يغيب عنه أن هؤلاء القتلة هم مقاتلون من أجل قضية وأن هدفهم سياسي - لاهوتي واضح: إقامة دولة إسلامية في جميع أنحاء العالم !
بعد مرور عشرين عاما على اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ، ألم يحن الوقت للتخلي عن التشخيص البسيكولوجي ، عن ايديولوجيا التحليل النفسي التي تبرر الشيء ونقيضه؟ الإرهاب ليس مرضا نفسيا يمكن علاجه تحليليا أو اكلينيكيا ، ورغم أنه انحراف ، إلا أنه ليس مرضا عقليا بالمعنى الصحيح للكلمة. الإرهابي لديه بنية ذهنية معينة ، وتكوين نفسي محدد ، وتصور لاهوتي للحياة ، ومن هنا تأتي صعوبة تصور علاج لهؤلاء الأفراد ، لأنه من الصعب تغيير نظرة الشخص الذي تم إيديولوجيته بدقة. هل كان النازيون مرضى أم مجرد مذنبين مثلا؟

الخطأ الفادح الذي ارتُكِب و يرتكب في فرنسا وفي جميع أنحاء الغرب هو عدم رؤية أو عدم الرغبة في رؤية الصلة الجوهرية بين الإسلام السياسي الذي يؤدلج في المساجد و المراكز الاسلامية والإرهاب الإسلامي الذي يترك القتلى في الشوارع و الكنائس.
الإرهابي ليس مجنوناً كما يعتقد كثير من الساذجين والسياسيين ، فهو مسؤول عن أفعاله الهمجية ويجب اعتباره عدواً للإنسانية والحضارة ، لأن عدم القدرة على فهم العدو وتسميته سيطيل من عمره و خطره. لا يمكننا محاربة عدو إذا لم نؤمن بأنه عدو. لقد حذرنا ألبير كامو: "إن تسمية الأشياء بشكل سيئ يزيد من تعاسة العالم" لم ينصت اليه لا السياسيون و لا المثقفون و لا الإعلاميون في الغرب.


اذا كان صحيحًا أن الغربيين قد تحرروا من هيمنة الدين ولاعقلانيته منذ قرنين على الأقل ، وأن نظرة جديدة للدين في فضاءهم العلماني قد أثبتت وجودها في أذهانهم وواقعهم ، فهم غالبًا ما يبتعدون عن الحقيقة عندما يعممون نظرتهم تلك على جميع الثقافات والأديان.

إذا وسعنا التسامح اللامحدود إلى المتعصبين ، وإذا لم نكن مستعدين للدفاع عن مجتمع متسامح ضد تأثير غير المتسامحين ، كما قال الفيلسوف كارل بوبر ، فسننتهي بتدمير المتسامح والتسامح معا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فشل الغربيون في فهم اللعبة
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 23 - 06:41 )
تشخيص دقيق ووافي تستحق هذه المقالة ان تدّرس لطلاب الجامعات الغربية لعلهم يعقلون . عندما فصل العلمانيون الغربيون الدين عن الدولة ، بدأ الدين المسيحي التأقلم مع الواقع العلماني اعتمادا على مبدأ إن لم تتمكن قوة النصوص الدينية حماية نفسها من الأندثار دون الأعتماد على سلطة الحكم فهي نصوص لا تستحق للعبادة بها ، فالنصوص الدينية التي تعتمد ديمومتها على سلطة الحكم هي نصوص هشة تحتاج الى سلطة الحكم لمساندتها ، وهذا التخوف جعل الإسلاميون يطعنون في النظام العلماني وتشويهه ، فالإسلاميون لا يوجد لهم حل غير أسلمة سلطة الحكم لغرض فرض النصوص الدينية بالقوة . الغربيون يعتقدون انه بالأمكان تدجين اي دين بإخضاعه للنظام العلماني وهم يجهلون أن الإسلام قائم على اساس دين ودولة ، وإن ظلّ الغربيون بهذا الغباء فالنصر حتما سيكون لأسلمة الدول الأوربية بإستخدام واستغلال صناديق الأنتخابات الديمقراطية ومن ثم تبديل الدستور والقضاء على النظام العلماني وسيعاد كتابة تاريخ هذه الدول من جديد وستنسب حضاراتهم كالعادة للإسلام ، تحياتي استاذ حميد زناز


2 - لم يفشلوا
جلال عبد الحق ( 2021 / 10 / 23 - 11:44 )
الدول الاستعمارية لم تفشل في فهم التطرف الاسلامي بل هم الذين قاموا بصنع الحركات الاسلامية المتطرفة والحركات التي فاتهم صنعها قاموا بتغذيتها وعلى سبيل المثال
بريطانيا صنعت حركة الاخوان المسلمين وقامت برعايتها ودعمها منذ البدايات الاولى لابد ان تعرف أن
الدول الاستعمارية احتضنت وتحتضن الحركات الاصولية بشتى توجهاتها وقامت برعايتها جماعات وافرادا وتولت توظيف الاصوليات الاسلامية خير توظيف لحماية مصالحها وتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية بعيدة المدى
اطمئن يا حميد زناز انهم ليسوا بهذا الغباء الذي يتصوره مخيالك الليبرالي لقد
انشئوا في المجر وبعض اقطار اوروبا الشرقية المراكز الاستخبارية لتدريب افراد هذه الاصوليات الاجرامية واعادة توزيعها وتمركزها في اقطار الشرق وانفقوا ومازالوا ينفقون المليارات عليهم
القاعدة وداعش سابقا والان الجديد على الشاشة مايسمى تنظيم الدولة الخراسانية
لا تقلق على مستقبل المجتمعات الغربية الراسمالية
كيف فاتك ياصاح ان جرحى الحركات الاصولية الارهابية ينقلون فورا للعلاج والتداوي الى - اسرائيل
كل شيء مرسوم بدقة وتنظيم ولا عزاء لمثقفي النيوليبرالية
مع تحياتي وكن بخير يازناز


3 - بل فشلوا وسيفشلون
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 24 - 04:41 )
صحيح ان بعض الدول الغربية صنعت وموّلت الحركات الأصولية والاخوان المسلمين وايضا سكتت عن انتشار الفكر الوهابي ، ولكن ليس كل ما يصنع في مختبرات المخابرات لهذه الدول يمكن السيطرة عليه الى الأبد ، فحتى المفاعل النووي في تشرنوبل عام 1986 تسرب منه الإشعاع رغم السيطرة التكنلوجية المتقدمة ، كما نلاحظ ايضا كيف تسرّب فايروس كورونا من المختبر وأخذ يطور نفسه واصبح خارج السيطرة ، وإن كانت الدول الغربية تسيطر اليوم على حركات الفكر الإرهابي ، بالمقابل يقوم اصحاب هذا الفكر بتطوير منهجهم وباتوا يخترقون هذه الدول عن طريق إستثمار النظام الديمقراطي للفوز في المقاعد البرلمانية ، فالدول الغربية التي صنعت وموّلت الحركات الإرهابية سيأتي يوم لا تستطيع احتواء الموقف لأن غباءها وصل لحد اعطاء الجنسية للأرهابيين التي تؤهلهم حق الإنتخابات ، فالماء يجري الآن تحت السياسيين لتلك الدول وهم مشغولون بكسب اصوات الناخبين من المهاجرين ، تحياتي للجميع


4 - الموضوع ببساطة له رائحة البترول
احمد علي الجندي ( 2021 / 12 / 21 - 00:54 )
كشخص متعمق بالطوائف الاسلامية بشكل عام
استطيع ان اقول
ان معظم العمليات الارهابية اذا لم يكن جميعها ذات منشأ سلفي وهابي
نعم قد يقوم الشيعي او الاشعري بجريمة
ولكنها تكون شخصية
ولا تكون بشكل منظم كما يحدث من تفجيرات وغيرها
اما سبب انتشار الفكر السلفي الوهابي
فهذا يعود للبترول السعودي
احب ان انبه هنا ان السعودية دفعت اكثر من 150 مليار لنشر الفكر السلفي الوهابي
ولكن على مين ؟
هل على المسيحين ؟
ام اليهود ؟
ام المسلمين !!!
وهؤلاء المسلمين عندما تسقط اوطانهم بسبب الحروب الاهلية والتي في بعض الاوقات تشجع القوى الوهابية عليها مثل ما حدث في سوريا من قبل الطريفي والعريفي في السعودية
و
محمد حسان في مصر
هؤلاء المسلمين المهاجرين الى الغرب
الى اوروبا
بماذا يؤمنون ؟
اكيد يؤمنون بفتاوى ابن باز وابن عثيمين عن ضرورة محاربة الغرب وان المرحلة الحالية مرحلة مؤقتة وليست الا وقت قصير حتى يعود عصر الغزوات !!
يعني شو بتتوقعوا


5 - عبد الفادي كلام سليم الا في نقطة واحدة
احمد علي الجندي ( 2021 / 12 / 21 - 01:00 )
كلامك سليم الا في نقطة واحدة فقط
وهو قولك
-
بدأ الدين المسيحي التأقلم مع الواقع العلماني اعتمادا على مبدأ إن لم تتمكن قوة النصوص الدينية حماية نفسها من الأندثار دون الأعتماد على سلطة الحكم فهي نصوص لا تستحق للعبادة بها
-
من وين جبتها هاي
حتى بعد بداية انتشار العلمانية في اوروبا
بقيت المسيحية تطالب باجراء العقوبة على من ينتقد الثالوث
مثل ما حدث مع اسحاق نيوتن وصديقه وغيرهم من شخصيات
قبول المسيحية لوضعها في اوروبا ليس اختيار شخصي كما ادعيت
وانما حالة اجبارية
مثل ما يحدث الان لشيوخ السلفية الوهابية في السعودية ومثل ما يحدث للسلفين في مصر الان
فشيوخ السلفية الوهابية في السعودية الان يسكتون عن الحفلات الغنائية في السعودية وغيرها من امور
ليس ايمانا بانها حلال او ان الانسان حر او ان العقاب يوم القيامة وانما فقط خوفا من السجن وقد سجن قبلهم الكثير مثل الطريفي وغيرهم
ومثل ما يحدث وحدث لشيوخ السلفية الوهابية في مصر
لدرجة انه الان لا يستطيع اي اشيخ مصري وهابي ان يفتي بحرف واحد عن الاهرامات او لاعبين كرة القدم
كما كانوا يفعلون في الماضي
تحياتي