الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القديس أوغسطين و تأثيره على الفكر السياسي الغربي
محمد قاسم علي
كاتب و رسام
(Syd A. Dilbat)
2021 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اعترافات عن طول أناة الإله خالق الأرض و السماء معه
"كم أود أن أستند عليك ، ليتك تدخل قلبي و تسكره لعلي أنسى أسقامي و أعانقك يا خيري الذي ليس لي سواه ، من أنت بالنسبة لي؟ علمني أن أخَبر برحمتك أو أنا بالنسبة لك حتى تطلب محبتي . واذا لم أقدمها هل ستغضب مني و تهددني بضربات موجعة ، هل ستتوعدني الويلات أن لم أحبك ، آه يا ربي و الهي من أجل رحمتك ، أخبرني من أنت بالنسبة لي ، قل لنفسي خلاصك أنا لذا تحدث الي لعلي أسمعك ، هو ذا قلبي أمامك يا ربي ، أفتح أذني و قل لنفسي خلاصك أنا و بعد هذا الصوت دعني أركض و أمسك بك ، لا تخفي وجهك عني ، دعني أموت فمن الخوف سأموت ، و لكن دعني أرى وجهك فحسب ، أعترف بك رباً على السماء و الأرض و أمجدك على نشأتي و طفولتي التي لا أذكر منها شيئاً ، ولكن شاءت إرادتك أن تمنح الإنسان أن يتكهن عن نفسه الكثير إستناداً على أقوال الآخرين و يصدق الكثير عن قوة النساء المستضعفات عند إذ كنت و حيأً كنت و حتى في نهاية طفولتي كنت أبحث عن علامات عسى أن يكتشف الآخرون حقيقة ما أشعر به من أين يمكن أن يأتي كائن مثلي ، إن لم يكن منك أنت يا ربي ، أيمكن لسواك أن يدعي حق تصميمي ، أيوجد مكان آخر يمكن أن يستمد منه حياة بل ويجري فيه روح و حياة إلا من لدنك أنت يا ربي الذي فيك تصير الحياة و الروح واحداً ، لأنك أنت الجوهر الأسمى للروح و الحياة ، وا حسرتاه يا الله على خطيئة الإنسان ، هكذا يقول الإنسان و أنت تشفق عليه لأنك أنت الذي خلقته و لم تخلق خطيئته ، من يا ترى يذكرني بخطايا طفولتي ، لأنه ليس من هو طاهر في عينيك حتى الذي لم يتجاوز عمره يوماً على هذه الأرض ، أنتقلت من مرحلة الطفولة الى مرحلة الصبا ، بل بالحري هي التي جائت الي لتحل محل الطفولة ، و لكنها لم ترحل بعيداً ف إلى أين ذهبت هذا ما حدث و ليس أكثر فلم أعد طفلاً عاجزاً عن الكلام بل صبياً يتحدث ، هذا ما أتذكره ، يا رب إسمع صلاتي و لا تدع نفسي مغشياً عليها تحت و طأ تأديبك ، لا تسمح بأن تخور قواي عند إعترافي لك يا كلي الرحمة ، فبرحمتك جذبتني بعيداً عن كل طرق الرديئة ، فصرت بهجتي التي تسمو فوق كل المفاتن و المغريات التي كنت أسعى اليها من قبل ، أعني لكي أحبك بجملتي ، و أمسك بيدك ، بكل ما أتيت من أحاسيس و مشاعر ، لعلي عندما أفعل ذلك تنقذني من كل تجربتي ، الويل لكي أيتها العادة الشبابية الجارفة ، من يقف أمامك حتى متى لا تجفين الى متى تجرين أبناء حواء الى ذلك اليم الهائل الخفي الذي لا يعبره سوى المتمسكين بالصليب ، سوف أسترجع الأن حماقتي الماضية و فساد نفسي الشهوانية ، لا حباً فيها بل حباً فيك أنت يا الهي ، فمن دافع الحب الذي أحبه لك سأفعل ذلك ، سأعود بنظري الى أكثر طرقِ شراً و أكثر ذكريات مرارتاً لعل حلاوتك التي لا تنتهي أبداً تدركني ، فحلاوتك النقية ، الراسخة تجمع شتاتي التي تمزقت إرباً من جراء الإنغماس في الملذات ، عندما بعدت عنك أيها الخير الأوحد فقدت نفسي بين العديد من الأشياء ، لقد تحرقت شوقاً في شبابي للشبع من المغريات العالمية و تجاسرت أن أبتعد عنك و إزداد توقي ثانيتاً الى تلك الملذات الوهمية الى أن تشوه جمالي و صرت فاسداً في عينيك أحاول أن أبهج نفسي و أسعى لإرضاء البشر."
هكذا كتب الفيلسوف و القديس أوغسطين مستهلاً بالصلاة في مطلع كتابه "إعترافات" ، أستهله بصلاة متضرعاً الى الإله خالق السموات و الأرض سائلاً عن رحمته و عطفه المنقطعتين النظير ، بصلاة تعبر عن رقي الضمير الإنساني و سموه فوق المحسوسات الى عالم روحي مفعم بالنقاء.
لنضع أوغسطين تحت بقعة من الضوء و نراقبه من عدسة ترى الفكر و تستلهم به و تنهل منه
، في البدء ، في شمال أفريقيا و تحديداً في الجزائر (حالياً) في مدينة طاغاست ، حينذاك كانت هذه المنطقة تعرف ب مملكة نوميديا التي بالتالي كانت مقاطعة رومانية ، ولد أوغسطين لأب وثني يدعى باتريسيوس و هو أفريقي-لاتيني يقال بأنه أعتنق الديانة المسيحية و هو على فراش الموت و أم تعتنق المسيحية تدعى القديسة مونيكا و هي أمازيغية الأصل ، نشأ أوغسطين على حسب رغبة أمه بأن يكون مسيحياً ، بالفعل تبلورت نشأته حول المسيحية ، لكن نقطة التحول كانت عند ما بلغ أشده و بدأ يقرأ و يطلع على بعض الكتب الكنسية المسيحية ، أصبح لديه تحول فكري لما رآه على حد تعبيره من بعض السذاجة و السطحية في نصوص و تعاليم هذه الديانة ، مما تقرر في نفسه ترك المسيحية ، ربما لم يكن يعلم في داخل سريرته بأن التاريخ سيكتب له لاحقاً ، بوصفه أحد أبرز آباء الكنيسة المسيحية و مبجلاً لدى كل من الكنيسة الكاثوليكية و الأرثوذوكسية و البروتستانتية. بإعتباره أسقف كبير في التاريخ المسيحي. ف عام 384 تم تعيين أوغسطين أستاذاً لعلم البان في جامعة ميلانو ، الى ذلك الحين كان أوغسطين يعتنق الفكر المانوي ، لكن في مدينة ميلانو بدأ فكر أوغسطين يتحول من خلال رحلته في البحث عن معنى الحياة فبذلك أبتعد شيئاً فشيئاً عن الفكر المانوي ، حيث كان أتباع هذا الفكر يٌتَهموا بالزندقة ، يركز الفكر المانوي على عقيدة وجود مصدرين منفصلين للخير و الشر ، وذلك بأن الخير و الشر لا ينبعان من سراج واحد. في عام 386 قرر أوغسطين إعتناق المسيحية متأثراً بما قرأءه من سيرة القديس أنطونيوس الكبير ، ترك بذلك أوغسطين علم البيان و منصبه في جامعة ميلانو و تفرغ بذلك للعمل الكهنوتي ، لاحقاً سيكتب سيرته الذاتية في كتابه الشهير الاعترافات. في عام 387 قام أمبروسيوس بتعميده في ميلانو ، و بعد عام من ذلك قرر أوغسطين العودة الى شمال أفريقيا مصطحباً أمه و أبنه اللذين توفيا في طريق العودة ، بذلك أصبح أوغسطين وحيداً بلا عائلة.
تاثير أوغسطين على الفكر السياسي الغربي
في سنة 410 ميلادية بدأت حالة من الضعف تكتنف الإمبراطورية الرومانية ، حيث كانت القبائل الجيرمانية الوثنية و غيرها من القبائل البربرية في وسط و شمال أوربا تشن هجمات على الإمبراطورية مما يؤدي الى نهب و سلب و فوضى في روما ، في نفس العام أي في عام 410 للميلاد قام القوطيون الوثنيون بقيادة الاريك بنهب و الإعتداء و تخريب روما ، مما جعل الكثير من الرومانيين يحتجوا قائلين بأنه لم يضعف روما و لم يجعلها تركع و تصل الى هذا الإنحدار من الضعف إلا عندما أصبح للمسيحيون سلطة و أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي للدولة ، أي عندما كانت روما غير مسيحية كان لوضع الإمبراطورية أفضلية على ما هو عليه في ظل الدولة المسيحية التي هيمن الضعف على مفاصلها ، أي أن في ظل المسيحية تدهورت ألأحوال لما لهذا الدين من سماحة من مقولة (من ضربك على خدك الأيمن فأدر أليه خدك الأيسر) ، رأى بذلك سكان روما بأن قسطنطين الأكبرقد إرتكب خطأ عندما أقر بأن المسيحية هي الديانة الرسمةي للدولة ، مما جعل المسيحيون يحصلون على النفوذ و سلطة و تنفسوا بذلك الصعداء ، حيث آلت الأمور بأنت تصبح روما العظيمة الى ما عليه من ضعف ، حتى سقطت 476 ميلادية
أوغسطين بوصفه رمزاً مسيحياً أراد أن يرد على هذه الأقوال و يواجه هذه الشبهات ، فكتب كتاباً بعنوان "مدينة الله " الذي دافع فيه عن الفكر المسيحي ، في كتابه هذا تطرق أوغسطين الى أن هنالك مدينتين هما مدينة الله و هي المدينة الفاضلة التي يسودها العدل و السلام الأبدي و النقاء في المقابل هنالك مدينة أسماها مدينة الشيطان ، مملكة الله مكانها ليست على الأرض بل في السماء ،أما مملكة الشيطان التي هي على الأرض ، فمن الطبيعي للدولة الرومانية أن تتعرض للضعف و الأنكسارات لأنها تقع في الأرض ، فأن روما في مدينة الشيطان ، فأراد بذلك جهد الامكان ان يدفع التهم عن المسيحية ، ففي رأي أوغسطين أن المسيحية و تعاليمها لا علاقة لهما في إنحدار الإمبراطورية الرومانية الغربية. أراد هنا أوغسطين فصل السلطة الدينية عن سلطة الإمبراطور ، أي أقر لبناء الدولة في مفهومنا الحديث (العلمانية)
ترك أوغسطين الكثير من المؤلفات التي بمجملها كانت تدافع عن المسيحية ، والدته كانت شغوفة في إتباع المسيحية متمسكة بتعاليم و قيم المسيحية لما تراه في هذه الديانة من تعاليم حقة ، تألمت القديسة مونيكا كثيراً على ترك أوغسطين للديانة المسيحية في مقتبل عمره ، فكانت تصلي من أجله و تبكي حتى عرف عن أوغسطين ب إبن الدموع ، لكثرة الدموع التي ذرفتها والدته عليه ، كانت القديسة مونيكا دائماً تصلي لإجل أن يلتحق ولدها بركبها في إعتناق المسيحية ، إلتحقت مونيكا بأبنها في روما و شهدت فترة عودته و إعتناقه المسيحية في ميلانو بعدما عمل أستاذا لعلم البيان و أنجب ولداً من خليلته ، ترك علم البيان و التحق في العمل الكنسي ، لازالت آثار أوغسطين قائمة الى يومنا هذا و تظهر جلياً من خلال تأثيره على الفكر الكنسي الديني الروحي و الفكر السياسي الغربي ، لا تزال كتبه و أقواله مخطوطة و محفوظة الى يومنا هذا بالإضافة الى آثار الكنيسة التي تقع في شمال أفريقيا ، التي كان يمارس خدمته كأسقفي فيها. فكره لازال جلياً و متبلوراً حول التمايز بين الحيز الديني المعنوي الروحي و الحيز السياسي الدنيوي ، بذلك يعد أوغسطين أحد أباء الفكر الكنسي و الفكر السياسي الغربي بشكل عام ، أحد أعمدة الفكر التي تركت بصمة لايمكن أن تمحى من جبين التاريخ الذي يكتبه الشخصيات ذات التأثير العميق في الوعي الإنساني على مر الحقب و الأزمان.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. موسكو تهدد بالرد على استخدام أوكرانيا صواريخ غربية بعيدة الم
.. استقالات قادة الجيش الإسرائيلي تتوالى بعد الفشل في منع هجوم
.. رئاسيات تونس: أي انتخابات تنتظر البلاد؟ • فرانس 24 / FRANCE
.. الجزائر وروسيا تبحثان التعاون العسكري والتقني
.. المغرب يسجل أول حالة إصابة بجدري القردة • فرانس 24