الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكذوبة الخمس رضعات في الفقه

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 10 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


معلومة لا ينتبه إليها جمهور المسلمين هي أن القرآن لم يقل بأن حد الرضاع الذي يثبت به الحُرمة (خمسة مشبعات) كما هو شائع، فهذا قول الفقهاء منسوخا بعدما كان (عشرة رضعات) مذكورة في الصحاح، والهدف كان توفيق ذلك النسخ بعدد رضعات (الكبير) ليس إلإ، وبالتالي فحد الرضاع في القرآن أقصاه (عامين) ولم يذكر الأدنى ليصبح الاجتهاد فيه مفتوحا، أي يمكن فطام الطفل بعد شهور أو عام..إلخ وفقا لمصلحة الأم والطفل ، وبالتالي فهذا الحد ينطبق أيضا على المرضعات ممن لم يلدن..

أي لو استأجرت مرضعة أو جاءت متطوعة فلكي تحرم على الطفل يجب أن يبلغ رضاعها حد الرضاع المذكور للوالدين..وهو حولين كاملين أو أقل وفقا لرغبة الأسرة والأم، ومن يقول خمسة أو عشرة أو مائة لا يثبت به حُرمة الرضاع وفقا للقرآن الكريم، وسيعد ذلك طعاما للطفل ومساهمة من المرضعة لا غير لكنها لا تصبح أمه، وأولادها لا يصبحن أخوته، وما فعله الفقهاء بجعل تمام الرضاع خمسة مشبعات صنع مشكلة اجتماعية وعلمية كبيرة :

أولا: المشكلة الاجتماعية بالتفريق بين الأزواج والمحبين، ليضطر الزوجين لنكاح من لا يرغبن..وهذا سر من أسرار المشكلات الزوجية والتفسخ الاجتماعي، فضلا على سهولة ادعاء أي شخص بالرضاعة لإفساد أي زيجة يرفضها..والقانون والتشريع هنا عاجز عن إثبات ذلك الادعاء..علاوة على أن يكون للشخص 100 أم في حال لو أرضعته 100 امرأة، وتعدد الأمهات بذلك العدد الكبير يضيق مساحة الزواج من المكان فيضطر الشخص للذهاب بعيدا في ظل تكاليف انتقال مادية ونفسية على الزوجين تهدد علاقتهم بالفناء، إضافة لرفض كثير من الأمهات التطوع لإرضاع أطفال غرباء خوفا على مستقبل أبنائها من ناحية ومن ناحية أخرى لرفض مصاهرة تلك العائلات أو تصبح قريبة منهن بأي شكل، ولو عرفت أن الإسلام لا يجعلها أمّا بتلك الرضعات إلا لو كان لحولين كاملين فسوف تبادر – غالبا – بالتطوع والإرضاع مساهمة منها لخدمة الطفل البرئ ليس إلا..

جانب آخر من المشكلة الاجتماعية هي اعتبار حرمة الرضاع من حرمة النسب، وبالتالي صار هناك أعمام وأخوال وآباء وجدات من الرضاع..وهذا لم يذكر في القرآن الذي خصص فقط (أمهات وأخوات الرضاع) وفي ذلك علة النكاح ليس إلا، إنما الفقهاء برواياتهم الموضوعة اخترعوا دينا آخر توسعت به درجة القرابة، فقد أخرج البخاريّ في صحيحه ( 2646/1) عن عائشة أن النبيّ قال: "أن الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة". وفي رواية لمسلم 1444/2: "يحرُم من الرضاعة ما يحرُم من الولادة ". ولما طلب عليّ من الرسول أن يتزوج بابنة حمزة قال النبي "إنها لا تحلّ لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة"...(صحيح مسلم 1446/11) وهكذا صارت درجات القرابة واسعة جدا ومعها تضيق مساحة التصاهر والزواج مما دفع الشباب للذهاب بعيدا عن مناطقهم مع تكاليف مادية أكبر في الزواج..

ثانيا: مشكلة علمية وهي اعتقاد الشيوخ والعوام بأن لبن الرضاع يدخل في الجينات الوراثية..وهذا غير صحيح، بل أقل ما يقال عنه أنه (مسخرة علمية) تثير استهجان الأمم ضد الإسلام، فلبن الرضاع كأي لبن هو مجرد غذاء..بينما الجينات لا تنتقل من الوالدين لأبنائهم سوى بالجماع والحمل والولادة، ولو صدق هذا القول السخيف سيكون لبن الماعز والغنم والبهائم يدخل أيضا في الجينات الوراثية ليصبح الإنسان إبناً لبهيمة، وهي مشكلة فقهية ظهرت بشدة واتهم بها عدة فقهاء ممن اختلط عليهم الأمر كالإمام البخاري..

وحكمة تحريم النكاح بالرضاعة هنا كان عربيا ..حيث وبكثرة الحروب بين القبائل وخطف السبايا كانت أمهات الأطفال يقعن في الأسر بكثرة ، فكانت كفالة الطفل بالرضاع هنا من امرأة متطوعة واجب قِبَليّ دخل في القرآن لبقاء نفس الظرف وهو غياب الأمهات البيولوجيات، فتلتزم المرضعة بكفالة الطفل غذائيا حتى يقوى جسده وعوده، وهذا لن يكون بخمسة رضعات مشبعات كما يقول الشيوخ بل بشهور متصلة أو يتم العامين كما جاء تمام الحد في القرآن..

حتى في الأحاديث ما يؤيد ذلك، فقد روى البيهقي في سننه " لا رضاع إلا ما كان في الحولين ما أنشز العظم وأنبت اللحم" (سنن البيهقي 15665) وأصل ذلك الحديث في سنن أبي داوود تحت رقم 206، وقد تم رفعه للرسول تارة ووقفه على الصحابي "عبدالله بن مسعود" تارة أخرى، ولأنه يعارض حديث الخمس رضعات في حديث رضاعة الكبير (تم تضعيفه) وحكم عليه الألباني وغيره بالإنكار..رغم أنه يتوافق نصيا ومعنويا مع القرآن الكريم، إنما سيطرة بعض الروايات على المذاهب دفعت الفقهاء لتعطيل النص القرآني والاحتكام إلى الحديث بمبدأ شائع لديهم هو (نسخ القرآن بالسنة)..وغاية ما فعله الألباني هو تصحيح وقف ابن مسعود وإنكار رفعه للرسول لكي يفتح الباب لرد شهادة ذلك الصحابي بروايات رضاع الكبير المنسوبة للنبي..

والإمام البغوي الشافعي يعترف اعترافا مثيرا في كتابه شرح السنة حيث يقول " روي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا رضاع إلا ما أنشر العظم، وأنبت اللحم».وعن عائشة، قالت: «يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم»..ويروى: ما شد العظم، وهو المراد من الإنشار أيضا، من يروي بالراء غير المعجمة، والإنشار: الإحياء في قوله سبحانه وتعالى: {ثم إذا شاء أنشره} [عبس: 22]، ويروى: ما أنشز العظم بالزاي المعجمة، معناه: زاد في حجمه فنشز، وروي عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء»..واختلف أهل العلم في تحديد مدة الرضاع، فذهب جماعة إلى أنها حولان، لقوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233]...فدل على أن الحولين تمام مدتها" (شرح السنة 9/ 84)

ومعنى كلام البغوي أن تمام الرضاع حولين هو ما أنبت لحما ونشز عظما، والخمس رضعات بالتأكيد لا تنبت لحما ولا تنشز عظما أي ترفع وتكبر حجم ذلك العظم وتُعليه كدلالة على نمو الجسم في الطول والعرض، بل غاية ما تحدثه الخمس رضعات أنها تعطي إحساسا بالشبع لا غير..وهذا الإنبات والنشز المقصود يعني وجوب أن يكون للبن دورا في بناء الجسم، وهذا لا يتحقق سوى بملازمة المرضعة للطفل شهور متصلة من وقت الرضاع الأول حتى الفطام، وبالتالي يتأكد أن الأمهات المرضعات في القرآن يقصد بهن اللاتي لازمن الطفل مدة رضاعته كاملة حتى الفطام، ولو انقطع لبن الأم قبل تمام المدة لا يثبت بذلك رضاعا محرما بل هو غذاءا له أجر التطوع..

والمصيبة الكبرى أن فتوى حد الرضاع بخمسة مشبعات فيها تحريف مؤكد للقرآن الكريم، وأصل ذلك في صحيح مسلم عن عائشة، أنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن، بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن " (صحيح مسلم حديث رقم 24)

وقد أنكر ذلك الشيخ "محمد رشيد رضا " في تفسيره حيث قال " أن عائشة نقلت رواية الخمس نقل قرآن لا نقل حديث فهي لم تثبت قرآنا لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، ولم تثبت سنة فنجعلها بيانا للقرآن ، ولا بد من القول بنسخها لئلا يلزم ضياع شيء من القرآن ، وقد تكفل الله بحفظه ، وانعقد الإجماع على عدم ضياع شيء منه ، والأصل أن ينسخ المدلول بنسخ الدال إلا أن يثبت خلافه ، وعمل عائشة به ليس حجة على إثباته ، وظاهر الرواية عنها أنها لا تقول بنسخ تلاوته فيكون من هذا الباب ، ويزداد على ذلك أنه لو صح أن ذلك كان قرآنا يتلى لما بقي علمه خاصا بعائشة" (تفسير المنار 4/ 386)

ومعنى كلام رضا أن حديث مسلم مكذوب، فهو يرد الحديث الصحيح هنا صونا للقرآن بقول له في موضع آخر " إن رد هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها" (تفسير المنار 4/ 388) ولو فردنا الخط على استقامته يلزم الشيخ رضا الإيمان بحد الرضاع القرآني للوالدين والمرضعات من غير الأمهات، لكنه أفاض فقط في رد رواية الخمس رضعات الناسخة للكوارث المتعلقة بها من نسف حجية القرآن وثبوته..وذكر قولا موهما يشير ليقينه بحد الرضاع القرآني دون تفصيل بقوله " وفي الرضاع المحرم للنكاح بحث آخر يتعلق بسن الرضيع ، فقد ذهب بعض علماء الأمة إلى أن الرضاع لا يؤثر إلا في سنه ، ومدته المحدودة بقوله - تعالى - : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" (تفسير المنار 4/ 386)

وعلى ذلك معظم الشيوخ تقريبا بحيث إذا اقتربوا من تلك الجزئية (قفزوا) دون تفصيل..

الخلاصة: أن الرضاعة في الإسلام ذكرت على وجه واحد هو قوله تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " [البقرة : 233] فذكر الرضاع بنسق مخصوص في بنية مخصوصة جعله قضية بحياله، فاللائي يلدن أطفالا يرضعنهم كما في الآية (حولين كاملين)، ولو أردن استئجار مرضعة أخرى سواء لغياب الأم أو مرضها أو عدم رغبتها ستكون المرضعة ملزمة بنفس المدة (حولين كاملين) قال تعالى " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف" [البقرة : 233]

وفي ذلك حكمة لزوم الأم المرضعة وكفالتها للطفل حتى يكبر..عدا ذلك فهو شطح فقهي ميّز فقهاء المسلمين طيلة قرون..وضرره على المجتمع كبير لم يجرؤ بعد علماء الاجتماع والتشريع على البحث فيه والنظر في مآلاته على الجمهور..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رضاع الأطفال ورضاع الكبار
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 23 - 20:12 )
حد الرضاع الوارد في سورة البقرة 233 الذي أقصاه (عامين) جاء خصيصا للطفل الرضيع ، اما الحديث الصحيح للسيدة عائشة لا يخص الأطفال بل يخص الرجال البالغين ، فإرضاع الكبير له تشريعاته التي لا تنطبق عليها التشريعات الخاصة برضاع الأطفال فلو كان حديث السيدة عائشة عن رضاع الأطفال وليس عن رضاع الكبار لأمكن عنئذٍ تطبيق نص سورة البقرة 233 لتكذيب موضوع خمس رضعات ، من ناحية اخرى إن كانت مدة ارضاع الطفل وفطمه تعتمد على عوامل بشرية كثيرة فما لزوم اساسا لتحديد مدة ارضاع الطفل بعامين ؟ وماذا لوحدث واستمر الإرضاع لعامين ويوم زيادة فلماذا تقول الآية المذكورة مدة الأرضاع اقصاها عامين ، الا يعني ان مؤلف هذه الآية ورط نفسه في تحديد مدة ارضاع الطفل وان الموضوع كله اجتهاد بشري قابل للتبديل والتأويل ؟ تحياتي واحترامي استاذ سامح


2 - جبت العيد سيد فادي
الجندي ( 2021 / 10 / 24 - 07:38 )
-
عن عائشة، قالت: «يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم»
-
ركز
ما انبت اللحم والدم
مما يعني ان المقصود هنا رضيع
لان نبت اللحم والدم يتم للرضيع
وليس للرجل
تحرى الدقة


3 - اما عن سؤالك
احمد علي الجندي ( 2021 / 10 / 24 - 07:42 )
لماذا عامين
1 الضرورة تبيح المحرم
على فرض قولك انه ماذا لو بعد عامين
2 القران يتحدث على العموم
3 الاية ترد على دعاة رضاع الكبير

ملاحظة اجمعت المذاهب الفقهية الاربعة وكل الصحابة باستثناء عائشة
على حرمة رضاع الكبير وعدم جوازه وانه حالة خاصة لابن بالتبني
وانتهت
وهو ما اتجه اليه كل العلماء باستثناء السيدة عائشة
والمذهب الظاهري
وابن تيمية وابن القيم
مع العلم انهم اتفقوا على ان رضاعة الكبير وصول الحليب للجوف وليس مص الثدي باستثناء المذهب الظاهري
ملاحظة
الرضاعة في الاسلام اصلا وصول الحليب للجوف
فاذا وضعت امرأة حليبها في كأس وشربه طفل
تصبح امه بالرضاعة


4 - توضيح للاخ فادي
احمد علي الجندي ( 2021 / 10 / 24 - 07:50 )
تسرعت بكتابة تعليقي جوابا عن قوله عامين
المقصود بالقران الرضاعة في عامان
اي الرضاعة التي تحرم بالنسب
كيف يعني
يعني الطفل الذي يرضع خلال اول عامين
تصبح المرأة ام له بالرضاعة وتحرم عليه ابناءها وغيرهم مثل ما يحرم الدم
والنسب وصلة القرابة اما بعد العامين
فان رضع منها لا تعد اما له بالرضاعة
ولا تحرم بكسر الراء
كما يحرم النسب
وللعلم هذه الاية استدل بها جمهور الفقهاء والعلماء
على حرمة رضاع الكبير
وانه لا يحرم بكسر الراء ومو ما اتجهت اليه المذاهب
الفقهية الاربعة

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah