الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داروين انسان دجّال

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2021 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الثانوية، أخذ أستاذ علم الأحياء بشرح نظرية داروين وآلياتها. رفع طالب يده في الصف سائلاً: أساتذ، هل تومن بنظرية التطور وهل تؤمن أن الأنسان أصله قرد؟ فأرتبك الأستاذ وصمت لفترة ربما يحاول تجهيز جواب مرضي ثم قال: "يا أبني هذه مجرد نظرية، وهناك كثير من الحلقات المفقودة بين القرد والإنسان". هذا كان في نهاية السبعينات. أما الآن فقد عثر علماء الحفريات على جميع الحلقات المفقودة. من الشبيه بالانسان (الأردي) وحتى الانسان الحالي.
سمعت يوماً شيخاً يقول أن داروين آنسان دجّال. وعادة الدجل له غايه شخصية أي ابتزاز الآخرين لمصالح شخصية، فتكذب عليهم وتوهمهم بأشياء كي تبتز أموالهم. مثل الذين يدعون ايجاد المفقودات وإحضار الغائب... إلا أن دارون قد أفنى عمره في سبيل أن يفسر ظواهر متشابة في الكائنات الحية كنا نمر عليها مرور الكرام.
أتذكر أني في اليوم الثاني استدنت ثمن الكتاب واشتريته من بائع جوال، كان حجم الكتاب كبير وسعره غالِ جداً. كان عنوانه " أصل الأنواع" . وكدت أضيع بصفحاته وتفاصيله الكثيرة عن المقارنات بين مناقير بعض الطيور القصيرة والأخري طويلة وكل هذا في رحلته مع مجموعة البيغل. ظل الرجل أكثر من خمس سنوات يدرس ويتحرى في الجزر التي مر عليها بين الأنواع والضروب. الألوان والحجوم. واستنتج أهم مرتكز في نظريته ألا وهو الإنتخاب الطبيعي. وكما نرى أن الكتاب لايحمل كلمة تطور أو ارتقاء، انما يحمل أصل الكائنات الحية. والتطور هو غير الارتقاء. فالتطور هو انتقال من مرحلة لأخرى وليس بالضرورة أفضل أو أرقى، إنما الارتقاء هو التفوق عن السابق.
وأنا لا ألوم كل من لايفهم هذه النظرية لأنها صعبة وليست سهلة الفهم. وهي بحد ذاتها تطرح ألاف الأسئلة في ذلك الوقت دون أجوبة . أي كانت مجرد تفسيرات لظواهر التشابه والتنوع للكائنات الحية لم يسبقه أحد من قبل. وتظل النظرة الدينية للخلق لاتفسر السبب في عدد الألوان والحجوم والتشابه بين الكائنات الحية. فلماذا رقبة الزرافة الطويلة فيها نفس عدد الفقرات التي في الجربوع. وهناك مئات الأشياء التي طرحها في الكتاب. بحث الرجل طوال عمره دون النظر إلى الفائدة الشخصية أو المادية بل كان متواضعاً يحب الآخرين. فقد قال مرة عن نفسه معترفاً بقصوره في الفهم حيث قال: " قد أكون بطيء الفهم عن غالبية الناس، لكني أتميز عنهم بأني دقيق الملاحظة. وبالفعل نرى ذلك في كل كتبه التي ألف فيما بعد مثل "الانفعالات والتعبيرات المشتركة بين الانسان والحيوان".
أظن أن كل من وصم دارون بالدجل هو لم يقرأ نظريته أو قرأها ولم يفهما لأنها صعبة الفهم، أو يستعمل هذا المفهوم بشكل إسقاط نفسي. والثورة الاكترونية التي نعيش، من الصعب على هذا الجيل الا يطّلع على معارف العصر، وهذا الجيل يطرح كثير من الأسئلة ولايجد الأجوبة إلا في المجالات العلمية. ولأننا شعوب متخلفة، مازال الفقهاء عندنا ينكرون هذه النظرية ويكفرون من يؤمن بها دون إعطاء بديل أو تفسير لكل هذا التنوع في الكائنات الحية والتشابه. وبقي الأفراد الذين حاولوا التصالح مع العلم أقلاء من أمثال محمد عبده ومحمد شحرور ومحمد محمود طه وعدنان إبراهيم وجمال البنا وحتى مصطفى محمود. لكن هؤلاء لايمثلون التيار الساحق من الهيئة الدينية في الوطن العربي.
أحياناً صعوبة فهم نظرية تتوقف على صعوبة تصور النتائج. لأنها تعمل ضمن ملايين من السنين حتى يختمر أي تحول أو ارتقاء في الكائن الحي. فقد سألني مرة زميل لي في الهندسة لم يقرأ النظرية ساخراً: يعنى هذا إذا وضعنا حجش في جزيرة، هل سنأتي بعد ألف سنة ونراه قد أصبح إنسان.؟ وبالفعل صعوبة هذه النظرية يأتي من أنك لاتستطيع أن تختبرها مخبرياً لكنك يتوجب عليك تفسير التشابه الجيني بين الشمبانزي والانسان بقدرة 98 بالمئة. ولماذا باستطاعة الخيل التزواج مع الحمار. ثم علاوة على ذلك فقد تجاوز عصرنا كل ذلك وأصبح هناك تطبيقات لهذه النظرية ومدارس واسعة. مثل علم النفس التطوري وعلم الإجتماع التطوري وعلم الوراثة وعلم الجينات وحتى التاريخ البشري أصبحت الداروانية لها تيار فيه فقد أختفت شعوب بأكلمها لأنها لم تستكع التكيف مع متغيرات المناخية أو لاتصلح أي ضعيفة للآخرين. وفي الواقع لم يكتب داروين النظرية لنا نحن العرب ولا أظن أن أحداً من العلماء كتب من أجلنا. وكل هؤلاء لايهمهم إن قرأنا أو فهمنا نظرياتهم. وحتى المستشرقين لم يكتبوا سطراً واحد لنا. بل كانت كل كتاباتهم موجه لمجتمعاتهم وبلغاتهم الأم. فقد قال غاليلو مرة عندما أنكر دوران الأرض في المحكمة حيث خرج محدثأ نفسه ومتحدياً : إنها تدور رغم أنوفكم ( أي لرجال الدين الذين أدانوه بالاعدام أن لم يتراجع عن أفكاره الكفرية). ومازال بعض رجال دين اسلامي يكفرون من يعتقد بكروية الأرض.
والقول أن نظرية التطور هي علمية، هو أن الآليات التي أعتمدت عليها هي إستقراء الظواهر وتدوين النتائج . لكن ليس فيها قانون مثل قانون الضغط أو القدرة أو الجاذبية. وتكاد هذه المرتكزات التي أعتمدت عليها قوانين تعمل ضمن ملايين السنين. أي عندما يواجه الكائن بظروف مستجدة، فعليه أن يختار بين الاندثار أو التكيف. أي لنفرض أننا وضعنا سلاحف في جزيرة ليس فيها حشائش، لكن فيها شجيرات. فمن هذه السلاحف ذوات الرقبة الطويلة ستتغذى وتعيش في الجزيرة، وذوات الرقبة القصيرة، لاشك أنهم سيموتون جوعا. ولن تجد بعذ فترة إلا السلاحف ذوات الرقاب الطويلة. فالكائن غير مطلوب منه أن يغير من طبيعته إلا تحت الظروف القاهرة. وهذه أحد الاسباب التي انقرض فيها الديناصورات و99 بالمئة من الكائنات الحية. أي بمعنى أخر، نحن أمام واحد بالمئة من الكائنات التي نجت وعاشت على الأرض. فالتطور جاري أمام أعيننا بشكل يومي. فهذه فيروسات الانفلونزا التي تغير من طبيعتها كل سنة وفيروس كورونا الذي كلما واجهناه باللقاح والأدوية تحور وطور من فاعليته كي يبقى. وهذا سيجرنا إلى موضوع آخر في غاية الأهمية عن الوعي . هل هو صفة من صفات الإنسان أم أنه كامن في كل كائن في الكون. وربما لي موضوع آخر أتكلم به عن الوعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه