الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تكرهون هذا الرجل؟

فاطمة ناعوت

2021 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وقف رجلٌ ذاتَ نهار يحملُ في يده مصباحًا، لكي يُنير الطريقَ لمَن ضلّوا، وفي اليد الأخرى يحملُ مرآةً هائلة. راح يُوجّه صفحةَ المرآة العاكسة صوب وجوه الأدعياء المُضلّين الذين يخدعون الناسَ بترويج الأكاذيب. كان يعرف أن المرآة سوف تعكس قبحَ أرواحهم، فإن شاهدوا دمامتَهم، انفجروا، أو اِرعووا عن غِيّهم. هذا الرجل موجودٌ في كل عصرٍ، ومنتشرٌ في كل بقعة من بقاع الدنيا. تمنحه السماءُ لأهل الأرض في كل حين حتى يُنقذ البسطاءَ من تغوُّل الزائفين الكاذبين الذين يعملون على تجهيل الناس، حتى يقتاتوا على غفلة الغافلين ويرتزقوا من تغييبهم.
ما شكلُ هذا الرجل، كيف يتكلم وما لسانُه؟ له أشكال عديدة، وله ألسنٌ كثيرة، وملامحُ مختلفة، ويرتدي في كل زمن ملابسَ تشبه ذلك الزمان، وفي كل أرض ثيابًا تناسب تلك الأرض.
ما اسمُ هذا الرجل؟ له أسماءٌ لا حصر لها. فتارةً اسمه "الوليد ابن رشد"، وتارة اسمه “جاليليو”، وتارة اسمُه "الحلاج"، وتارةً اسمه "ڤولتير"، وتارةً اسمه "جابر بن حيّان"، وتارة اسمه "ابن الهيثم"، وتارة اسمه "أبو بكر الرازي"، وتارة اسمه "أبو نصر الفارابي"، وتارة اسمه "ابن سينا"، وتارة اسمه "نصر حامد أبو زيد"، وتارة اسمه "ديڤيد هيوم"، وتارةً اسمه "الكِندي"، وتارةً اسمه "بروتاجوراس"، وتارةً اسمه "ابن عربي"، وتارة اسمه "السهروردي"، وتارةً اسمه "محمد عبده"، وتارة اسمه "ملك سيام"، وتارةً اسمه "جمال الدين الأفغاني"، وتارةً اسمه "فرنسيس بيكون"، وتارة اسمه "أبو بكر الرازي"، وتارةً اسمه "جبران"، وتارة اسمه "فرج فودة"، وتارةً اسمه "أحمد عبده ماهر"، وتارةً اسمه "برتراند راسل"، وتارة اسمه "مارتن لوثر"، وتارةً اسمه "الخوارزمي"، وتارةً اسمه "طه حسي"ن، وتارةً "جلال الدين الرومي"، وتارةً اسمه "سبينوزا"، وتارةً اسمه "شمس الدين التبريزي"، وتارةً اسمه "چون لوك"، وتارةً اسمه "كوبرنيكوس"، وتارةً اسمه "ديكارت"، وتارة اسمه "ابن الفارض"، وتارةً اسمه "مهاتير محمد"، وغيرها من أسماء التي لا حصر لها، حملها هذا الرجلُ المهدورُ دمُه في كل تاريخ وجغرافيا.
هذا الرجلُ خصيمُ الجهل، خصيمُ التجارة الكذوب، خصيمُ الارتزاق باسم السماء. لهذا اختصمه كلُّ زائف، وكرهه كلُّ جهول، ومَقَتَه كلُّ متاجر باسم الله، وبغضه كل من يرتزق على الغافلين. اجتمعت عُصبةُ الشر في كهفهم المعتم يتآمرون ضده لأنه العدو الذميم والخطر المقيم.
هو لم يقاتلهم، فهو لا يعرفُ القتال. ولم يُشهِر في وجوههم سيفًا؛ فهو لا يحمل سيفًا ولا خنجرًا. كل ما لديه مصباحٌ صغير غزيرُ الضياء، يحمله في يمناه، أشهره أمام عيونِهم. فآلمتهم عيونُهم، وأوجعتهم عقولُهم. ذاك أن "عقل المتعصّب مثل حدقةِ العين، كلما زاد الضوءُ المسلّط عليه، زاد انكماشُه، وضيقُه"؛ كما قال أوليفر هولمز.
أعشى عيونََهم وهجُ المصباح، فوضعوا أكفَّهم فوق مآقيهم ليحجبوا الضوء. وما أن رفعوا الأكفَّ عن العيون حتى وجدوا صفحة المرآة العاكسة في يد الرجل مصوبةً نحو أبصارهم. شاهدوا قبحهم فجفلوا وارتعبوا. هاجوا وماجوا وضجّوا وصخبوا وأرغوا وأزبدوا. هددوا وتوعدوا، ثم أشهروا السيوفَ.
ما كان الرجلُ الأعزل ذو البصر والبصيرة والعقل النيّر يحتاجُ أكثر من طعنة صغيرة في القلب حتى يسقط مضرجًا في دمائه ليُريح ويستريح. لكن الغلاظ لم يرضوا بغير أن يذيقوه من العذاب بقدر ما أذاقهم من التنوير. فراحوا يمزقون ملابسه ويجلدونه، وراحوا يضربونه فوق رأسه بالكتب التي كتبها حتى فقد البصر، وراحوا يصلبونه على عمود خشبي، وراحوا يقطّعون أطرافه، وراحوا يحرقونه، وراحوا يسملون عينيه، وراحوا يضربونه بالرصاص، وراحوا يشنقونه، وراحوا ينشرونه بالمناشير، واستخدموا من كل عصر ما أتاحت لهم صنوفُ العذاب والويل والتنكيل والإهانة.
مات الرجلُ ألف مرةٍ ومرة. وفي كل مرّة كان لسانُه يلهج بآخر ما جادت به الكلمات: “يا ربُّ جوهرُ علمٍ لو أبوحُ به/ لقيل لي: أنتَ ممن يعبد الوثنَا/ ولاستحلًّ رجالٌ مسلمون دمي/ يرون أقبحَ ما يأتونه حسنًا.”
جميعُنا ساهمنا في قتل ذلك الرجل حامل المشعل والمرآة، لأنه أشهرَ في وجوهنا مرآته ونحن لا نريد أن نرى قبحنا ودمامتنا. قتلناه وهو يردد بلسان الأفغاني: "ملعونٌ في دين الرحمن: مَن يخنق فكرًا، مَن يرفع سوطًا، مَن يُسكِت رأيًا، من يبني سجنًا، من يرفع راياتِ الطغيانْ. ملعونٌ في كلِّ الأديانْ: مَن يهدرُ حقَّ الإنسانْ، حتى لو صلَّى أو زكّى وعاش العمرَ مع القرآنْ." “الدينُ لله والوطنُ لحملة مشاعل الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توضيح
بويعلاوي عبد الرحمان ( 2021 / 10 / 25 - 01:49 )
أبو بكر الرازي الأول نعرفه ، فمن يا ترى أبو بكر الرازي الثاني ؟


2 - قطعه ادبيه جميله ممجده لابطال التحرير وللجواهري ق
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 10 / 25 - 04:10 )
وللجواهري قصيدة رائعه شيبي الكثيف انساني اياها فيها كلما-لحرية الفكر ابطال يخلها-ففي كل جيل الف الف مسيح دونها صلبا-وياريت يتقدم احد القراء الكرام لتصحيح ماذكرته اعلاه ويزيدنا من ابيات قصيدة الجواهري -مع اجمل التحيات للحكيمه الاستاذة فاطمه

اخر الافلام

.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟


.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟




.. 154-An-Nisa


.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي




.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا