الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار لفائدة جريدة الصباح المغربية .

سعيد الكحل

2021 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ـ تواجه حملة التلقيح ضد وباء كورونا، موجة تشكيك في جدواها وربطها بنظرية المؤامرة هل يمكن التمييز بين مستويات وأنواع في هذا التشكيك؟
منذ الكشف عن وباء كوفيد 19 طفت نظرية المؤامرة على السطح ولاذ كثير من الناس ، من مختلف التخصصات والمجالات المعرفية إلى التفسير المؤماراتي ؛ إذ تساوى أتباع من المرجعيات سواء العلمية أو الدينية أو الاقتصادية في الاعتقاد بأن فيروس كورونا اصطناعي تم انتاجه في المختبرات البيولوجية لأهداف محددة تعود في مجملها إلى الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين ، فيما ذهب آخرون إلى القول بأن الفيروس تم انتاجه في المختبرات كسلاح جرثومي/بيولوجي في إطار الصراع من أجل الهيمنة على العالم . جميع هذه المرجعيات تتفق على وجود مؤامرة سواء ضد البشرية أو ضد شعوب بعينها . وقد تم نشر عدة أشرطة "وثائقية" مثل شريط "هولد أب "Hold up " وفيديوهات "لمتخصصين" يزعمون وجود مخططات مسبقة لإنتاج الفيروس لأهداف محددة : الحروب الجرثومية ، الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين ، التخلص من فئة المسنين في المجتمعات الغربية .. وأكيد انخرط أتباع المرجعيات الدينية ، ومنهم المسلمون في الترويج للمؤامرة.
ـ هل يمكن القول إن هناك ارتيابا فطريا من لقاحات الأوبئة؟
خلال العقود السابقة وإلى ما قبل انتشار فيروس كورونا ، ظلت الشعوب تتعامل مع اللقاحات بشكل عادي وتقبل عليها بشكل تلقائي .وجميعنا مررنا من تجارب أخذ اللقاحات منذ صغرنا وكذا حرصنا على مواعيد تلقيح أبنائنا منذ الولادة ولم يساورنا شك أو تشكيك في الغاية من اللقاحات ولا راودتنا فكرة وجود مؤامرة خلف الفيروسات التي نلقح أبناءنا ضدها . كل الذين يشككون اليوم في اللقاح ضد كورونا لقّحوا أبناءهم ضد الجدري أو الكزاز أو الكوليرا أو بوحمرون أو شلل الأطفال أو غيرها من الأوبئة . المجتمع المغربي كان يتعامل بتلقائية مع اللقاحات ، لكن ، وبسبب التأثير الإعلامي الواسع ، تفاعلت فئة من الشعب المغربي من مختلف المرجعيات بريبة وتشكيك في اللقاح زاعمة أنه وُضع لأغراض "تجسسية" أو "تحكمية" في العقول والتفكير عبر زرع شريحة الكترونية من خلال اللقاح . وقد كرّس هذا الخوف والاعتقاد أشخاص يقدمون أنفسهم "متخصصون" . وأعتقد أن الطبيعي والفطري هو حب البقاء والخوف من الهلاك ، وهذا الذي جعل الإقبال على اللقاح واسعا . لكن التأثير الإعلامي للمشككين في اللقاح وكذا الإشاعات التي يتداولها المشككون فضلا عن المعلومات التي تم تداولها بداية اكتشاف اللقاح ومنها أن اللقاح يشكل خطرا على المصابين بالحساسية وبعض الأمراض والحوامل .. زاد من المخاوف في صفوف فئة من المجتمع .
ـ ما تعليقك على من يغلف هذا التشكيك بطابع ديني، وهو ما تعكسه فتاوى تحريم اللقاح والفتاوى المضادة لها؟
من المعلوم أن الفقه الإسلامي ، عبر التاريخ ، كان متأخرا عن المجتمعات ولا يساير تطورها وحركيتها فشكل دائما عرقلة في وجه تطور العلم وتطور المجتمعات . وللأسف لايزال الفقه جد متأخر ، في عمومه ، عن واقع المجتمعات وعاجز عن الانفتاح على حركيتها والاستجابة لانتظاراتها . فالفقه الإسلامي لا يساير تطور العلوم ووضع نفسه في تعارض مع الاكتشافات العلمية إذ صدرت فتاوى من كبار علماء وفقهاء العالم الإسلامي تحرّم القول بكروية الأرض ودورانها حول الشمس ، كما حرّموا زراعة الأعضاء بحجة أن الفرد لا يملك جسده وإنما هو أمانة أمّنه الله تعالى عليها ولا يحق له التبرع بما ليس في ملكيته ، وأن التدخل الطبي في تمديد حياة الشخص مخالف لإرادة الله التي وضعت أجلا لحياته .وأذكر هنا فتوى للشعراوي حرم فيها زراعة الأعضاء ومات بسبب هذه الفتوى عدد من المصريين ، لكن حين عجزت كليتاه نهائيا اضطر لزراعة كلية بمستشفيات بريطانيا . ولا يخفى التأثير الكبير لفقهاء المذهب السلفي الوهابي الحرْفي والمتشدد لتفسير النصوص الدينية التفسير الحرْفي على بقية المذاهب الفقهية بفعل الإمكانات المالية والإعلامية التي وٌضعت رهن تصرفهم حتى غدا المذهب الوهابي السلفي هو السائد في عموم العالم الإسلامي وتشبع به فقهاء باقي المذاهب عن وعي أو بدونه . كما لعبت تنظيمات الإسلام السياسي دورا خطيرا في نشر عقائد السلفية الوهابية وسط المجتمعات العربية/الإسلامية ضمن إستراتيجية "الأسلمة" التي تنهجها . لم يعد خافيا ما تسعى إليه تنظيمات الإسلام السياسي من تأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لدفع المغاربة إلى الاحتجاج والتمرد والثورة ضد النظام بعدما فشلت في تغييره والسيطرة على الدولة بالطرق السلمية . فأي قرار تتخذه الدولة تتصدى له هذه التنظيمات ، إما مباشرة أو من خلال الشيوخ والفقهاء المرتبطين بها ( خرج فقهاء هذه التنظيمات يحرضون ضد الدولة ويكفرونها بسبب قرار منع الصلوات الجماعية في المساجد كذريعة لمهاجمة الدولة والنظام والتحريض على الثورة ضدهما . ومن حسن العاقبة أن شيوخا أنكروا وجود وباء كورنا وحرضوا ضد الدولة أصيبوا بالوباء ومن من هلك به ومنهم من عولج منه في مستشفيات الدولة التي حرضوا ضدها وكفّروها) . موقف الشيوخ هذا أعاد ويعيد إلى الواجهة قضية إبعاد المجال السياسي وتدبير الشأن العام عن تدخل الشيوخ والفقهاء لأنهم يشكلون عائقا أمام الدولة والمجتمع . فالفقهاء في عمومهم لا يعيشون العصر الحالي إلا بأجسادهم بينما تفكيرهم وعقلهم لم ينفكا عن ترديد واجترار الفتاوى الفقهية التي سادت في القرن الرابع الهجري ، أي عصر الانحطاط . لهذا يضعون أنفسهم ضد تقدم الدول وتطور المجتمعات ، وجميعنا يتذكر مناهضة يوسف القرضاوي ، وهو كبير علماء المسلمين، لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية مطالبا بالإبقاء على الحجر والولاية على المرأة ومشددا على الإبقاء على تزويج القاصرات . فإذا كان هذا حال القرضاوي فكيف سيكون عليه حال بقية الفقهاء إلا من رحم ربك وهم قلة قليلة استطاعت أن تنفتح على المكتسبات الحضارية والاكتشافات العلمية وتجتهد بما يجيز الانتفاع بها والاستفادة منها .
ـ بماذا يمكن تفسير تصدي بعض رجال الدين للقاح والتشكيك وإعادة طرح التقابل بين العلم والدين والتعارض بينهما؟
منذ عصر الانحطاط والجمود شكل الفقهاء عائقا أمام تقدم الشعوب المسلمة وشدّدوا عليها أمور دينهم وحرّموا عليها الاكتشافات والإنتاجات العلمية وحاربوا بكل شدة الآراء الفقهية التي ناصرت العلم والمنطق والفلسفة . فالفقهاء سعوا دائما للتحكم في المجتمعات وضبط حركيتها خوفا على سلطاتهم الروحية والسياسية ولا يريدون أن يستغني عنهم المواطنون في حياتهم الخاصة والعامة . وازداد تشدد فقهاء التنظيمات الدينية إزاء انفتاح المجتمعات على العلوم والاحتماء بالطب في مواجهة وباء كورونا بعدما تأكد أن الأوبئة من اختصاص العلماء وليس الفقهاء . لقد أدرك الفقهاء أنهم فقدوا سلطتهم على المجتمعات أمام سلطة العلم ، وأن أصواتهم توارت خلف أصوات العلماء ذوي الاختصاص . وضعية لم يستسغها الفقهاء الذين وجدوا أنفسهم على هامش المجتمع وانتظاراته خصوصا بعدما انتشر الوباء وفرض الحجر الصحي الذي شمل الفقهاء أنفسهم ، فلاذوا بالتشكيك في مصدر الوباء وفي نجاعة اللقاحات . ويتصدر الهجوم على اللقاحات والتشكيك فيها فقهاء التيار السلفي الوهابي الذي ظل دائما مناهضا للعلم وللتقدم ولحقوق الإنسان . تيار لا يزال يؤمن بدوران الشمس على الأرض وانبساط هذه الأخيرة وثباتها . فهذا التيار يتغذى على الجهل ويشجع التعاطي "للرقية الشرعية" ويوصي بالتداوي ببول البعير ، ومن ثم لا يمكن الاعتداد بآرائه وفتاواه لأنها مخالفة للعقل وللعلم وللدين أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في العراق تؤكد أن الرعب آتٍ إ


.. ناشط أميركي يهودي يعلن إسلامه خلال مظاهرة داعمة لـ فلسطين في




.. 91-Al-baqarah


.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح




.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص