الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس المدنيّة الإلهيّة

راندا شوقى الحمامصى

2021 / 10 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


14 أبريل (نيسان) 1912
الخطبة المبارك( بكنيسة الصعود،
تقاطع الطريق الخامس والشارع العاشر، نيويورك

نقلا عما دوّنه أحمد سهراب وهاوارد ماكنات

هو الله
في معرض درسه الإنجيلي قرأ الدكتور المبجّل صباح اليوم آية من رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس تقول: "إنّكم لترون من وراء زجاجات ملوّنة وسيأتي يوم تواجهون فيه النّور وجهًا لوجه".
لقد كان نور الحقيقة في السابق يُرى خافتا من وراء زجاجات يعطي كل منها منظورا متباينا، ولكن الإشراقات الإلهية ستتجلّى من الآن خلال المرايا الصافية للأفئدة والأرواح المنيرة. ونور الحقيقة هو التعاليم السماوية والمبادئ الإلهية والأخلاق الرحمانية والمدنية الروحانية. ومنذ وصولي إلى هذه الديار وجدت المدنية المادية وقد ازدهرت بدرجة عظيمة، وبلغت التجارة نطاقا شديد الإتساع، ووصلت الفنون والزراعة وسائر مجالات الرقيّ الماديّ أسمى مراحل الكمال. في حين أن المدنية الروحانية قد أهملت. مع إن المدنية المادية هي بمثابة المصباح والمدنية الروحانية نور ذلك المصباح. فإذا ما تضافرت كل من المدنيتين المادية والروحانية معا يكون بمتناولنا كل من النور والمصباح، ويكون ما لدينا هو الكمال. ذلك لأن المدنية المادية مثل جسم جميل والمدنية الروحانية بمثابة روح ذلك الجسم وحياته. فإذا ما ظهرت هذه الروح في ذلك الجسد الجميل، سيكون الجسد وسيلة لنشر الكمالات الإنسانية وترقيتها.
ولقد جاء المسيح ليعلّم أهل العالم هذه المدنية السماوية لا المدنية المادية. ونفخ نفثات الروح القدس في جسم العالم، وأسس مدنية نورانية. ومن جملة مبادئ المدنية الإلهية التي جاء لينادي بها الصلح الأعظم بين بني البشر، ومن جملة ما نادى به من مبادئ المدنية الروحانية وحدة العالم الإنساني. ومن جملة ما جاء به من أسس المدنية الروحانية فضائل العالم الإنساني، ومن جملة ما أعلنه من مبادئ المدنية الملكوتية ترقية وتحسين أخلاق بني البشر.
إنّ عالم البشر اليوم محتاج إلى الوحدة العالمية والصّلح العمومي. ويلزم لإرساء هذه الأسس الجوهرية العظيمة قوّة دافعة. ومن الواضح أنّ وحدة العالم الإنسانيّ والصّلح العمومي لا يمكن تحقيقهما بواسطة الوسائل المادّيّة ولا يمكن تأسيسهما بواسطة القوّة السّياسيّة لأنّ المنافع السّياسيّة للأمم مختلفة وسياسات الشعوب متفاوتة ومتضاربة وكذلك لا يمكن إرساء قواعدها بواسطة القوّة العنصريّة أوالقوّة الوطنيّة لأنّ هذه القوى قوى بشريّة واهنة نابعة من الأنانية. ونفس اختلاف الأجناس والعصبية الوطنية مانع دون الاتّحاد والاتّفاق. ومن المؤكّد أنّ ترويج وحدة العالم الإنسانيّ هذه الّتي هي جوهر تعاليم المظاهر المقدّسة ممتنع بغير القوّة الرّوحانيّة وبغير نفثات الرّوح القدس. أمّا سائر القوى فهي ضعيفة لا تستطيع تحقيقهما. ويحتاج الإنسان إلى جناحين: أحدهما القوّة المادّيّة – المدنيّة الجسمانيّة، والآخر القوّة الرّوحانيّة والمدنيّة الإلهيّة. ولا يمكن الطّيران مطلقًا بجناح واحد بل يحتاج إلى جناحين ومهما ارتقت المدنيّة الجسمانيّة فإنّها لن تبلغ مرحلة الكمال بدون عون المدنيّة الرّوحانيّة.
وقد جاء جميع الأنبياء من أجل ترويج الفيوضات الإلهيّة وتأسيس المدنيّة الرّوحانيّة وتعليم الأخلاق الرّحمانيّة. إذًا يجب علينا أن نجهد بجميع قوانا حتّى تنتصر القوى الروحانية لأنّ القوّى المادّيّة قد تكالبت على البشر وأصبح عالم البشريّة غارقا في بحر من المادّيّات وصارت أنوار شمس الحقيقة تُشاهد خافتة ذابلة من وراء زجاجات غامقة اللون, ولم يعد الفضل الإلهيّ متجلّيا بتمامه.
لقد كانت هناك في إيران اختلافات شديدة بين الأديان والمذاهب. فظهر بهاء الله في تلك البلاد وأرسى قواعد المدنيّة الرّوحانيّة. وحقق الألفة بين الطوائف المختلفة وروّج وحدة عالم البشر ورفع راية الصّلح الأكبر. وكتب بهذا الصّدد رسائل خاصّة لكافة ملوك الدول ورؤسائها. وقبل ستّين سنة أبلغ أمره إلى رؤساء العالم السّياسيّين وقادته الرّوحانيّين ولهذا صارت المدنيّة الرّوحانيّة ترتقي في الشّرق وبدأت الوحدة الإنسانيّة والصّلح بين الأمم تتحقق بالتّدريج. وإنّي أجد الآن حركة قوية من أجل الصلح العموميّ نابعة من أمريكا. وآمل أن تنصب راية وحدة العالم الإنسانيّ بأقصى ما يمكن من عزم وثبات ليلتئم الشّرق والغرب بعضهما مع بعض التئآمًا تامًّا ويرتبطا ارتباطًا كاملاً وتتّحد قلوب الشّرق والغرب وينجذب بعضها إلى بعض ويظهر الإتحاد الحقيقيّ للعيان ويسطع نور الهداية، وتترائى التّجلّيات الإلهيّة يومًا فيومًا لينال العالم الإنسانيّ راحة كاملة وتتجلّى سعادة البشر الأبديّة وتصبح قلوب البشر كالمرآة فتسطع فيها أنوار شمس الحقيقة. ولهذا فرجائي منكم هو أن تجهدوا حتّى يشرق ذلك النّور - نور الحقيقة، وتظهر السّعادة الأبديّة للعالم الإنسانيّ.
وإنّي لأدعو الله من أجلكم حتّى تنالوا هذه السّعادة الأبديّة. وإنّني عندما جئت هذه المدينة سررت كثيرًا حين وجدت أهلها مستعدّين حقًّا للمواهب الإلهيّة ولديهم قابليّة للمدنيّة السّماويّة ولهذا فإنّني أدعو لكم بالفوز بجميع الفيوضات الرّحمانيّة وأقول:
يا إلهي الرّؤوف إنّ عبدك هذا قد توجّه إلى الغرب من أقصى بلاد الشّرق لعلّ نفحات عنايتك تعطّر مشام هذه النّفوس ويهبّ نسيم حديقة الهداية على هذه الممالك وتستعدّ النّفوس لقبول ألطافك وتستبشر القلوب ببشاراتك وتشاهد الأعين نور الحقيقة وتنال الآذان نصيبًا من نداء الملكوت. إلهي أنر القلوب واجعلها يا ربّي الرّؤوف غبطة حدائق الورد والرّياحين يا محبوبي الفريد هبّ نفحات عطائك وأشرق أنوار الإحسان حتّى تصبح القلوب طاهرة نقيّة وتنال نصيبًا من تأييداتك. فهذا الجمع سائرٌ في طريقك وآملٌ أسرارك ليرى وجهك ويقتبس من خصالك. فابذل يا إلهي الرّؤوف ألطافك بذلاً وأبح لهم كنز الهداية لينال هؤلاء المضطرّون أملاً ورجاءً. إنّك أنت الرّؤوف وإنّك أنت المعطي العليم القدير.(عبدالبهاء)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر