الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجماعات الاسلامية والصيد فى الماء العكر

محمد فُتوح

2021 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الجماعات الإسلامية والصيد فى الماء العكر
---------------------------------------------
كلما قرأت تصريحاً جديدا للجماعات الإسلامية ، أو تكشف لى نشاط مستحدث لأعضائها ، أو جاء إلى علمى زحف جديد لقواتها المتأسلمة فى أى مكان ، كلما شعرت بالأسى والمرارة . وأجدنى أتساءل السؤال الصعب ، الذى إما نهرب منه أو نتجاهله أو نقلل من أهميته وجدواه فى التشخيص ، وبالتالى فى إيجاد العلاج ، والسؤال : كيف تسلل هذا الزحف ؟.
ولكننى أعتقد أنه قد آن الأوان ، لمواجهة ذاتية بشجاعة ، نبتغى بها " وجه الوطن " دون منافع ، ونعترف أننا كلنا متورطون ، بشكل أو بآخر ، بدرجة أو بأخرى ، فى فتح حدود الوطن لهذا الزحف الاستعمارى المتأسلم .
كلنا " متورطون " بشكل أو بآخر ، بدرجة أو بأخرى ، حسب مواقعنا ، فى فتح عقولنا لهذا الفكر الفاشى الذى يرتدى لنا – حتى نرتدع ونخاف – كلام الله وحدود الله وأحكام القرآن ، وحتى الصمت والسلبية وعدم التدخل ، هى من أخطر أنواع التورط .
كنت أقول أننى كلما علمت باختراقات جديدة ، للجماعات الإسلامية ، كلما شعرت بالأسى والمرارة . فى الوقت نفسه أشعر بالإشفاق الشديد عليهم ، رغم كل الأرواح التى ذهبت ضحايا الذبح والقتل والتنكيل والتعذيب ، ورغم إشاعة مناخ الإرهاب والتهديد والتكفير والتطرف ، وإرجاعنا إلى الوراء مئات السنوات.
إشفاقى على الجماعات الإسلامية ، ينبع من ثلاثة أسباب ليست منفصلة عن بعضها البعض.
أولاً : هذه الجماعات الإسلامية لا تدرك أن نجاحها فى اختراق العقول وبث الفكر المتزمت ، المتعصب ، المتطرف ، واستجابة الناس لخطتهم فى " أسلمة " كل شىء فى الحياة ، لا يعنى اقتناع الناس بهم اقتناعاً راسخاً سوف يدوم.
ولكنه يعنى شيئاً واحداً ، أن هؤلاء الناس الضحايا الذين تم استقطابهم يعانون من حالة "حادة " من " الخواء الداخلى " ، وحالى مذرية من الفراغ الفكرى ، وحالات مرضية متباينة فى الدرجة من فقدان الذات وفقدان الهدف من الحياة ، وكذلك جميع أشكال السأم والإحباط ، والإكتئاب ، والعجز النفسى ، والعجز الجنسي ، والإنسانى والعاطفى ، وغياب الماء النقى ، الصحى ، الذى يروى ويملأ الإناء الفارغ للشخصية المهزوزة المنهزمة أمام ذاتها ، وبالتالى أمام الآخرين.
كان إذن المناخ مواتياً لتلك الجماعات الإسلامية المنظمة ، ذات الهدف الواضح ، والممولة من كل القوى السياسية الديكتاتورية ، الرجعية ، التى تعرف أنها تسيطر ولن تحكم ولن تزدهر ، إلا بقيام الدولة الدينية وإحياء النعرات الدينية المتطرفة ، التى تغرق الناس إلى حد القتل ، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو هندوسية أو بوذية أو كونفوشيوسية . فالأصولية الدينية هى " مافيا " عالمية ، و " شبكة بيزنس واستثمار " دولية ، وعلى أيدى هذه الجماعات ، تحولت الأديان كلها ، إلى سلعة أو بضاعة رائجة ، الطلب عليها مضمون ، والربح أيضاً مضمون.
وهى كما أوضحنا ، ليست مقتصرة على الإسلام ، أوعلى الديانات السماوية الثلاث ، ولكنها " وباء " أصاب جميع العقائد والديانات والمذاهب والطوائف والملل ، جماعات تلعب دائماً على أزمات الشعوب ، ولا تتجرأ على الظهور ، إلا فى مناخ يوصف أنه " الصيد فى الماء العكر".
وقد يشبه هذا الوضع ، عندما استجاب الشعب الألمانى فى ثلاثينيات القرن الماضى ، لأستاذ التدمير العالمى وزعيم مجرمى الحروب ، هتلر ، الذى أزكى فى الشعب روح العنصرية بشعاره الجنس الألمانى الآرى المتفوق على كل الأجناس ، وبالتالى لابد من تطهير ألمانيا من الأعراق والأجناس الأخرى الدخيلة . فقد كانت استجابة الشعب الألمانى لهذه الدعوة العنصرية العدائية ، حلاً موائماً للفراغ والخواء وفقدان الهدف الذى كان يعانى منه ، الا هدف استعادة حلم الامبراطورية القديمة ، تفكير سلفى من الدرجة الأولى , وهكذا أطلق هتلر أكذوبة الفاشية السياسية ، الجنس المتفوق ، واختاره الشعب
الألمانى بارادته فى انتخابات حرة . تغيرت الظروف ، ومعها الشعب الألمانى ،
وكان أول منْ رفض نازية هتلر المنهزمة المفضوحة ، والتى كانت " دينا " راسخا ، وصمم على بناء ألمانيا جديدة ، وتأسيس علاقات مع دول العالم ، تنبذ الكراهية ، والغطرسة ، والتعصب ، وأوهام السيطرة ، التى اشتغل عليها النظام الفاشى .
إذن معنى هذا، أن بتغير ظروف الناس الذين استقطبتهم الجماعات الإسلامية ، والتى جعلتهم ينساقون لها ، سوف يزول تأثير هذه الجماعات ، لأن نجاحها ليس مرتبطاً بعوامل أصلية ثابتة ، ولكن بظروف وقتية متغيرة ، واستغلالاً لأزمات يعانى منها الشعب ، نفسية أو اقتصادية . فإذا عولجت أزمات الناس بشكل سليم ، أدركوا الحقيقة واستطاعوا التمييز بين حب الله والتجارة بأسم الله . ولن تعد هناك حاجة لأن يخفوا أزماتهم فى التعصب الدينى والتطرف والتزمت ، وسوف تزول الحساسية الشديدة التى تغلف الكلام فى الدين ، واختلاف الرؤى حول تفسيراته وغايته.
ثانياً : أشفق على الجماعات الإسلامية أنها لا تدرك أنها ، قصر عمرها أو طال ، فإنها تعمل ضد قوانين الحياة وحكمة الوجود ومنطق الكون ، وهذا هو السبب الأقوى الذى يحفر قبرها ، فهى لا تهدد مجرد كاتب ، ولا تغتال صحفيا ، ولا تقتل مجرد حاكم . إنها تهدد الحياة نفسها ، تقتل الوجود نفسه ، وتغتال الكون نفسه. وإذا كانت المعركة ضد الحياة ، فإن الحياة فى النهاية تنتصر ، مهما طال الوقت ومهما دفع الثمن أُناس أبرياء.
ثالثاً : أشفق على الجماعات الإسلامية ، لأن أعضاءها معقدون من النساء ، حيث تنصب كل محظوراتها وتزمتها وتعصبها وتطرفها ، لحماية الأخلاق والفضيلة والشرف ، وهى مرهونة فقط بسجن وقهر المرأة خاصة جسدها. لا كلام عن الاقتصاد أو الفلسفة أو حل الفقر . ، كل الفتاوى الإرهابية المتزمتة ، وكل الانشغال بأجساد النساء . والحجة هى الدفاع عن الأخلاق والفضيلة والشرف .
وهنا لا يسعنى الا أن أتذكر ، تشرشل حينما قابل الكاتب الساخر الأيرلندى برنادرشو ، فقال له فى تكبر يستهدف إعلاء الشعب الإنجليزى وتحقير الشعب الأيرلندى : " نحن الإنجليز نحارب من أجل الشرف ، أما أنتم أيها الأيرلنديون فتحاربون من أجل الفلوس ".
ورد عليه برناردشو بسخريته الهادئة المعهودة ، قليلة الكلام ، بليغة الدلالة :
" كل قوم يحارب من أجل ما ينقصه ".
من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002
-----------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال