الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لزوم الحضارة ؛ متحضّرون

وهيب أيوب

2021 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في العام 1937 علِمَ الصينيون أن اليابان ستقوم بمهاجمة الصين، وكان وسط العاصمة بكين مدينة تُدعى "المدينة القرمزية المُحرّمة" وهي عبارة عن متحف ضخم تحوي في داخلها أكثر من مليون قطعة أثرية نفيسة وآلاف اللوحات الفنية والتماثيل القديمة والكتب والمخطوطات التي تحوي تراث وتاريخ الصين. وقد ساهم في بناء تلك المدينة مليون عامل على مدى خمسة عشر عاماً في القرن الخامس عشر، ولتفادي نهب وتدمير تلك الآثار من قِبل المحتل الياباني، قام الصينيون بتحميل المليون قطعة أثرية كاملة ونقلها في آلاف الصناديق على ظهور الحمير والبغال إلى مدينة شنغهاي ومدن أُخرى لإبعادها عن أيدي اليابانيين الذين كانوا غاية في الهمجية والوحشية أثناء غزوهم للصين، وبعد انتهاء الحرب العالمية عام 1945، وهزيمة اليابان وخروجها من الصين، أعاد الصينيون جميع تلك الآثار إلى متاحف المدينة المحرّمة، وفي عام 1987 أدرجت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية (يونسكو) المدينة المحرمة ضمن لائحة "التراث الثقافي العالمي" ويزورها سنوياً 15 مليون سائح.
أردتُ من هذي المقدمة إلقاء الضوء على كيفية اهتمام وتعامل الشعوب في حرصها على إرثها الحضاري والحفاظ عليه، وذلك من خلال شعور تلك الشعوب بارتباطها وانتمائها لجذورها الحضارية التاريخية.
وما دفعني لذلك هو إجراء مقارنة بين سلوك الشعب الصيني في تلك المرحلة من احتلال اليابان للصين، وما جرى في العراق بعد الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين، وكيف أن الجموع الغوغائية الهائجة من العراقيين هاجموا المتاحف التي تحوي آثار أقدم حضارات في التاريخ، السومرية والبابلية والآشورية، وخرّبوها ونهبوا كل محتوياتها، هذا بدل حمايتها والدفاع عن هذا الإرث الحضاري الضارب في أعماق التاريخ.
كما اقتحموا مباني الوزارات وقاموا بتخريبها ونهب كل ما فيها من محتويات، حتى الكراسي والطاولات والمكاتب والمزهريات، وكل ما وقعت عليه أيديهم من الأثاث، تلاها قيام "داعش" والحركات الأصولية الإسلامية الإرهابية بتدمير وتحطيم ونهب كل ما وصلت إليه أيديهم الآثمة من تماثيل وأوابد تاريخية حضارية قديمة وكتب ومخطوطات.
المقارنة والمقاربة الثانية، هو أنه في ذات العام 1937؛ نشبت حرب أهلية في أسبانيا بين الجمهوريين والقوميين بقيادة الجنرال الفاشي المعروف فرانكو، وفي إحدى المعارك كاد جيش فرانكو أن يُهزم، فتحصّنوا داخل متاحف وقصور أسبانية تحوي التراث الحضاري الأسباني القديم، لكن الجمهوريين رفضوا قصفهم في تلك الأماكن، حرصاً على عدم تدميرها، مما أدى إلى خسارتهم المعركة.
بينما في سوريا، وأثناء حرب النظام الأسدي الفاشي على مناوئيه، قام بقصفهم في القلاع والأماكن الأثرية، كما قصف السوق الأثري القديم في حلب وتدميره وحرقه بشكل كامل دون أن يرف له جفن، وتابعت من ناحية أُخرى أيضاً الحركات الإسلامية الإرهابية "داعش" و"النصرة" وسواهما في تدمير ونهب الآثارات القديمة وتحطيم كل التماثيل والأعمال الفنية القديمة التي استطاعوا الوصول إليها، كما قطعوا رأس تمثال الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري، كما دمّروا العديد من الكنائس ومحتوياتها في سوريا والعراق.
كما لا ننسى تفجير وتدمير تمثال بوذا الضخم في أفغانستان رغم مناشدة كل العالم، من قبل حركة "طالبان" الإسلامية الإرهابية.
إن خلاصة كل تلك الأحداث وهذا السلوك، يُفسّر مدى معاداة المسلمين للحضارات التي سبقتهم والتي تلتهم، وسلوكهم العنصري تجاه باقي الأديان، وأنهم لا يعترفون سوى ما أسموه "الحضارة الإسلامية" والتي أثبت المسلمون أنفسهم؛ بأنهم لم يُنتجوا أي حضارة إنسانية عبر تاريخهم، ولا هُم أنفسهم مُتحضّرون، وجُلَّ اهتماماتهم في المساجد والحسينيات والصوامع الدينية وقبور الأولياء والصحابة والأئمة المسلمون والكتب الدينية!
ولا غرابة في سلوكهم هذا اليوم، فقد بدأوا تاريخهم الإسلامي أثناء غزواتهم واحتلالاتهم؛ بتدمير الآثارات والمكتبات وحرق الكتب أو رميها في الماء، في بلاد فارس ومكتبة الإسكندرية في مصر، وتدمير معظم المعابد الهندوسية في الهند.
ولهذا يُصبح واضحاً وجليّاً؛ أن لا حضارة دون مُتحضّرون، ولا مستقبل لمن ينبذون الحياة ويُعادونها ويعشقون القبور!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حماية الآثار
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 28 - 08:08 )
هذا التخريب والامبالات للآثار يأتي نتيجة انتماء الشعب العراقي الى مذاهبهم الدينية وليس انتمائهم الى الوطن ، فالحس الوطني معدوم لذلك لا يهتم احد للآثار لأن الشعب مشغول في زيارات للقبور والأحتفال بذكرى الأموات وتقديس جثثهم ، وإن كان رئيس الدولة السابق في احد خطاباته يقول سنترك العراق أرضاً خربة بلا شعب ، فكيف نترجى من الشعب ان يحمي آثاره ؟ وكما يقول المثل الشعبي السمچه (السمكة) تخيس من راسها ، والحق يقال ان الشعب الكردي في العراق اكثر وعيا ًوانتماءاً وتمسكاً بتربة العراق من باقي الشعب العراقي والدليل ان شمال العراق اصبح معْلَم سياحي متقدم ، تحياتي اخ وهيب


2 - تعقيب
وهيب أيوب ( 2021 / 10 / 28 - 11:51 )
أشكرك على مداخلتك أخ عبد الفادي ، للأسف هذا هو واقع شعوب المنطقة ، الانتماءات طائفية ومذهبية ، والشاعر العراقي معروف الرصافي لم يُخطئ عندما قال :لا يغرّنك هتاف القوم بالوطن
فالقوم بالسر غير القوم بالعلن !

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24