الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان هو الحل الوحيد

ميشيل نجيب
كاتب نقدى

(Michael Nagib)

2021 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نعيش فى عالم يسمى بالعالم العربى يتقهقر يوماً بعد يوم إلى الوراء حيث التراث والأساطير البدائية التى تحولت مع ‏الزمن إلى ثقافات، تلك الثقافات هبطت بقيمة الإنسان إلى الحضيض وتهاوت أعماله وأفعاله إلى مستوى الحلال والحرام، ‏مما أدى إلى مجتمع مستهلك لأدوات الحداثة لكنه رافض لتلك الحداثة تحت زعم أنها تخفى بين طياتها الفساد الأخلاقى ‏والتأمر على المجتمعات العربية لغزوها، وهى حالة تدل على ضعف التفكير وفساد الثقافة القائمة فى تلك المجتمعات التى ‏تخشى التغيير والإنفتاح على الآخر، ومن كثرة الحديث عن خصوصيات تلك المجتمعات العربية أعتقد البشر بمساعدة ‏رجال الدين أن أخلاقهم الخاصة تتفوق على أخلاق الآخر، مما يعنى ويقال لهم أنهم ليسوا فى حاجة لحداثة ومدنية ‏الآخر رغم أنهم يعيشون على علوم وتكنولوجيا ومنتجات هذا الآخر الذى يتهمونه بالفساد.‏

وسط هذا الجو الملئ بالغموض والأفكار المريضة التى تتآمر على المجتمعات العربية بأسم الدين ورغم كثرة الشعارات ‏الأستهلاكية، فإنى أحاول الوصول إلى أصل المشكلة التى تم تغييبها عن الحوارات التى تهدف إلى حلول لتلك المشاكل، ‏الإنسان هو الحل هى دعوة لرد الأعتبار لهذا الكائن الحى الذى فقد قيمته وإحترامه لحياته الإنسانية، وأعتبر قادة ‏المجتمع أن الإنسان عليه الألتزام بحدود لا يحيد عنها لأنه غير قادر على معرفة الصالح والطالح الخير والشر إلا ‏بمساعدة كائنات الثقافة الغيبية التى يتحكم فيها رجال أعطوا لأنفسهم الحق فى إهدار دم من يرونه خرج عن مبادئ ‏قوانينهم الشخصية الغيبية التى يخططون لها لتحقيق مصالحهم للتحكم أكثر وأكثر بتقزيم وتمزيق هوية الإنسان وسط ‏التواطؤ العلنى من رجال السياسة مع الدول الخارجية والخاسر الوحيد هو الإنسان.‏

الإنسان هو القادر الوحيد على تحرير نفسه ومجتمعه من الفساد والمفسدين متى ألتزم وأعتقد صدقاً بأن حقوقه هى ‏نفس حقوق الآخرين ، ولكى يحصل عليها يجب أن يناضل من أجل أن الآخرين يحصلوا عليها مثله دون زيادة أو ‏نقصان، هذه هى القاعدة الوحيدة للنجاح وإذا تنازل الإنسان عنها لأفكار وثقافات ظلامية تحتكر الحرية والهوية والحقوق ‏والسلطة بأعتبارهم أغلبية وتمنعها عن آخرون لأنهم أقلية، هنا تبرز وتكشر عن أنيابها العنصرية العرقية والدينية فى ‏تمييزها بين البشر، الإنسان هو مصدر التغيير متى آمن بنفسه وما يملكه من طاقات ومعارف وعلوم يستطيع بها تغيير ‏واقعه المظلم الذى يتخبط ويتلاطم فى بحار الخرافات والأساطير التراثية، الإنسان هو الوحيد القادر على كشف ضلال ما ‏يتحكم فى ممارساته اليومية من سلبيات وينأى عنها وينتقى لنفسه مصادر التنوير الحقيقية التى تستطيع قيادته وإرشاده ‏لطريق التقدم الإنسانى ومدى أختلافه عن طريق التأخر والتخلف الموروث، فالإنسان متى أُطلق سراحه من سجون ‏الثقافة الظلامية القاتلة لإبداعاته وثقافاته الإنسانية، ومتى تحرر من القيود التى تعوق حرية تفكيره فإنه يستطيع تحرير ‏مجتمعه من الطبقات والفئات الضالة التى تسيطر على مصيره بالأفكار الرجعية الغيبية والإنطلاق إلى صنع حاضر ‏ومستقبل جديد يعيد له إنسانيته التى تتساوى مع جميع البشر.‏

الإنسان هو القادر الوحيد متى أستطاع تحصيل علوم ومعرفة العصر أن يختار ويطبق الديموقراطية بالطريقة التى تناسب ‏بيئته ودرجة ثقافة مجتمعه أو يرفضها متى كان الشعب جاهلاً ولا يملك الثقافة الكافية بالواقع العصرى وكيف يسير، إن ‏التطاول والنيل وإهدار حقوق الإنسان بأسم الأديان والأيديولوجيات الدكتاتورية الآلهية الآتية من عمق التراث هو أكبر ‏مؤشر على الأنحطاط والإزدراء بقيمة الإنسان الحالى، الذى تتراجع معه المجتمعات وتتكاثر مشاكلها لأن إنسان تلك ‏المجتمعات لا يؤمن بفاعلية قيمته الإنسانية وقدرته على العمل وصنع الحلول الصالحة التى تتوافق مع بيئته، لأنه ‏إنسان وفقاً لثقافة ذاك التراث جزء من قطيع العبيد التى يقودها الحاكم بالعصى والويل لمن عصى.‏

الإنسان هو الحل عندما يستطيع أن يعيش فى وطنه مواطن لا لون ولا جنس ولا دين ولا عرق له إلا حقوق المواطنة ‏وهوية الوطن، لكن إذا توحشت أفكار ظلامية إستفزازية هدامة تريد الأستئثار بالوطن لتصنع الفتنة والطائفية والتمييز ‏العنصرى، هنا بكل تأكيد سيسقط هذا المجتمع ومؤسساته فى الفوضى وجرائم الكراهية التى لا نهاية لها، إن هياج القطيع ‏الظلامى وأستخدامه للعنف والإرهاب الفكرى سيستمر إلى حين، فالنخبة المجتمعية فشلت فى قيادة وتثقيف الإنسان ‏بدوره الهام فى هذه المرحلة التى تطول أو تقصر تبعاً لسرعة أمتلاك الثقافة والمعرفة التى تعطيه القدرة على التمييز بين ‏الغث والسمين فيما يدور فى الشارع السياسى.‏

الديموقراطية ليست الحل والعلمانية ليست الحل بل هى مجرد وسائل تساعد الإنسان على الحل، إن الذات الإنسانية فى ‏تصميمها العقلى تملك الكفاءة للأستقلال بأفكارها وإبداعاتها عن الأفكار الغيبية الثابتة الموروثة منذ مئات السنين التى ‏عبرت عن ذات إنسانية تعيش فى زمان ومكان يفتقر إلى الإبداع لإنغلاقه ولإنعزاله عما حققه الإنسان من أعمال فى ‏العالم الخارجى أى خارج خيمته وبقعته الصحراوية، وأستمر يدور حول نفسه يخترع تماثيل للآلهة ويعبدها والدوران ‏حولها فى طقوس روتينية، ووصل به إيمانه إلى أن آلهته هى التى تنزل الأمطار من السماء وعليه أن يدعوها ويصلى ‏إليها طالباً هطول الأمطار عندما تجف أرضه أو صحرائه، ولم يستجيب أى إله لدعواتهم وكل هذا يقول صراحةً أنها ‏دائماً أفكار إنسانية ينسبها الإنسان لعوالم أخرى غيبية لا وجود لها لإكسابها صفة القداسة لإخضاع الآخرين لها.‏

إن أساليب الحكم كثيرة ومنها الديموقراطية والدكتاتورية والحكام السياسيين فى مقدورهم الأخذ بالأولى ورفض الثانية أو ‏العكس، لأن الإنسان هو القادر على صناعة نظام حكمه سواء كان دكتاتورياً أو ديموقراطياً، ويتوقف نجاح هذا أو ذاك ‏على المستوى المعرفى والثقافى لأفراد المجتمع وأى نوع من الثقافة أو المعرفة سائدة هل هى تنويرية أم ظلامية، وإذا ‏كانوا يستخدمون عقولهم وثقافاتهم أم لا فى تشريع القوانين والأخذ بنظم الإدارة الحديثة التى تساعد على النهوض ‏بالمجتمع وتفتح آفاق المعرفة أمام الجيل الصاعد الذى يعيش على مبدأ المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات ‏والحريات، ولا فرق بين أفراد المجتمع بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة لأن الكل واحد متساوون أمام دولة ‏القانون التى هى دولة الإنسان المكون الوحيد لأى دولة وبدونه لا وجود للدول والمدن والقبائل.‏

إن ضجيج المصطلحات والشعارات الغير إنسانية غرضها الوحيد قتل الإبداع والعبث بقدرات وطاقات الإنسان الذى صنع ‏الحضارات فى فترات التاريخ المختلفة ومع الحضارات كانت تعيش الأساطير الخرافية التى كان إنعكاساً للضعف الذى ‏يعانيه من يبتكرها ويحاول تقليد رموز الحضارة الكبيرة بصنع تلك الخرافات الأسطورية، وهذا الكلام يحتاج إلى التأمل فيه ‏للتأكد من مدى مطابقته للواقع التاريخى لأنها فى النهاية أعمال إنسانية بغض النظر عن قيمتها الثقافية والتاريخية، مما ‏يلقى على هذا الجيل مسئولية النظر بعيون ثاقبة وعقول متفتحة لإكتشاف أن الإنسان هو الحل الوحيد فى كل عصر ‏وزمان ومكان وكان الوحيد الذى صنع الرفاعية والامن والسلام بقدر ما صنع الإرهاب والحروب والمجازر الدموية. ‏

فالواجب على الإنسان أن لا يحصر ولا يقيد تقدمه وتمتعه بالحرية والعدالة والعيش الكريم بقوانين للعقوبات تم تطبيقها ‏فى عصور الظلام والجهل وغياب الحقوق الإنسانية، والنظر لتلك العقوبات فى جوهرها أنها لم تكن لتحقيق العدالة بقدر ‏ما كانت إنتقاماً من الأشخاص المرتكبين للجرائم لأنها مبنية على تشويه إعضاء وجسد الإنسان، أى أنها عقوبات لا ‏تحترم كرامة الإنسان وكانت تتلائم مع البيئة التى نشأت فيها، بيئة لم يكن لها نوافذ معرفية لتفتحها على البلاد المجاورة ‏فى ذلك الزمان وما كان يمارس فيها من قوانين حضارية وضعها أيضاً إنسان ذلك الزمان مع الفارق بين القوانين البدائية ‏التى تشوه الجسد إنتقاماً وبين القوانين الحضارية التى تنظر إلى الإنسان بأعتباره كائن حى له الحق فى الحياة وليس فى ‏إهدار كرامته وخلق بشر معاقة جسدياً ومعنوياً. ‏

عندما نؤمن بأن الإنسان هو القادر والعليم والمنقذ والمنفذ للخطط والحلول العملية لمشاكله، ساعتها سينجح الإنسان فى ‏الخروج من أزماته ووضع قدميه على سلم الرقى والتقدم بمجتمعه ليكونوا فى مصاف المجتمعات الإنسانية التى تحترم ‏عقل الإنسان وتترك له حرية صنع مستقبله، لذلك إذا تمسكنا بمبدأ الإنسان هو الحل سنعبر حدودنا الضيقة التى ‏صنعتها الأنظمة الشمولية والعقائد الغيبية نحو أفاق رحبة قوامها الإنسان الحى.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة