الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة الاجتماعية وارتباطها الوثيق بالخير العام.قراءة في الفكر الكنسي

سلطان الرفاعي

2006 / 8 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تميز القرن الحالي بازدهار حقيقي في الفكر الكاثوليكي في ما يتعلق بالسلوكيات الاجتماعية . وبالحاح مستمر على أهمية العدالة الاجتماعية . وان الكنيسة في موقفها هذا تنطلق من تقديرها العميق للانسان وتهدف الى الدفاع عنه ، وتحسين أوضاعه، واحترام أبعاد حياته المختلفة ، لأنه الغاية التي يصبو اليها كل مجهود بشري .((وانما ينبغي لنا، منذ الآن، ألا يفوتنا ما هو بمثابة اللحمة ، بل بمثابة الدليل، نوعا ما، لهذه الرسالة وللتعليم الاجتماعي الكنسي برمته : انه التصور الصحيح للانسان ولقيمته الفريدة )).
(( فليعتبر الجميع وليحسبوا أن التضامن الاجتماعي هو من أهم واجبات انسان اليوم ، وليقوموا به--)).
وتفترض العدالة الاجتماعية((مساواة البشر في الكرامة، والوصول الى أوضاع حياة عادلة وأكثر انسانية . فعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة، سبين أعضاء العائلة البشرية الواحدة وشعوبها ، تُثير الشك وتقف عقبة في وجه السلام الاجتماعي والدولي)).

ان مفهوم العدالة الاجتماعية مرتبط ارتباطا وثيقا بالخير العام، بل وانه أحد وجوهه الأساسية . وفي بعده الاجتماعي ، نلاحظ أن الكنيسة لا تدعي امتلاك الحل الأمثل لمشاكل الانسان الاجتماعية ، ولا تدعي عرض نموذج اقتصادي واجتماعي يُحتذى به، بل انها تُقدر كل مجهود يتم للتقدم نحو احترام كل شخص وكرامته وحقوقه الفردية والجماعية ، و((تعترف أيضا بكل ما هو خير في الحياة الاجتماعية الحالية ، خاصة في الحركة التي تهدف الى الوحدة)) في التقدم نحو اشتراكية صحيحة وفي التضامن على المستوى الوطني والاقتصادي. ولكنها ، انطلاقا من نظرتها الى الانسان وفهمها لرسالة الانجيل، تدين كل ما يحط من شأن الانسان ، فتدافع عن كرامته وحريته.
وبالتالي فالكنيسة ، عندما تعرض فكرها الاجتماعي ، ترغب في عرض توجيه فكري لا يمكن الاستغناء عنه ، بل ويساعد الأنظمة السياسية والاقتصادية كافة على مراجعة منهجها وتنقية مسارها من كل ما يُنقي البعد الشسخصي للانسان واحترام كرامته ، أو يكبل حريته، بأنماط استهلاكية ، أو يفرز شرائح من الفقراء والهامشيين .
يؤيد تحليل الأحداث في المجتمعات الشيوعية والرأسمالية على حد سواء وجهة نظر الكنيسة هذه ، فهو يعزز رفضها الصراع الطبقي والعنف بين الدول . والكفاح الوحيد الممكن هو الكفاح (الجهاد) من أجل العدالة الاجتماعية ، لأن الكنيسة ((تدرك جيدا أن صراع المصالح بين أطراف اجتماعية مختلفة هو ظاهرة حتمية في التاريخ ، وأنه على المسيحي، غالبا، أن يقف منه موقفا حازما ومتماسكا . ونُعلم على الجميع أن الرسالة في (العمل البشري) قد اعترفت صراحة بشرعية الصراع ، اذا اتخذ (صفة الكفاح لأجل العدالة الاجتماعية). فالتصور المسيحي لمفهوم الشخص يولد حتما رؤية سليمة للمجتمع . فالمزية الاجتماعية في الانسان ، في نظر الشؤون الحديثة ، والتعليم الاجتماعي برمته ، لا تذوب في الدولة ، بل تتحقق ضمن جماعات وسيطة ، بدءاً من الأسرة ووصولا الى الوحدات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وكلها منبثقة من الطبيعة البشرية نفسها ، وتتمتع -ضمن حدود الخير العام- باستقلاليتها الذاتية .وبالتالي يُدار صراع القوى والمشاكل بالعقل واحترام القانون ، ويؤدي الكفاح السلمي الى الديمقراطية ، وهذا ما وضح في انهيار الكتلة الشيوعية التي أُقيمت على الايديولوجيا الشمولية والتسلط باستعمال العنف .
((في كل مكان تقريبا، سقطت كتل وانهارت امبراطوريات بفعل كفاح سلمي لم يستعمل سوى أسلحة الحق والعدل . فبينما الماركسية تنادي بتأجيج المناقضات الاجتماعية للتمكن من حلها في صدام عنيف ، نرى أن الكفاحات ، التي أدت الى انهيار الماركسية ، لا تزال تصر على استعمال جميع وسائل التفاوض والحوار والشهادة للحق ، مناشدة ضمير الخصم وساعية الى أن توقظ فيه معنى الكرامة البشرية )).

وفي بعده الاقتصادي ، وان وافقت الكنيسة على الاقتصاد الحديث القائم على حرية السوق ودور الربح بصفته دليلا على حسن سير المؤسسة ، غير أنها تصر على أنه ليس هو الدليل الأوحد لحالة المؤسسة وأنه ((لا بد من أن نضيف اليه اعتبارات أخرى تراعي العوامل البشرية والسلوكية . وهذه، في المدى البعيد ، لا تقل أهمية لحياة المؤسسة )). كما تُشير الكنيسة أيضا الى مخاطر الاقتصاد الحر على تنمية سلوكيات بعينها تفرض أنماطا استهلاكية تُفرز حاجات جديدة ، وتُدخل الأفراد في دائرة تلبية هذه الحاجات المتجددة فتمنعه بالتالي من الوصول الى النضج الانساني . ((فاذا عنينا بالرأسمالية نهجا اقتصاديا يعترف بالدور الأساسي والايجابي للمؤسسة والسوق والملكية الخاصة وما تفترضه من تحمل مسؤولية وسائل الانتاج ، وللابداعية الانسانية الحرة في النطاق الاقتصادي ، فالجواب هو ايجابي بلا مراء-----ولكن ، اذا عنينا بالرأسمالية نظاما حيث الحرية في المجال الاقتصادي لا تُسيجها قرائن قانونية تجعلها في خدمة الحرية البشرية الكاملة ، وتعتبرها مقوما خاصا من مقومات هذه الحرية المتمحورة حول الأخلاق والدين ، فالجواب اذا هو سلبي واضح)).
((اذا أُخذت السوق والمؤسسة بروح ايجابية ، فلا بد وأن يوجها نحو الخير العام وأن يراعيا حقوق العمال في احترام كرامتهم والاشتراك الواسع في حياة المؤسسة . وعلى جانب آخر ، فلا بد وأن يؤمَن هذا النظام الاقتصادي زوال الحواجز التي تفصل بين الدول ويضمن للجميع، أفرادا وشعوبا، الشروط الأساسية للوصول الى الاندماج في حركة التطور . ويراعي أيضا بشكل أخص الانتباه الى كل من يحتاجون الى الحاجات الأساسية دون نسيان حقوقهم في العدل والحق ، وتحصيل المعارف وانماء مؤهلاتهم لتعزيز طاقاتهم وثرواتهم الشخصية . فقبل الاهتمام بضرورة المبادلات المتوازنة ، وما يجب أن يسودها من وجوه العدل ، هناك مقتضى الانسان من حيث هو انسان يتمتع بكرامة سامية . هذا المقتضى يفترض، في آن واحد، القدرة على الاستمرار في الحياة ، والمساهمة الفاعلة في الخير العام)).
----------------------------------------------------------
تُعلم الكنيسة اليوم أكثر منها في أي وقت مضى ، أن بلاغها الاجتماعي لا تقوم مصداقيته على تناسقه ومنطقه الباطن بقدر ما يقوم على شهادة الأعمال . ومن هذا اليقين ينبع خيارها وايثارها للفقراء ، ولكن من دون أي استبعاد أو استثناء لفئات أخرى . فخيار الكنيسة لا يتناول الفاقة المادية فقط : فهناك، على ما نعلم ، أشكال كثيرة من الفقر ، ولا سيما في المجتمع المعاصر ، تلم بالثقافة والدين كما تلم بالاقتصاد . فحب الكنيسة للفقراء ، وهو من مزاياها الجوهرية ومن تقاليدها الراسخة ، يهيب بها الى حيث الفقر آخذ في التضخم بشكل ذريع ، برغم التقدم التقني والاقتصادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: يجب أن نقضي على -حماس- كما فعلنا مع -بن لادن-


.. يحيى سريع: نفذنا عملية مع المقاومة الإسلامية بالعراق ضد هدف




.. عشرات اليهود الحريديم يغلقون شارعاً في تل أبيب احتجاجاً على


.. بابا الفاتيكان يحذر من تشريع المخدرات ويصف التجار بـ-القتلة-




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: المسلمون خائفون واليهود منقسم