الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة الله في التصوف الكابالي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
١٠١ - فكرة الله في الكابالا

الله هو إين سوف Eyn Sof باللغة العبرية אין סוף، يترجم حرفيا، بـ "بلا حدود"، "بلا نهاية"، وعلى نطاق أوسع "اللامتناهي" أو « infini ». يؤهل الكابالا بهذا المصطلح الجوهر الخفي المتعالي الذي لا يمكن نطق إسمه المقدس - HaShem - هاشم. إين سوف هو الجوهر الأسمى، مبدأ المباديء، أصل الأصول، وسبب الأسباب، فهو أصل كل شيء وهو الإرادة المطلقة. هو الواحد - Ahad- بالمعنى المرتبط بالإفلاطونية الجديدة لهذه المقولة، والذي يتجاوز المفهوم الذاتي والشخصي للجوهر المطلق. مبدأ مجهول هو أصل كل الكينونة، ولذلك "لا يمكن مطابقة هذا المبدأ مع إله المعتقدات والممارسات الدينية. لا شيء يمكن أن يعرّفه أو يسميه، ومفهوم الوجود ذاته لا ينطبق عليه. لذلك كان المريدون الكباليون يتسائلون عن كيفية التأكد من أن هذا المبدأ البدائي والخفي والمجهول، الذي لا يعرفون حتى ما إذا كان موجودًا أم لا، كيف يمكن أن يكون له معنى بالنسبة لهم وبالنسبة للبشر؟ باعتبار الإنسان هو الذي يعطي معنى للكلمات والأشياء التي يختبرها. وفقًا لبعض المأرخين، ليس لمبدأ السمو المطلق أي فائدة وهو لا شيء rien، بل يُطلق عليه أحيانًا إسم "العدم - néant". تميز الكابالا بوضوح بين هذا الكائن اللامتناهي "إين سوف" الجامد، وانبثاق هذا الكائن من خلال قواه التأسيسية أو السيفيروث (Sefiroth) التي تنشط في تكوين وخلق العالم، وفي الكشف عن "القانون" الذي ينظم الكون وهو التوراة la Torah، وكذلك لاسترداد وشراء هؤلاء الذين يحبون ويطبقون هذا القانون أي الشعب اليهودي المختار. تحاول تعاليم الكابالا التأكيد على العلاقة المتناقضة بين محدودية الكائنات أو المخلوقات ولانهائية الخالق، وهما قطبان مختلفان ومتناقضان لدرجة لا تقاس، الأمر الذي يجعل الكاباليون يولون لهذا الأمر اهتمامًا معرفيا كبيرًا.
إن عقيدة En-Sof هي نقطة البداية لكل التكهنات االكبالية. الله هو الكائن اللامتناهي اللامحدود ، والذي لا يمكن ولا يجوز أن ينسب إليه أي صفة من الصفات على الإطلاق ولا يمكن بالتالي أن يتم تحديده بأي شيء سوى أنه En-Sof، أي أنه فقط "بلا نهاية". ومن ثم ، فإن فكرة الله لا يمكن افتراضها إلا بشكل سلبي : فنحن نعرف ما هو "ليس الله"، ولكننا لا نعرف ما هو عليه أو ما هي طبيعته. جميع الإسهامات الإيجابية محدودة، أو كما صاغها سبينوزا لاحقًا، في انسجام مع الكابالا " كل تحديد هو نفي "omnis determinatio est negatio." لا يمكن للمرء أن يعطي الله لا إرادة أو نية أو كلمة أو فكر أو فعل ولا يمكن لأحد أن ينسب إليه أي تغيير أو تحول أو تعديل أو تبدل، لأنه ليس شيئًا محدودًا : إنه نفي كل نفي، اللانهائي المطلق، فهو En-Sof.
فيما يتعلق بفكرة الله هذه ، ينشأ السؤال الصعب المتعلق بالخلق، والمشكلة الرئيسية للقباله، والنقطة التي نوقشت كثيرًا في الفلسفة الدينية اليهودية، إذا كان الله هو En-Sof - أي إذا لم يكن هناك شيء خارج الله - فإن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن تفسير الكون؟ لا يمكن أن يكون هذا موجودًا مسبقًا كواقع أو مادة أولية؛ لأنه لا يوجد شيء خارج الله : إن خلق العالم في وقت محدد يفترض مسبقًا تغييرًا في ذات الله، مما يؤدي به من حالة الثبات والكينونة الجامدة والهامدة وهي حالة عدم الخلق إلى فعل الخلق. لكن التغيير من أي نوع في En-Sof هو، كما ذكرنا، غير وارد؛ وكل ما لا يمكن تصوره هو تغيير في الفكر من جانبه، والذي كان من الممكن أن يحدث فقط بسبب أسباب مطورة أو معترف بها مؤخرًا تؤثر على إرادته، وهو وضع مستحيل في حالة الله اللامتناهي. ومع ذلك، فليس هذا هو السؤال الوحيد الذي يجب الإجابة عليه لفهم العلاقة بين الله والعالم. يجب أن يكون الله، بصفته كائنًا غير محدود، أبديًا، وضروريًا ، يجب أن يكون بالضرورة روحيًا بحتًا وبسيطًا وعنصريًا elemental. كيف يمكن إذن أن يكون قد خلق العالم المادي المركب دون أن يتأثر بالتلامس معه؟ بمعنى آخر، كيف يمكن للعالم المادي أن يأتي إلى الوجود، إذا لم يكن جزء من الله مدمجًا فيه ؟ بالإضافة إلى هذين السؤالين حول الخلق والعالم المادي، فإن فكرة الحكم الإلهي للعالم، أو ما يسمى بالعناية الإلهية، تظل لغزا يصعب فهمه. يفترض النظام والقانون اللذان يمكن ملاحظتهما في العالم، حسب الكابالا، وجود "حكومة إلهية واعية" لمراقبة المؤمنين وتسيير أمورهم وأمور العالم الطبيعي. تفترض فكرة العناية الإلهية وجود العليم؛ والعليم يفترض وجود صلة بين العارف والمعروف، بين الحاكم والمحكوم، بين الشاكر والمشكور ..إلخ. ولكن ما هو الرابط الذي يمكن أن يكون بين الروحانية المطلقة اللامحدودة من جانب، والأشياء المادية المركبة والمتناهية والفانية للعالم من ناحية أخرى؟
إن وجود الشر في العالم، مثل كل شيء آخر، موجود من خلال الله، الأمر الذي لا يقل إثارة للحيرة عن العناية الإلهية. كيف يكون الله الكامل المطلق سبب الشر؟ يسعى علم الكابالا للإجابة على كل هذه الأسئلة من خلال افتراض ما يسمى بـ : الإرادة البدائية أو الأولية The Primal Will.
أرسطو، الذي أثر كثيرا في الفلاسفة العرب واليهود وتبعه العديد منهم، أكد بأنه فيما يخص الله فإن التفكير والمفكر والموضوع المفكر فيه يعتبرون شيئا واحدا تمامًا ولا فاصل بينهما. تبنى أصحاب الكاباله هذا المبدأ الفلسفي بكل أهميته، وخطوا خطوة أبعد من خلال طرح اختلاف جوهري بين طريقة تفكير الله وطريقة تفكير الإنسان. بالنسبة للإنسان، يظل موضوع التفكير مجرّدًا، وهو شكل من أشكال الموضوع، له وجود ذاتي فقط في عقل الإنسان، وليس وجودًا موضوعيًا خارجه بالضرورة. من ناحية أخرى، يفترض فكر الله وجودًا روحيًا ملموسًا. إن مجرد الشكل هو في نفس الوقت مادة روحية بحتة وبسيطة وغير محصورة بالطبع، لكنها لا تزال ملموسة محددة وعينية concrete ؛ لأن الاختلاف بين الذات والموضوع لا ينطبق على السبب الأول المطلق، ولا يمكن افتراض أي تجريد. هذه المادة هي أول نتاج للسبب الأول، تنبثق مباشرة من الحكمة التي تتطابق مع الله لكونها فكر الله. ومن ثم فهي أبدية مثل الحكمة، وهي أدنى منها في الدرجة فقط، ولكن ليس في الوقت؛ ومن خلال هذه المادة الأولية تم إنتاج كل شيء وترتيب كل شيء باستمرار. يعبر زوهار عن هذه الفكرة بطريقته الخاصة : "تعال وانظر! الفكر هو بداية كل ما هو كائن؛ ولكن على هذا النحو هو يكون داخل نفسه وغير معروف. الفكر الإلهي الحقيقي مرتبط بـ "En-Sof" ولا ينفصل عنه أبدًا. هذا هو معنى الكلمات "الله واحد، واسمه واحد"

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان