الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا حقوق مواطنة في مصر دون إصلاح دستوري

سينثيا فرحات

2006 / 8 / 24
المجتمع المدني


"من يتخلى عن حريات رئيسية من أجل بعض الأمان المؤقت، لا يستحق حرية أو أمان."
بنجامين فرانكلين.
لم يستطع البشرعبر التاريخ الإنساني أن يتعايشوا دون قانون حاكم، ساعين إرتقائياً نحو العدل لوضع قوانين أكثر دراية وعلم بالطبيعة الإنسانية. وظل البعض حريص على تقنين المفاهيم العـُنصرية التي تعرقل عجلة التطور من قـِّبل حراس القهر والديكتاتورية لأطول فترة ممكنة ، فحقوق المواطنين المتساوية بمثابة أول مؤشر لإهتزاز أي عرش ديكتاتورياً ، وحرص النـُظم الدكتاتورية على تشريعات العـُنصرية جزء لا يتجزأ من منهجها في الحكم هو سبب أولي للحفاظ علي بقائها في الحكم.


الدستور المصري ينفي عن بعض المواطنين المصريين حقوق المواطنة ويخل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وافقت ووقعت عليه الحكومة المصرية. توقيعها يناقض نفسه في بعض مواد دستورية أخرى والتي دون علاجها لا مجال لتفعيل حقوق المواطنة في مصر. فمن الوهم مطالبة كل المصريين الإرتقاء فوق دستورهم الذي يحث على العـُنصرية العرقية والدينية عند تعريفه "للهوية المصرية" ووصمها وحصرها بدين معين ومذهب معين وعرق معين.

(1)
المادة (1) من الدستور المصري:
جمهورية مصر العربية دولة نظامها إشتراكي ديمقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة. والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة.

- أولاً : الدولة شخصية اعتبارية لا يمكن وصفها أو تعريفها بعرق واحد لان هذه سمة بشرية وحصر تلك الشخصية الإعتبارية بوصف هويتها الأساسية بعرق ، يجهل مفهوم تعريف الدولة والعرق . ويعد هذا عـُنصرية منافية لمواد دستورية أخرى وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لأن معظم المصريين ليس لهم سلالة عربية أو عرق عربي .
فهل العرب أكثر مصرية من هؤلاء المصريين الغير عرب ، لأن الحكومة المصرية قررت إلصاق تلك الصفة العرقية بمصر الحديثة ؟؟!
فتلك المادة الدستورية تتعارض مع المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يمنع التمييز العرقي بين أفراد الشعب الواحد، والذي تـُحرض عليه المادة الأولى من الدستور المصري.


ولننظر إلى تناقض آخر:
- المادة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.

- المادة (40) من الدستور المصري:
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

فالمادة 40 من الدستور المصري والمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واضح تضاربهما مع المادة الأولى التي تميز العرق العربي عن باقي الأعراق التي تغزل النسيج المصري الواحد.

(2)
المادة (2) من الدستور المصري:
الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

فالمادة الثانية من الدستور المصري تتعارض مع كافة المواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويستمريء الحزب الحاكم والمؤسسات الدينية لها ، لبقاء التمييز بين المواطنين.

وإليكم بعض المواد من الاعلان العالمي لحقوق الانسان علي سبيل المثال لا الحصر:

المادة 6
لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية.

المادة 7
كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.

المادة 18
لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.

المادة 19
لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

وإلى جانب المادة الثانية السابق ذكرها.

الدولة كيان إعتباري ، فكيف يتبنى كيان إعتباري أحد الأديان؟
فهل الدولة تقيم فروض الإسلام الخمسة؟
وهو يذكرني بسؤال حرج هل ستدخل الدولة الجنة أم النار ؟!

أيضاً في المادة الثانية من الدستور يتم وصم الدولة بدين واحد وهو الدين الإسلامي بل وفرقة واحدة منه وهي الفرقة السُنية، بما ينم عن جهل هذا التشريع بتعريف الدين والدولة أي العقيدة والكيان الاعتباري، شقين مختلفين تماماً لا علاقة بينهما، مما يعتبر عنصرية كون هوية دولة موصومة بدين معين واحد . فمن لا يتسم بتلك الهوية الإسلامية السُنية والتي أصبحت إحدى الصفات المصرية يتجرد من كمال أهليته الدستورية وكمال هويته المصرية علي حد هذا التوصيف، والذي يـُستغل أحياناً لوضع قوانين غير دستورية وغير إنسانية لاستغلال الحزب الحاكم للدين.

وعلي سبيل المثال لا الحصر : المسيحيين المصريين والبهائيين المصريين واليهود والشيعة واللادينيين والملحدين المصريين الذين يعيشون على أرض مصر بل ووجدوا على أرضها قبل كل الأديان أو حتى بعدها ، فجأة تحت هذا الدستور يصبحون أقل مصرية من بعض المصريين الآخرين لعدم توافر بهم تلك الصفة الدينية التي ألحقت باطلاً باسم مصر.

من جعل الحكومة المصرية تصنف المصريين حسب علاقتهم الشخصية بآلهتهم واختيارهم لدين ما ؟
فتلك المادة من الدستور ترغم المصريين ليس فقط على كتابة اتجاهتهم الدينية في بطاقتهم الشخصية بل وجبرهم على الإلتزام بثلاثة أديان فقط في تلك البطاقات ، مع تمييز أحدهم وتجريم من يختار غيرها ، والتي أصبح من المستحيل تغييرها إلا في حالة تغيير الدين " للدين الأصلح " - علي حد وصف القانون المصري للدين الإسلامي - . وهنا نعلن صراحة أن ليس الأقباط هم فقط من يضطهدون فيما يخص حرية العقيدة ولكن المسلمون هم من يعانون أكثر .

و الذي يعيدنا للعصور الظلامية الوسطى في القرن الواحد والعشرين ، هؤلاء من تتعارض طبيعتهم مع الطبيعة البشرية والتي أهم سماتها الإختلاف والتمييز والتعددية.
وترفض الحكومة المصرية الإعتراف بأن مصر مازالت وستظل في واقع التعددية الدينية والعقائدية بسبب الطبيعة البشرية ، ويحدث التمييز في أكثر الحقوق المدنية على ِأساس الدين والذي يصل في أغلب الأحيان إلى إنتهاك أبسط حقوق الإنسان وتعريض صاحبه للسجن والتعذيب والتهديد والإختفاء القسري وفي بعض الأحيان إلى القتل المقنن.

فأي حقوق مواطنة نطالب بها في ظل تلك العنصرية الدستورية ؟!
والتي تلزم كل من له دين أن يتوارثه عنوة ويصبح جزء لا يتجزأ من هويته الوطنية !!

توريث الديانة
وهي حالة ذهنية ذات أساس غيبي- يعتبر كمن يورث ذات العقل القديم. كمن يكتب في شهادة ميلاد طفل حديث الولادة ماركسي أو ليبرالي !! مع الفارق طبعاً.
هكذا تحول العقل المصري المفترض تجدده ونموه وإختلافه من عصر إلي عصر إلي موروث دارويني غير قابل سوي للإنقراض .
لا أصدق واقعنا الذي يمنعنا من حقنا في " قانون مشترك " لأنه يفرق بين مستوطني الأرض الواحدة حسب الدين والعنصر في أول مواده التشريعية.
في تلك البقع الدينية من الكرة الأرضية أصبح تغيير نوع الجنس ولون البشرة أسهل من تغيير الدين أي الفكر والذي لا يخدم أي شئ غير العنصرية في أكثر أشكالها أصولية.

والدستور المصري ظاهرياًَ يكفل حرية العقيدة ولا يكفل حقوق المواطنة.
تلك الخدعة الظاهرة الباطنة هي التي تـُمرر تقنين الإنتهاكات التي تقام على غير الفرد المسلم السني مثل ما يعاني منه الأقباط والبهائيين والشيعة والقرآنيين واللادينيين المصريين .
وفي نفس الوقت المواد التي تكفل حرية العقيدة تكون ستار للتمثيليات أمام المجتمع الدولي والتي بطلت لأن الإنتهاكات في مصر أصبحت ممارسة يومية أمام مرأى العالم.
وأيضاً تلك المواد العنصرية تمرر الإدعاءات الإجرامية ضد المواطنين غير السنيين بالتخوين والعمالة والإنتهاك والتهديد من قبل أعداء المصريين في الحكم والمؤسسات الدينية الرسمية.

وأنقل لكم ما يقول البهائيين عن معاناتهم تحت المادة الثانية من الدستور المصري:

لأننا بهائيين ..
" أصبحنا مواطنين بلا هوية بعد أن رفض السجل المدني إصدار بطاقة الرقم القومي لنــا :
- فلا يمكننا التحرك بأمان في وطننا العزيز مصر.
- ولا يمكننا توثيق عقود زواجنا.
- ولا يمكننا استخراج شهادات ميلاد أبنائنا ، وحتى شهادات الوفاة أصبحت مشكلة.
- ولا يمكننا الحصول علي جوازات السفر.
- ولا يمكننا التعامل مع البنوك.
- ولا يمكننا التعامل في إدارات المرور.
- ولا يمكننا إلحاق أبنائنا بالمدارس والجامعات.
- ولا يمكن لأبنائنا إثبات موقفهم من التجنيد ( وما يترتب علي ذلك من مشاكل).
- ولا يمكننا التقدم للحصول على وظيفة أو حتى الحصول على تصاريح العمل.
- ولا يمكننا العلاج بالمستشفيات.
- ولا يمكن لأراملنا الحصول على المعاش.
- ولا يمكننا البيع أو الشراء أو التملك .... وغير ذلك مما يتعذر حصره.
إننا البهائيون ملتزمون باحترام القانون رغم ما نعاني من إجحاف وتعنت وإكراه من قبل الهيئات الإدارية الذي يصل إلى حد الضغط لإنكار معتقداتنا"

" جزء من شكوى عدد من البهائيين المصريين مرسلة للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في أكتوبر 2005"

لا يجوز أن نطالب أفراد الشعب أن يرتقوا فوق دستورهم وقوانينهم ويتعاملون مع بعضهم بروح الإخاء في ظل تلك الإنتهاكات التشريعية المقننة.
لا مواطنة في مصر دون إصلاح دستوري علماني و" قوانين موحدة مشتركة " غير طائفية لحكم نسيج الوطن الواحد ومن أجل أن يظل هكذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا


.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة




.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني