الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين وثلاث دول

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 11 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد أزعم أن التراث الإسلامي قد مر بتحولات رئيسية ثلاثة منذ نشأته الأولى حتى الوقت الحاضر. لقد نشأ الإسلام، فكراً وقولاً وفعلاً، كثورة مضادة ضد السلطة، أو الدولة، القائمة حينذاك. ثم، في طوره الرئيسي الثاني، تحول الإسلام ذاته ليصبح هو السلطة، أو الدولة، الحاكمة ذاتها. وفي طوره الأخير، الممتد إلى الوقت الحاضر، انفك ارتباط الإسلام شكلياً عن سلطة الدولة، لكن في الوقت نفسه نشأت علاقة نفعية متبادلة لتصنع منه دعامة أساسية للسلطة أو الدولة الحاكمة، أو "الدين الرسمي" للدولة إذا كانت الدولة تدين بدين حقاً.

بدأ محمد دعوته في مكة كثائر ضد السلطة القائمة هناك. وتحت ضربات الاضطهاد والقمع من سادة قريش، فر مع أتباعه إلى المدينة. وفي أحضان هذه الأخيرة، نجح في أن يوطد لنفسه وأتباعه سلطة، أو دولة، هو الآخر. ثم على أساس من تلك السلطة، استطاع أن يتغلب على سلطة قريش ويفتح مكة. من تلك اللحظة فصاعدا، أصبحت الدولة هي الدين، والدين هو الدولة، في تعاضد وذوبان كامل لا ينفصل ولا ينفك.

لكنه، على أرض الواقع، انفك فعلاً، بل أصبح هشيماً في أتون الفتنة الكبرى. كانت حرب علي ضد معاوية، أو آل البيت ضد آل البيت، أو الصحابة ضد الصحابة، أو المسلمين ضد المسلمين، درساً قاسياً حول مخاطر الخلط الكامل بين الدين والدولة، الذي أنتج مركباً انفجارياً كاد ينسف الاثنين معاً- الدين والدولة. كادت حروب الفتنة الكبرى أن تقضي على الدين الجديد ودولته الناشئة في مرحلة مبكرة جداً من حياتهما معاً. لكن، لحسن الحظ، استوعب آل ذلك الزمان الدرس جيداً وأصلحوا الخلل- فكوا الارتباط العضوي ما بين الدين والدولة وباعدوا المسافة بينهما، إلى حد ما.

لقد أخطأ محمد وصحابته حين جعلوا من الدين دولة، ومن الأخيرة الأول. وكادوا فعلاً، بخطئهم الساذج هذا، أن ينسفوا المشروع كله من حتى قبل أن تكتمل أساساته. لكن، بحكم الخبرة والتجربة السابقة، كان هناك من هم أهل لعلاج الخطأ واستكمال المشروع. هم الأمويون ومن بعدهم العباسيون. هؤلاء هم الذين أخذوا المسافة الصحيحة ما بين الدولة من جهة والدين من الجهة الأخرى، وفكوا الارتباط المرضي والانفجاري بينهما. من تلك اللحظة فصاعداً، انفصل الدين شكلياً عن الدولة، لكن نشأت بينهما علاقة نفعية متبادلة لا تزال مستمرة حتى اليوم بدرجات متفاوتة.

لماذا اختصم محمد السلطة القائمة في مكة، ثم أفرد لنفسه سلطة مطلقة فيما بعد على المدينة ومنها إلى بقية الأنحاء؟ لماذا، وهو النبي، يتولى هو سلطة الحكم بنفسه؟ ولماذا يخلفه على وجه الخصوص الخلفاء الراشدون، الصحابة ذوي المنزلة الدينية المعترف بها؟

لأن محمداً نفسه، ومعه صحابته، يعرفون حق المعرفة أن السلطة، بمعنى القوة المادية في أعظم صورها، كانت هي الوسيلة الأمثل على الإطلاق في ظل البيئة السائدة حينذاك لتحقيق أي شيء، ومن ضمن ذلك نشر أفكارهم ومعتقداتهم. لذلك ثار ضد المتسلطين في مكة، ليس كرهاً لهم بقدر طمعاً فيما يحتكرون لأنفسهم من السلطة والقوة. ولذلك أيضاً أنشأ لنفسه سلطة تخصه في المدينة ثم في الأرجاء، حتى يملك من القوة المادية ما يكفي لنشر وترسيخ أفكاره ومعتقداته الغريبة والمستحدثة، والمرفوضة في معظمها، حينها. لولا هذه القوة المادية- السلطة- ما عاد محمد ليفتح مكة. ولولاها أيضاً ما أفلح خليفته أبو بكر في ردع المرتدين. في قول آخر، لولا الدولة، ما كان الدين، أو على الأقل في الحالة الإسلامية تحديداً.

ربما لهذا السبب لا تزال الحركات الإسلامية في معظمها تركض وراء السلطة ركض الوحوش في البرية؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولكن البحوث الرصينه تنفي مايسمى صدر الاسلام والامو
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 11 / 2 - 22:11 )
والامويه-وهنلك من يثبت -علميا-العباسيه جزء من الدوله الساسانيه واستمرار لها-انا اعتقد جازما ان الاسلام نشاء على ايدي العثمانيين في ال600سنه الاخيره قبل الحرب العالمية الاولى-كما وانه وكما برهن احدهم ان مجتمع قرية كمكه والمدينه ليس فيه اكثر من الف واحد من السكان وكذالك فاءن تاريخ البدو لم يعرف تنظيم الدوله في منطقتنا ولا العالم --تحياتي

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24