الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية التوزيع في علم الاقتصاد السياسي

محمد عادل زكى

2021 / 11 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الموضوع الَّذي ننشغل به في مقالنا هذا، هو التوزيع. توزيع الفائض الاجتماعي. ولكي نتعرف إلى توزيع الفائض الاجتماعي؛ يجب:
- في مرحلة فكرية أولى، أن نكون الوعي، الناقد، بمصدر هذا الفائض من خلال طرح هيكلي لمجمل النشاط الاقتصادي الخاضع لقوانين حركة النظام الرأسمالي.
- ثم نتعرف، في مرحلة فكرية ثانية، إلى طبيعة وأساس التغيُّر في مكونات هذا الفائض الاجتماعي من خلال طرح آدائي يأخذ في اعتباره الصراع الجدلي بين الدخول المختلفة للطبقات الاجتماعية.
- فإذا تمكنا من تكوين الوعي، الناقد، بكلٍ من الطرح الهيكلي والآدائي؛ كان لنا المضي خطوة إلى الأمام بهدف التعرف إلى نظريات الاقتصاد السياسي في التوزيع، كما تبلورت في فكر الآباء المؤسسين.
أولاً: الطرح الهيكلي
لنفترض أن المجتمع، في لحظة تاريخية معينة، وفي إطار ظروف اجتماعية محددة، يدخل عملية الإنتاج على صعيد "الكل" الاقتصادي بــ 30 مليار وحدة من النقد، موزَّعة بين القطاعات الإنتاجية الثلاثة الَّتي يتكون منها الهيكل الاقتصادي (أي: الزراعة، والصناعة، والخدمات) بواقع 10 مليارات وحدة لكل قطاع، ويتم توزيع هذه المليارات العشرة داخل كل قطاع كالآتي: 4 مليارات للرأسمال المتغير(م). و6 مليارات للرأسمال الثابت (ث)، توزَّع كالتالي: 3 مليارات للرأسمال الأساسي (أ)، و3 مليارات للرأسمال الدائر (د)، ومن ثم سيكون لدينا على صعيد "الكل" الاقتصادي:
قطاع الزراعة: 4 الرأسمال المتغير + 3 الرأسمال الأساسي + 3 الرأسمال الدائر = 10 مليارات
قطاع الصناعة: 4 م + 3 أ + 3 د = 10 مليارات
قطاع الخدمات: 4 م + 3 أ + 3 د = 10 مليارات

ولكن لدينا هنا مشكلة، وكأن جزءًا من النص مفقودٌ؛ فلقد بدأ المجتمع عملية الإنتاج بـ 30 مليار وحدة، وفي نهاية العملية لم يزل لدينا نفس الـ 30 مليار وحدة! أي أن المجتمع هنا لم يستفد من عملية الإنتاج على الإطلاق، فلم يحقق أي قطاع من قطاعات الهيكل أي ربح، بل ولربما خسر المجتمع طاقة إنتاجية قائمة، وأهدر ثروة اجتماعية، وبدد موارد مهمة. وأقصى ما أمكن تحقيقه، اجتماعيًا، في المثل أعلاه هو تداول الـ 30 مليار وحدة بين أعضاء المجتمع منتجين ومستهلكين، بائعين ومشترين. فالعمال، في القطاعات الثلاثة، سيشترون بـ 12 مليارات السلع والخدمات الَّتي أنتجتها القطاعات الثلاثة. وبذلك هم يعيدون قيمة قوة عملهم إلى الرأسماليين الَّذي اشتروا منهم السلع والخدمات. كما سوف يشتري الرأسماليون بـ 18 مليارًا باقي السلع والخدمات وقيمتها 18 مليارًا. أي أن النقود 30 مليارًا = السلع 30 ملياراً. المجتمع إذًا، وكما ذكرنا، لم يستفد أي شيء. بل مثل هذه الطريقة قد تؤدي إلى إفقاره وليس نموه؛ فعدد السكان يتزايد وكمية السلع والنقود والرأسمال ثابتة! ولا يتم تحقيق أي ربح! وإن أمكن تحقيق أزمة. وكما افترضنا أن المثل يخص اقتصاد مجتمع ما، فيمكننا أن نفترض أن المثل يصدق على اقتصاد العالم بأسره، فهو يبدأ السنة الإنتاجية بعدد معين من وحدات الرأسمال، وفي نهاية السنة يجد بين يديه نفس الكم من الوحدات! فلا أرباح، ولا تراكم، ولا تجديد إنتاج اجتماعي... إلخ، فكيف يمكن إذًا حل هذه المشكلة على صعيد المجتمعات المحليَّة أو على الصعيد العالمي؟ ربما فكر الرأسماليون؛ حلًا لهذه المشكلة، في أن يبيعوا السلعة بأغلى مما كلفهم إنتاجها لغيرهم من الرأسماليين وللعمال. حسنًا، فلنساير أصدقاءنا، ولننقل بحثنا من مستوى الهيكل إلى مستوى القطاعات متخذين من القطاع الصناعي حقلًا للتحليل ولنفترض أن المجتمع، في لحظة تاريخية معينة، وفي إطار ظروف اجتماعية محددة، بدأ عملية الإنتاج على مستوى إنتاج وسائل الإنتاج، ومستوى إنتاج مواد الاستهلاك، على النحو التالي:

- فرع إنتاج وسائل الإنتاج: (بالمليار وحدة)
الرأسمال: 3 ث + 1 م = 4 مليارات وحدة.
المنتوج السلعي: 3 ث + 1 م = 4 مليارات وحدة في هيئة وسائل إنتاج.

- فرع إنتاج مواد الاستهلاك: (بالمليار وحدة)
الرأسمال: 4 ث + 2 م = 6 مليارات وحدة.
المنتوج السلعي: 4 ث + 2 م = 6 مليارات وحدة في هيئة مواد استهلاك.

فلنفترض الآن أن الرأسماليين المنتجين لوسائل الإنتاج قرروا أن يبيعوا سلعتهم بأغلى مما كلّفهم إنتاجها بمقدار 500 مليون وحدة. ولكن، هذا الافتراض يعني أن الرأسماليين الَّذين ربحوا اليوم 500 مليون وحدة سيلتزمون غدًا برد ما ربحوه؛ فرأسماليو فرع مواد الاستهلاك الَّذين دفعوا لتوهم 500 مليون وحدة لرأسماليي فرع وسائل الإنتاج، سوف يرفعون بدورهم ثمن سلعتهم؛ بائعين إياها بأغلى مما كلفهم إنتاجها على الأقل بمقدار 500 مليون وحدة من أجل استرداد ما سلبه منهم رأسماليو فرع وسائل الإنتاج. رأسماليو فرع مواد الاستهلاك إذاً لم يربحوا شيئًا. بل ولسوف يخسر، في نهاية المطاف، جميع الرأسماليين؛ لأن الَّذين باعوا اليوم بأزيد من تكلفة الإنتاج عليهم غدًا أن يردوا ما أخذوه، ولكنهم لن يستطيعوا ذلك؛ لأنهم يحتاجون إلى إيراد كي يعيشوا. وبالتالي؛ فما أخذوه لن يردوه كما هو؛ لقيامهم باستهلاك هذا القدر أو ذاك منه، فهم لن يردوا الـ 500 مليون وحدة الَّتي أخذوها من منتجي مواد الاستهلاك لأنهم حينما قبضوها أنفقوا، في فرعهم، جزءً منها على استهلاكهم الشخصي، وليكن 150 مليون وحدة ستخصص للاستهلاك، ولم يعد معهم إلا الباقي منها وقدره 350 مليون وحدة، وعليهم الآن، لرد ما قبضوه، إمّا السحب من رصيد الاحتياط لديهم، وإمّا الاستدانة من القطاع المصرفي. ولأنهم لن يعوضوا خسائرهم أبدًا؛ فسوف يتآكل رصيد الاحتياط، كما سيتعرض القطاع المصرفي الَّذي يقوم بإقراضهم لخسائر نتيجة صفقات لم يكن طرفًا فيها. والنتيجة، المزيد من الخسائر! أي خلق الأزمة وتعميقها.
أما لو باع الرأسماليون سلعهم إلى العمال (ولأنه من المستحيل أن ينفق العمال ما هو أكبر من الأجر المدفوع لهم) فليس أمام الرأسماليين منتجي وسائل الإنتاج إلا طريقة عبثية وحيدة، هي أن يعطوا للعمال مليار وحدة، كأجور، وحينما يشتري منهم العمال سلعهم لا يعطوهم سلعًا تساوي مليار وحدة، إنما 700 مليون وحدة فحسب! يدفع الرأسماليون إذًا للعمال مليار وحدة كأجور، ثم يأخذون منهم هذه المليار وحدة ليعطوهم بالمقابل سلعًا قيمتها 700 مليون وحدة فقط! لا ريب في أن الرأسماليين على هذا النحو يفعلون أمرًا غريبًا؛ أنهم، يقومون بتسليف رأسمالهم النقدي بقيمة أكبر مما يلزم لتداول رأسمالهم المتغير! وتلك طريقة -- كما يقول ماركس -- غريبة تمامًا للإثراء.
المشكلة إذًا، على الصعيد الاجتماعي، لم تحل ببيع السلعة بأغلى من تكلفة إنتاجها، كما ظن رأسماليو فرع وسائل الإنتاج، بل تعمقت المشكلة أكثر، وأصبح المجتمع في طريقه إلى الانهيار من خلال أزمة مزمنة. بالتأكيد الرأسمالي لا ينشغل كثيرًا بالمجتمع، ويفكر في مصلحته؛ محاولًا الاهتداء إلى حل آخر غير بيع السلع بأغلى من كلفة إنتاجها. وأثناء ما هو منهمك في التفكير؛ يجد الحل أخيرًا! يجده في قوة العمل. يجده في القدرة على العمل. فلأن الرأسمالي لا يستطيع، وكما علمنا من محاضراتنا السابقة، أن يغير من قيمة الأدوات أو المواد؛ فهو يشتريهم بقيمتهم ويدفع بهم إلى حقل الإنتاج دون أن يتمكن من اعتصار قيمة أكبر من قيمتهم. إذ سوف تخرج الآلات والمواد، محاسبيًا، في نهاية عملية الإنتاج، متجسدة في المنتوج، بنفس القيمة الَّتي دخلت بها دون أن تغير من قيمتها. وبالتالي لن يحقق أي ربح. فليس أمامه سوى النظر إلى هذه السلعة الَّتي يبيعها العمال، أي القدرة على العمل، فهي السلعة الوحيدة الَّتي تُنتج قيمة أكبر مما يدفع لها، فيدفع لها أجرًا معينًا ويأخذ منها عملًا يفوق هذا الأجر! وذلك وفقًا للمخطط أدناه الَّذي يتكون كذلك من فرعي إنتاج وسائل الإنتاج ومواد الاستهلاك:

- فرع إنتاج وسائل الإنتاج (بالمليار وحدة، وبافتراض أن القيمة الزائدة 100%)
الرأسمال: 3 ث + 1 م = 4 مليارات وحدة.
المنتوج السلعي: 3 ث + 1 م + 1 ق ز = 5 مليارات وحدة في هيئة وسائل إنتاج.

- فرع إنتاج مواد الاستهلاك (بالمليار وحدة، وبافتراض أن القيمة الزائدة 100%)
الرأسمال: 4 ث + 2 م = 6 مليارات وحدة.
المنتوج السلعي: 4 ث + 2 م + 2 ق ز = 8 مليارات وحدة في هيئة مواد استهلاك.

الرأسمالي المنتج لوسائل الإنتاج يبدأ إذًا عملية الإنتاج بـ 3 مليارات وحدة رأسمال ثابت، ومليار وحدة رأسمال متغير، ويعتصر من قوة العمل مليار وحدة قيمة زائدة، ليجد بين يديه، بعد الإنتاج وقبل البيع، لا 4 مليارات وحدة الَّتي تمثل قيمة الرأسمال، بل يجد 5 مليارات وحدة. وما فعله الرأسمالي المنتج لوسائل الإنتاج، سوف يفعله الرأسمالي المنتج لمواد الاستهلاك؛ كي يجد بين يديه، لا 6 مليارات وحدة، والَّتي تمثل قيمة الرأسمال، بل يجد 8 مليارات وحدة. وبالتالي يقوم القطاع الصناعي بتجديد إنتاجه بفضل القيمة الزائدة الَّتي تم استخلاصها من قوة العمل. علينا الآن إذًا، على صعيد الهيكل الاقتصادي، إعادة صوغ المثل كي يتوافق مع الحل الَّذي توصل إليه صديقنا الرأسمالي؛ فنفترض أن المجتمع، يدخل العملية الإنتاجية بــ 30 مليار وحدة من النقد موزعة على مستوى الهيكل الاقتصادي بواقع 10 مليارات وحدة لكل قطاع، ويتم توزيع هذه المليارات العشرة، في كل قطاع على النحو الآتي: 4 مليارات وحدة لشراء الرأسمال المتغير، و6 مليارات للرأسمال الثابت توزع على النحو التالي: 3 مليارات وحدة لشراء الرأسمال الأساسي، و3 مليارات وحدة لشراء الرأسمال الدائر، على أن يأخذ الرأسمالي من العامل قيمة تفوق ما أعطاه إياها كأجر. ومثلما رأينا أن فرعي الإنتاج في قطاع الصناعة يستأثران بقيمة زائدة مقدارها 3 مليارات وحدة. فلنفترض كذلك أن قطاع الزراعة وقطاع الخدمات يقومان بالأمر نفسه معتصرين قيمة زائدة مقدارها 3 مليارات وحدة في كل قطاع:

قطاع الزراعة: 4 م + 3 أ + 3 د + 3 ق ز = 13 ملياراً
قطاع الصناعة: 4 م + 3 أ + 3 د + 3 ق ز = 13 ملياراً
قطاع الخدمات: 4 م + 3 أ + 3 د + 3 ق ز = 13 ملياراً
وفقًا لمثلنا أعلاه زادت القيمة اجتماعيًا، لأن المجتمع بدأ بـ 30 مليار وحدة، وفي نهاية الفترة الإنتاجية صار لديه 39 مليار وحدة. أي أن المجتمع حقق، في اللحظة الَّتي اتصلت فيها قوة العمل بوسائل الإنتاج 9 مليارات وحدة قيمة زائدة. وبالتالي يمكن للمجتمع الآن أن يقوم بتجديد إنتاجه بعدما تحققت الأرباح على الصعيد الاجتماعي ببيع السلعة بقيمتها، لا بأعلى من قيمتها، ولا بأغلى مما تكلَّف إنتاجها.
والَّذي يجب أن ننشغل به، بخاصة نحن أبناء الأجزاء المتخلّفة من النظام الرأسمالي العالمي، هو الاتجاه الَّذي سوف تسلكه هذه الوحدات الَّتي زادت على الصعيد الاجتماعي، أي: أين ستذهب الـ 9 مليارات وحدة، الزائدة، الَّتي حققها العمل الاجتماعي؟ وفقًا لفرضيتنا؛ لن يُعاد ضخ القيمة الزائدة في عروق المجتمع المنتج لها، إنما ستتسرب إلى خارجه من أجل شراء السلع والخدمات الَّتي تنتج في الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي، وتتوقف عليها عملية تجديد الإنتاج الاجتماعي في الأجزاء المتخلّفة. ولسوف نعالج هذا الطرح لاحقًا بالتفصيل في محاضرات قادمة. ولننتقل الآن إلى الطرح الآدائي لمعدَّل القيمة الزائدة.
ثانياً: الطرح الآدائي
القانون الَّذي كشف عنه ريكاردو، ابتداءً من انحلال القيمة، الَّتي يضيفها العمال، إلى ربح وأجر، واعتد به ماركس، بعد إعادة صياغته وفقًا لمصطلحاته، بافتراض: تغيُّر الإنتاجية مع ثبات مقدار كلٍ من: يوم العمل، وشدته، وقيمة وسائل الإنتاج. نصه كالآتي:
"ان القيمة الزائدة (التي تتجسد، بعد دفع الأجر للعمال، في الربح الذي يستأثر به الرأسمالي م.ع.ز) وقيمة قوة العمل (التي تتحدد بقيمة وسائل المعيشة الضرورية، وتتجسد في شكل محوّر، يخفي تقسيم يوم العمل إلى قسم ضروري وقسم زائد، هو الأجر م.ع.ز) تتغيران في اتجاهين متعاكسين. فتغير الإنتاجية، أي ارتفاعها أو انخفاضها يولّد تغيراً معاكساً له في قيمة قوة العمل، وتغيراً طردياً في القيمة الزائدة. إن القيمة المنتجة من جديد في يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، هي مقدار ثابت، وليكن 6 جنيهات مثلاً. إن هذا المقدار الثابت يساوي مقدار القيمة الزائدة زائداً قيمة قوة العمل، والقيمة الأخيرة يعوض عنها العامل بما يعادلها... ومن ثم فإن قيمة قوة العمل لا ترتفع من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات، ما لم تنخفض القيمة الزائدة من 3 جنيهات إلى جنيهين، وبالعكس...، وبالتالي ففي ظل هذه الشروط لا يمكن أن يطرأ تبدل على المقدار المطلق لكل من قيمة قوة العمل والقيمة الزائدة، ما لم يطرأ تبدل متزامن على مقداريهما النسبيين. إذ يستحيل أن يرتفعا معاً أو يهبطا معاً... إن ارتفاع إنتاجية العمل يولد هبوطاً في قيمة قوة العمل وارتفاعاً في القيمة الزائدة، في حين أن انخفاض هذه الإنتاجية يولد، بالعكس، ارتفاعاً في قيمة قوة العمل، وهبوطاً في القيمة الزائدة". (رأس المال، الكتاب الأول، الفصل الخامس عشر).
والقانون، على هذا النحو، إنما يتضمن مستويين من التحليل:
- المستوى الأول: ينشغل بالتغيُّر المطلق في القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل. فمنتوج قدره 22 وحدة يتم توزيعه بين قوة العمل (الأجر) والقيمة الزائدة (الربح). وبالتالي؛ فحينما يزيد أحد الحدَّين؛ ينخفض الحد الآخر (مطلقًا) فإذا كان نصيب العامل 10 وحدات، فسيكون نصيب الرأسمالي 12 وحدة. وعندما يصبح نصيب العامل 14 وحدة، سيصبح نصيب الرأسمالي 8 وحدات، وهكذا.
- أما المستوى الثاني من التحليل: فينشغل، وفقًا للاتجاه العام في تحليل ريكاردو، بالتغيُّر النسبي في قيمة قوة العمل والقيمة الزائدة. فرأسمال يتكون، على سبيل المثال، من (6 ث + 4 م) يدر منتوجًا قدره 32 وحدة، يخرج منه ريكاردو، كما سميث، 10 وحدات من دائرة التداول، ويوزع الـ 22 وحدة كالآتي: 4 وحدات أجر (الشكل المحوَّر لقيمة وثمن قوة العمل)، و6 وحدات لصيانة الرأسمال الأساسي وتجديد المواد، و12 وحدة قيمة زائدة. وحينما يطرأ الفن الإنتاجي الجديد يحدث التغيرُّ في تكوين الرأسمال إلى (8 ث + 2 م)، وبالتالي سوف تُوزَع نفس الـ 22 وحدة، كالآتي: 2 وحدة للأجر، و8 وحدات لصيانة الرأسمال الأساسي وتجديد المواد، و12 وحدة كقيمة زائدة. ولكن التغيُّر من (4 : 12) إلى (2 : 12)، معناه أن معدَّل قيمة قوة العمل انخفض، بالنسبة للقيمة الزائدة، من 33% تقريبًا إلى 17% تقريبًا. ولنلاحظ:
1- وفقًا للمذهب العام لريكاردو، لم يتغير معدَّل القيمة الزائدة بالنسبة للرأسمال الكلّي، بيد أنه تغير بالنسبة لقيمة قوة العمل؛ إذ ارتفع معدَّل القيمة الزائدة من 300% إلى 600%.
2- لم يكن من الممكن الحصول على نفس قدر القيمة الزائدة (12 وحدة)، مع انخفاض قيمة قوة العمل، من 4 وحدات إلى وحدتين، إلا برفع معدَّل القيمة الزائدة من 300% إلى 600%.
3- ولو افترضنا، مع التطور التقني، ثبات معدَّل القيمة الزائدة، وليكن عند 600%، فسوف يميل معدَّل الربح للانخفاض حتّى يصل إلى 6 وحدات. وعلى الرأسمالي أن يرفع معدَّل القيمة الزائدة إلى 1200%، كي يحصل على نفس القيمة الزائدة وقدرها 12 وحدة، وذلك بتقليص العمل الضروري بأساليب تتيح إنتاج معادل قيمة قوة العمل بأقل طاقة ضرورية اجتماعيًا.


الحالة المعدَّل % ث ق ق ع ق ز
الأولى 300 6 4 12
الثانية (بافتراض ثبات المعدَّل وانخفاض ق ق ع) 300 8 2 6
الثالثة (بافتراض ارتفاع المعدَّل وانخفاض ق ق ع) 600 9 1 6
الرابعة (بافتراض الاستمرار في رفع المعدَّل) 1200 9 1 12
الخامسة (بافتراض انخفاض المعدَّل مع ارتفاع ق ق ع) 300 6 4 12
السادسة (بافتراض الاستمرار في انخفاض المعدَّل) 200 6 4 8
ولكن التطور التقني، مع ثبات معدَّل إنتاج القيمة الزائدة، لن يؤدي من الجانب الآخر إلا إلى الانخفاض في قيمة السلع، ولنضرب المثل التالي:
الحالة الرأسمال الثابت الرأسمال المتغير قيمة قوة العمل القيمة
الأولى 50 50 50 150
الثانية 85 15 15 115
الثالثة 90 10 10 110
الرابعة 95 5 5 105
فوفقًا للجدول أعلاه: بعد دخول الفن الإنتاجي الجديد، في الحالة الثانية مثلًا، تمكن العمال من إنتاج معادل أجرهم بطاقة ضرورية اجتماعية أقل، وبالتالي، مع افتراض ثبات معدَّل إنتاج القيمة الزائدة، انخفضت القيمة من 150 وحدة إلى 115 وحدة. ومع الاستمرار في تطوير عملية الإنتاج باستحداث التقنيات الجديدة؛ سوف تستمر قيمة السلع في الانخفاض كي تصل، كما في الحالة الرابعة، إلى 105 وحدة، بعدما كانت 110 وحدة في الحالة الثالثة.
وبناءً عليه:
1- بشرط ثبات معدَّل إنتاج القيمة الزائدة؛ كلَّما ارتفعت الإنتاجية كلّما انخفضت قيمة السلع. وبالعكس؛ أي كلّما انخفضت الإنتاجية كلّما ارتفعت قيمة السلع.
2- إذا كانت قيمة السلع تتناسب عكسيًا مع إنتاجية العمل، وينطبق ذلك على قيمة قوة العمل كذلك لأنها تتحدد بقيم السلع؛ فإن القيمة الزائدة النسبية، على العكس، تتناسب طرديًا مع إنتاجية العمل. فهي ترتفع مع ارتفاع الإنتاجية وتهبط مع هبوطها.
3- يبرز التناقض بين رغبة الرأسمالي في اعتصار أكبر قيمة ممكنة من العمال، وبين الصراع بين الرأسمالين أنفسهم من أجل الحصول على (الجديد في حقل التقنية) وهو الَّذي، بدوره، يقلص استخدام قوة العمل، من جهة، ويخفض قيمة قوة العمل من جهة ثانية.
4- وكي تنخفض قيمة قوة العمل يجب أن يشمل ارتفاع الإنتاجية فروع الصناع الَّتي تحدد منتجاتها قيمة قوة العمل. ولذلك، فإن ارتفاع الإنتاجية في فروع الإنتاج الَّتي لا تقدم لا وسائل المعيشة الضرورية ولا وسائل الإنتاج اللازمة لصنعها؛ يُبقي قيمة قوة العمل دون أي تغيُّر.
5- وبالتالي، فإن تخفيض قيمة السلعة لا يؤدي إلى تخفيض قيمة قوة العمل إلا بقدر ما تسهم به هذه السلعة في تجديد إنتاج قوة العمل.
ثالثاً: نظريات الاقتصاد السياسي في التوزيع
أ: آدم سميث
تنحل القيمة الزائدة (أي القيمة الَّتي يضيفها العمال إلى المواد) عند سميث إلى: أجر يدفع للعامل، وربح يستحوذ عليه الرأسمالي، وريع يُسدد للمالك العقاري. بفضل القيمة الزائدة الَّتي خلقها العمل تمكّن الرأسمالي إذاً من: دفع الأجور والريع، وجني الربح. كتب سميث: "أن القيمة التي يضيفها العمال إلى المواد تنحل إلى جزئين؛ الأول يدفع كأجور لهم، والثاني هو الربح لرب العمل لقاء مجمل الرأسمال الذي دفعه للمواد والأجور... في ثمن القمح، قسم يؤدى ريع مالك الأرض، وقسم أجور العمال... والقسم الثالث ربح المزارع. وتبدو هذه الأقسام الثلاثة بمثابة المكونات المباشرة أو النهائية لكامل ثمن القمح.... إن الثمن الكلي... ينحل إلى الأقسام الثلاثة... أن ثمن أي سلع في كل مجتمع ينحل إلى جزء أو آخر أو جميع هذه الأجزاء الثلاثة... العمال في الزراعة، بالإضافة إلى تجديد إنتاج قيمة تساوي استهلاكهم الخاص أو تساوي الرأسمال الذي يستخدمهم، يقومون بتجديد رأسمال المزارع وربحه وريع المالك العقاري بصورة منتظمة".
ولا يذكر سميث مواد العمل وأدوات العمل إلا على صعيد تحليل عملية الإنتاج فحسب، لا توزيع الدخول؛ فهو يشير، حين انشغاله بتحليل الإنتاج، إلى أن هناك جزء رابعًا، إلى جانب الأجر والربح والريع، يتعين إضافته لدفع ثمن المواد. بيد أن هذا الجزء الرابع، حين تحليل توزيع الدخول، لا وجود له؛ لأن ثمن الأدوات والمواد نفسه سوف ينحل لديه إلى الدخول الثلاثة، فسميث يقول:" وربما ذهب البعض إلى القول بأن ثمة قسماً رابعاً يتعين وجوده كي يجدد المزارع رأسماله ويعوض ما استهلك من دوابه وأدوات الزراعة، ولكن يتعين أن نأخذ في اعتبارنا أن ثمن أية أداة من أدوات الزراعة... هو نفسه مكون من الأقسام الثلاثة نفسها".
نمطان للتوزيع إذاً عند آدم سميث، لا نمط واحد. الأول يتحدد بتوزيع الدخول (الأجر، والربح، والريع)، والثاني يتحدد بتوزيع قوى الإنتاج (العمل، والرأسمال، والأرض، والمواد والأدوات). وهو ما يدفعنا لتحليل العلاقة بين النمطين في محاولة للكشف عن تصور سميث لا في التوزيع فحسب، بل، وبالتالي، في تجديد الإنتاج الاجتماعي: فلنفترض أن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج بمجموع قيمة 10 وحدات، أنفق منها 4 وحدات لشراء لقوة العمل، و2 وحدة للمواد، و2 وحدة للآلات، و2 وحدة لإيجار الأرض. ولنفترض كذلك أن قيمة الناتج الكلّي تساوي الآتي: 10 وحدات (قيمة الرأسمال) + 22 وحدة (قيمة أضافها العمال إلى المواد)؛ فإن الَّذي يُلقى في حقل التوزيع، وفقاً لمذهب سميث، هذه الـ 22 وحدة؛ لأنها (القيمة الَّتي يضيفها العمال إلى المواد)، وهي الَّتي تنحل عنده إلى أجر وربح وريع على صعيد الثمن الطبيعي، ونحن هنا نواجه بافتراضين:
الأول: أن آدم سميث يخرج الـ 10 وحدات "المسلَّفة" من حقل التداول ويردها للرأسمالي كرأسمال مسلّف؛ كي يحولها إلى كنز، ويجعل10 وحدات من القيمة المنتَجة حديثاً تحل محلها في حقل الإنتاج كأجور 4 وحدات، و6 وحدات تكاليف صيانة الرأسمال الأساسي وما تم استخدامه من الرأسمال الدائر (بوجه عام: قيمة ما استخدم من وسائل إنتاج معمرة وجارية، مع الأخذ في الاعتبار دفع الريع)؛ أما الباقي وقدره 12وحدة، فسيكون من نصيب الرأسمالي كربح، وهكذا يتم الاكتناز في كل الدورات بإخراج أحد أجزاء الرأسمال من حقل التداول.
أما الافتراض الثاني فهو: أن سميث يرى أن القيمة المنتَجة مجدداً تستخدم في تشغيل عمالة جديدة، أي تستخدم في تجديد الإنتاج على نطاق متسع، ومن ثم تنحل القيمة الَّتي يضيفها العمال، في إنتاج سابق، إلى أجور العمال الجدد. ونحن من جانبنا نُرجح الفرضية الأولى؛ لتساوقها مع مجمل البناء النظري لآدم سميث، وبصفة خاص تصوره للادخار بقصد التراكم الرأسمالي والنمو المطرد. مع الأخذ في الاعتبار أن الفرضية الثانية تمدنا بفكرة براقة، لم تكن لتمر على ماركس حين دراسته لتجديد الإنتاج الموسع.
ب: دافيد ريكاردو
يعتنق ريكاردو نفس نظرية سميث في التوزيع، لكنه يستبعد الريع؛ فالقيمة الَّتي يخلقها العمل تنحل لديه إلى ربح العمل المختزن، وأجر العمل الحي، فيقول ريكاردو:"ينقسم كامل قيمة السلعة إلى جزأين فقط: واحد يشكل أرباح الرأسمال، والآخر أجور للعمال". ولكي نفهم حقيقة استبعاد الريع، يجب أن نعي أن ريكاردو، حينما أراد الكشف عن القوانين الحاكمة للريع، كان يقصد بالريع التعويض الَّذي يدفع لمالك الأرض مقابل استخدام قوى الأرض الأصلية والَّتي تبقى سليمة دون تدميرها أو إهلاكها. وهو على هذا النحو لا يقصد الريع المطلق الَّذي يحصل عليه مالك الأرض بغض النظر عن الخصوبة أو الموقع، وإنما يقصد الريع الفرقي، وهو الريع، الإضافي، الَّذي يحصل عليه مالك الأرض لأن أرضه تتمتع بميزة نسبية عن الأراضي الأخرى. ريكاردو في الواقع يفترض أن لا وجود لأي ريع غير الريع الفرقي.
فلو افترضنا وجود أربع قطع من الأرض: (أ)، و(ب)، و(ج)، و(د)، تزرع قمحًا على سبيل المثال، ولكنها تتدرج في الخصوبة إذ تعد القطعة (أ) الأعلى خصوبة، وتعد القطعة (د) الأدنى خصوبة. وجميع القطع تنتج نفس الكمية من القمح، وليكن 250 إردبًا، ولكن كلَّما قلَّت خصوبة الأرض كلَّما تم الاستعانة بوحدات أكبر من العمل؛ فالأرض (أ) تحتاج إلى 5 وحدات من العمل، والأرض (ب) تحتاج إلى 10 وحدات عمل، والأرض (ج) تحتاج إلى 15 وحدة عمل، أما الأرض (د)، وهي الأقل خصوبة، فتحتاج إلى20 وحدة عمل. وبالتالي لن تُباع كمية القمح وفقًا لكمية العمل الضروري المبذول في الأرض (أ)، أو (ب)، أو (ج)، إنما طبقًا لكمية العمل المبذول في أقل الأراضي خصوبة، وهي قطعة الأرض (د) الَّتي تستهلك 20 وحدة عمل. وعليه، وبافتراض أن كل وحدة من وحدات العمل تحصل على وحدة واحدة من النقود كأجر، فسيكون ثمن قمح القطعة (أ) 5 وحدات. وثمن قمح القطعة (ب) 10 وحدات. وثمن قمح القطعة (ج) 15 وحدة. أما ثمن قمح القطعة (د) فسيكون 20 وحدة. ولأن الثمن لا بد وأن يكون واحدًا في السوق، فسوف يبيع الجميع قمحهم بالثمن الَّذي يُباع به قمح الأرض (د)، وهو 20 وحدة. وحينئذ سيحصل مالك الأرض (أ) على 15 وحدة كريع فرقي، ويحصل مالك الأرض (ب) على 10 وحدات، كريع فرقي، ويحصل مالك الأرض (ج) على 5 وحدات، كريع فرقي، أما صاحب الأرض (د) فلا يحصل على أي ريع فرقي. وعلى هذا النحو ينقسم كامل قيمة السلعة، عند ريكاردو، إلى قسمين فحسب أحدهما يشكل أرباح الرأسمال والآخر أجور العمال. أما الريع الفرقي فسوف يقوم المزارع بنقل عبئه إلى المستهلك.
الريع إذًا لا يدخل في تكوين الثمن الطبيعي للقمح؛ فهو ليس تعويضًا عن عمل حي أو عمل مختزن أو حتّى عمل زائد. فمزارع الأرض (أ) على سبيل المثال، وبرأسمال مكون من 5 وحدات أنتج 250 إردبًا من القمح، ولم ينتج سواها. وعند بيع القمح سوف يقوم المزارع بإضافة الريع الفرقي وقدره 15 وحدة إلى ثمن المنتوج الَّذي لم يكلفه سوى 5 وحدات فحسب. هذه الإضافة يتحملها المستهلك ويحصل عليها المالك العقاري. وثمن القمح على هذا النحو، لا ينتظم لدى ريكاردو بكمية العمل المبذول في الأرض (أ) ولا بالعمل بالمبذول في الأرض (ب) أو في الأرض (ج) وإنما ينتظم بكمية العمل المبذول في الأرض الأخيرة، الحدّية، أي الأرض (د)، الَّتي لا يُدفع لها أي ريع فرقي.
ج: كارل ماركس
القيمة الزائدة التي يخلقها العمال تنحل في مذهب ماركس إلى: ربح، وفقاً لمعدَّل الربح الوسطي، وفائدة، وريع، وضرائب،... إلخ: فلقد كتب ماركس:" إن القيمة الزائدة لا تكلف الرأسمالي شيئاً... وبإمكانه أن يستهلكها كلها كأيراد، ما لم يضطر إلى التنازل عن جزء منها لشركاء آخرين مثل الريع العقاري للمالك العقاري. وتؤلّف الأقسام المعنية في مثل هذه الحالة إيراداً لطرف ثالث كهذا... أن القيمة الزائدة تنقسم إلى... الفائدة المحسوبة على الرأسمال، والريع العقاري، والضرائب...".
وما ينشغل ماركس بالتأكيد عليه هو نفي حصول العامل على نصيب في القيمة الَّتي خلقها؛ فالعامل بعد أن ينتج معادل قيمة قوة عمله ينتج قيمة زائدة يستحوذ عليها الرأسمالي. وهذا التصور يغاير، كما رأينا، تصور الكلاسيك الَّذين رأوا أن القيمة الَّتي يضيفها العمال إنما تنحل إلى أجور وأرباح. ولم يكن لماركس الوصول إلى هذه النظرية في التوزيع إلا باستبعاد فكرة (الاكتناز) الَّتي انطلق منها أسلافه. فلو افترضنا أن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج بـ 10 وحدات، 4 منها لشراء قوة العمل، و6 لشراء وسائل الإنتاج، وفي نهاية عملية الإنتاج وجد لديه 40 وحدة، أي أنه حقق 30 وحدة قيمة زائدة، فالكلاسيك، وكما رأينا، سوف يوزعون القيمة الزائدة، والَّتي قدرها 30 وحدة، إلى أجور وريع وربح. أما ماركس، ولخلو التوزيع لديه من فكرة الرأسمال المسلَّف بالمعني الَّذي يقصده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وهو المعنى القائم على فكرة الاكتناز، فسوف يعيد توزيع المنتوج الإجمالي، أي الـ 40 وحدة، على النحو التالي: 4 لقوة العمل (كأجور)، و6 لوسائل الإنتاج، أما الباقي، أي الـ 30 وحدة، فسوف يستحوذ عليه الرأسمالي ويحصل منه على الربح، ويدفع منه الفائدة والريع. وفي مجرى الحياة اليومية يختفي، لدى النظرية الرسمية، الربح كقيمة زائدة. يزول الربح الَّذي يميز نمط الإنتاج الرأسمالي. فبما أن الفائدة تتجلى بوصفها المنتوج الخاص المميز للرأسمال، ويتجلى ربح صاحب المشروع، في تضاد مع الفائدة، بمثابة أجور مستقلة عن الرأسمال، فإن الصيغة ]رأسمال/ ربح (ربح صاحب المشروع + الفائدة)، الأرض/ ريع، العمل/ أجر[ تختزل إلى الصيغة ]رأسمال/ الفائدة، الأرض/ ريع، العمل/ أجر[، في هذه الصيغة، كما يقول ماركس:"يزول الربح بسلام". فما أن يجري تثبيت لحظة التحديد الاجتماعي الخاص للرأسمال بوصفه ملكية تتسم بخاصية الهيمنة على عمل الآخرين، وما أن تظهر الفائدة بالتالي كجزء من القيمة الزائدة التي يخلقها الرأسمال، فإن الجزء الآخر من القيمة الزائدة، أي ربح صاحب المشروع، يظهر، بالضرورة، وكأنه لا ينبع من الرأسمال كرأسمال، بل ينبع من عملية الإنتاج بمعزل عن تحديدها الاجتماعي الخاص، الَّذي سبق أن اكتسب، في تعبير فائدة الرأسمال، أسلوب وجوده الخاص، ولذا فإن الرأسمالي الصناعي يظهر، في تمايزه عن مالك الرأسمال، لا كرأسمال ناشط، بل كموظف مستقل عن الرأسمال. يظهر بمثابة عامل. بل بمثابة عامل مأجور!
والرأسمالي، الَّذي حصل على القيمة الزائدة، يدفع الفائدة من هذه القيمة الزائدة وفقاً لمشاركة الرأسمال المقترض بنصيب في دورة الرأسمال الكلّي. فحينما يقوم الرأسمالي المالي بإقراض الرأسمالي الصناعي، فإن كتلة الرأسمال النقدي المقترض تندمج في كتلة الرأسمال الصناعي؛ كي يكونا معًا كتلة الرأسمال الكلّي الناشط في فرع الإنتاج، وحين توزيع الربح يحصل الرأسمال الناشط، وفقًا لقانون القيمة، على نصيبه من الكتلة الكلّية للربح حسب حجمه من الكتلة الكلّية للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، ثم يقوم بدفع الفائدة خصمًا من هذا الربح. فلنفترض أن رأسمالًا يتكون من 100 وحدة، منها 50 مقترضة، ولنفترض أيضاً أن معدَّل الربح 20%، ومعدَّل الفائدة 6%، فحينئذ سوف يحصل مالك الرأسمال النقدي على 3 وحدات، والرأسمالي الصناعي على 17 وحدة، وذلك من القيمة الزائدة الَّتي تحققت من خلال دورة الرأسمال الكلّي على الصعيد الاجتماعي.
ويعالج ماركس الريع ابتداءً من افتراضه أن الزراعة شأنها شأن الصناعة خاضعة لنمط الإنتاج الرأسمالي، فالمزارع ينتج القمح مثلما ينتج الرأسمال والعمل المأجور النسيج أو الآلات. والريع الَّذي يدفعه الرأسمالي/ المزارع إلى مالك الأرض الَّتي يستغلها يتماثل مع الفائدة الَّتي تدفع إلى مالك الرأسمال النقدي. وبالتالي سوف يطالب مالك الأرض بنصيب قيمة أرضه في دورة الرأسمال الكلّي. وهذه القيمة تتحدد بصورة عكسية مع ارتفاع وانخفاض سعر الفائدة؛ فلو انخفض سعر الفائدة من 5% إلى 4%، فإن الريع العقاري السنوي البالغ 200 جنيهًا سوف يمثل الزيادة في قيمة رأسمال يبلغ 5000 جنيهًا بدلًا من 4000 جنيهًا، وبذلك سيرتفع ثمن قطعة الأرض نفسها من 4000 جنيهًا إلى 5000 جنيهًا. الواقع أن ماركس يبحث هنا ارتفاع وانخفاض قيمة الأرض لا تحديد الريع، خالطاً، في نفس الوقت، بينه وبين الفائدة.
والريع، الفرقي، عند ماركس ينشأ وفقًا لفرضيتين أساسيتين:
الفرضية الأولى: أن الكميات الموظَّفة من الرأسمال متغيرة، والكميات المنتَجة ثابتة. فلو افترضنا، كما افترضنا سلفًا، وجود أربع قطع من الأرض: (أ)، و(ب)، و(ج)، و(د)، توظف كميات مختلفة من الرأسمال، في سبيل إنتاج 250 إردبًا من القمح، على حسب خصوبة التربة في كل أرض:
- فالأرض (أ) توظف (2م + 3ث)؛
- والأرض (ب) توظف (4م + 6ث)؛
- والأرض (ج) توظف (6م + 9ث)؛
- والأرض (د)، وهي الأقل خصوبة، توظف (8 م + 12ث)؛
ولو افترضنا كذلك أن معدَّل القيمة الزائدة 100%؛
فسوف يباع القمح بقيمة قدرها 28 وحدة (8 م + 12ث + 8 ق ز)، وهي القيمة الاجتماعية للقمح الَّذي تنتجه الأرض الحدّية (د).
وسيقوم الرأسماليون في الأرض (أ) و(ب) و(ج) ببيع قمحهم بـ 28 وحدة؛ ناقلين عبء الريع (الَّذي يتدفق إلى جيب المالك العقاري). إلى المستهلك. وينتظم الريع هنا بالقيمة الاجتماعية في الأرض الأقل خصوبة.
الفرضية الثانية: وهي ثبات كمية الرأسمال مع تغيُّر الكمية المنتجة، إذ تظل كمية الرأسمال ثابتة، وليكن عند 10 وحدات، في الأرض (أ)، و(ب)، و(ج) مع تغيُّر غلة الأرض:
- فالأرض (أ) تنتج 300 إردبًا؛
- والأرض (ب) تنتج 200 إردبًا؛
- أما الأرض (ج) فتنتج 100 إردبًا فقط.
حينئذ سيحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض (أ) على ربح، لا ريع، فرقي قدره 200 إردبًا، ويحصل الرأسمالي من الأرض (ب) على ربح، لا ريع، فرقي قدره 100 إردبًا، ولا يحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض (ج) على أي ربح فرقي، مع استئثاره، مثل باقي الرأسماليين، بالقيمة الزائدة الَّتي ينتجها العمال الأجراء. هذا الربح الفرقي، الإضافي، يمكن أن يتحول إلى ريع فرقي للمالك العقاري، أو للرأسمالي إذا كان هو صاحب الأرض المستثمر فيها؛ فسبب حصول الرأسمالي على الربح الفرقي هو أنه استخدم وسيلة إنتاج، هي الأرض الأخصب، أكثر إنتاجية. أما سبب حصول المالك العقاري على الريع الفرقي فهو مجرد ملكيته للأرض الأكثر خصوبة. وينتظم الريع هنا أيضًا بالقيمة الاجتماعية للمنتوج في الأرض الأقل إنتاجية.
----------------------
للمزيد من الشرح والتفصيل أنظر كتابنا: نقد الاقتصاد السياسي.
رابط تحميل الطبعة السادسة:
https://foulabook.com/ar/book/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-pdf
رابط تحميل طبعة مؤسسة هنداوي:
https://www.hindawi.org/books/30314251/
رابط تحميل الطبعة التونسية:
https://foulabook.com/ar/book/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%8C-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا