الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوة التلقين الديني في تغيير الحقائق

هيثم طيون
باحث بالشأن التاريخي والديني والميثولوجيا

(Hitham Tayoun)

2021 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المؤسف أن العلم غير قادر على اقناع طبيب هندي بشري أو بيطري أو أي مثقف يدين بالديانة الهندوسية أن البقرة هي حيوان لا يختلف في تركيبه البيولوجي عن أي حيوان أخر. وأنه يمتلك دماغ بقدرات محددة لا يمكن أن يتجاوزها وأن هدفه هو البقاء على قيد الحياة ولا يمتلك أي قدرات خارقة.
فكيف بنا نقنع أي مجتمع ديني قائم على السرديات والقصص والأحداث سواء كانت سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية، نتيجة التلقين بأن معتقداته غير صحيحة أو غير دقيقة.
فالدين يمتلك قدرة التلقين التي هي في الحقيقة كناية عن قوة الإقناع ليس بالأفكار وحدها، بل بأي عامل آخر؛ كالتوكيد والنفوذ وغيرها، ولو نظرنا إلى الأفكار دون غيرها لرأيناها ذات تأثير ضعيف.
في الدين الإسلامي تبدو بعض الآيات خالية من المنطق كالآية (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون).
من المنطق أن نسأل بعض الأسئلة الشائكة هنا بعيداً عن منطق التلقين .
ـ كيف عرفت الملائكة مسألة الدماء ؟ فهم لم يسمعوا من الله سوى جملة "إن جاعل في الأرض خليفة" كيف استنتجوا وجود الدماء في ذلك الخليفة؟
ـ كلمة "يسفك" تعني "يريق" والإراقة (الكب) لا تحدث إلا للسوائل أي ان الملائكة توقعت أن تكون تلك المادة سائلة وأنها تراق.
ـ توقعت الملائكة توقع صحيح آخر, وهو أن ذلك الخليفة يمكن قتله عن طريق إراقة تلك المادة السائلة.
ـ ما الغرض من إخبار الله الملائكة بمسألة انشاء الخليفة ؟ حيث إن رد الملائكة كان واضحاً، وهو رفضها الصريح لجعل خليفة في الأرض.
ـ الموضوع يشبه قصة ملك لديه مجلس شعب وشورى وأمناء ووزراء, ولكنه يجتمع بهم ويسألهم عن آرائهم مجازاً فقط لا غير, سواءُ اعترضت أم وافقت فالقرار قد اتخذ مسبقاً.
ـ فعلاً انتصرت الملائكة على الله, بعد أن حذرته من ذلك الخليفة وقالت أنه سيعوث في الأرض فساداً ويسفك الدماء.
ـ قول الملائكة "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" إذا فالله خلق الملائكة كي يسبحوه, ما هي الفائدة التي تعود على الله من تسبيح الملائكة له ؟
لنأخذ قصة أخرى وهي طلب الله من الشيطان أن يسجد لآدم فرفض الشيطان أن يفعل ذلك باعتبار أنه مخلوق من نار عكس آدم فهو مخلوق من طين, والنار أعلى مكانة من الطين, فحدث سوء خلاف بين الله والشيطان فرمى الله بالشيطان إلى جهنم ليخلد فيها أبد الآبدين وهي قصة فيها العديد من الإشكاليات أيضاً.
ـ فمن المفترض أن الله يعلم الغيب وهو من قرر أن يجعل الشيطان يتصرف بهذه الطريقة, أي ان الله كان يلعب دور في مسرحية هو من كتبها مسبقاً.
ـ لا يوجد أي سبب منطقي لإجبار ابليس على السجود لآدم, ففي النهاية لن يستفيد أي من الطرفين من تلك المسألة, بل هي قصة رمزية الى أبعد الحدود.
ـ بما أن الله هو من كتب (القدر) كيف به تفاجأ قائلاً “مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟” هل هناك فائدة منطقية من هذا السؤال بما أن الله يعلم أن الشيطان لن يسجد قبل أن يطلب منه أن يفعل ذلك ؟
ـ لقد أغضب ابليس ربه بأن رفض أن يسجد لآدم, على الرغم من ذلك استجاب الله لطلبه حيث قال له ابليس “أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ” فرد الله مباشرةً “إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ”.. لماذا استجاب الله لطلب ابليس ؟
ـ قال ابليس : “أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”. كيف علم ابليس بأن البشر سيكون لديهم يوم للبعث ؟ كيف استنتج وجود يوم القيامة ؟.
ـ لماذا آتى ابليس بصفة الجمع في قوله “يُبْعَثُونَ” ؟ كيف استطاع ابليس أن يستنتج وجود أبناء وأحفاد لآدم ؟ لأن الله لم يخلق حواء ولم يأمر آدم بالتكاثر إلا بعد هذه الحادثة بفترة طويلة. هل كان إبليس مطلعاً على الغيب؟
طبعاً هذا غيض من فيض وهناك الكثير غيره.
ولهذا فإن العقل البشري بحاجة للتحرر من التلقين للوصول للكمال الذي يستحقه ، فالتلقين أشبه بالمُنَوِّم حيث يجعل الإنسان سليب الإرادة، وفي عالم السياسة يكون الزعيم ذو النفوذ العظيم هو المنوم، وفي الدين يعتبر الكاهن أو الشيخ أو القديس كما أن الشعوذة هي نوع من التلقين.
إن روح البشر مولعة بالقضايا القاطعة فإنها تحافظ على آرائها الباطلة الصادرة عن الاحتياج إلى التفسير زمناً طويلاً، معتبرة كل من يحارب هذه الآراء عدواً يستوجب العقاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه