الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أوْلويّة تسبق أولوية التعليم والبحث العلمي

بهجت العبيدي البيبة

2021 / 11 / 3
المجتمع المدني


ما من شك في أن دور الأمم لا يمكن أن يقاس إلا بما تقدمه هذه الأمم للإنسانية من إسهامات حضارية وعلمية، ما دون هذه الإسهامات لا يمكن أن يقدم هذه الأمة أو تلك باعتبارها فاعلة في عالم اليوم، ذلك الذي أخص ما يميزه هو العلم، هذا الذي لا يمكن أن تبرع فيه دولة أو أمة إلا إذا أخذت بأسبابه والتي يأتي في مقدمتها المنهج العلمي، والاهتمام الفائق بالبحث العلمي، وذلك من خلال توفير بيئة علمية مناسبة، تلك  التي لن تتحقق إلا في حال اتخذت الدول والأمم التعليم والبحث العلمي مشروعا قوميا، وتجعلهما في أولويات اهتمامها، وتنفق عليهما الإنفاق المناسب، ليصبحا على رأس قائمة الإنفاق ويأتي بعدهما كل شيء مهما كان له من أهمية، فلا أهمية تسبق أهمية التعليم، ولا أولوية تسبق أولوية البحث العلمي، هذا إن كان لدى هذه الدولة أو تلك الأمة نية حقيقية للحاق بعالم اليوم  والمساهمة بسهم حقيقي الحضارة الإنسانية الحديثة والتي نؤكد أنها حضارة علمية وتكنولوجية بامتياز، يدرك ذلك كل من يعيش العصر الحالي، أنا هؤلاء الذين يحيون في عصور مضت وأزمان انقضت فهم في غيبوبة لن يفيقوا منها إلا لو أرقهم وأرهق تفكيرهم المفكرون والمثقفون الذين هم طليعة كل أمة.

يظل المفكر وكذلك المثقف هو والعدم سواء بسواء، ما لم يقم بالدور المنوط به، ذلك الدور الذي من المفترض ألا ينفصل عن البيئة التي يحيى بها، ولا عن المجتمع الذي نشأ فيه، ولا عن الوطن الذي ينتمي له، ولا عن الأمة التي ينتسب إليها، فهو يظل في دوائر انتماءاته المتعددة والمتدرجة من الأضيق إلى الأوسع، من الأصغر إلى الأكبر.

فالمثقف الحقيقي يفقد أهم خصائصه وسماته، إن تخلى عن معركة الوجود التي خُلِقَ - هكذا نؤمن - لأجلها، والتي هي في جوهرها الأصيل الارتقاء بالعقل الإنساني، الذي يجب أن يكون هو شغل المثقف الشاغل.

إن الواقع الذي نعيشه يكشف يوما بعد يوم، ومعضلة خلف معضلة، وقضية وراء قضية أن العقل العربي مستغرق في القشور، بعيدا عن اللب، أقرب للغياب منه إلى الحضور في قلب العالم، أبعد ما يكون عن اليقظة المتوقدة التي تقرأ الواقع قراءة موضوعية، مُسْتَقْبَلة للعناصر المكونة لهذا الواقع استقبالا نقديا يجعل من الأحكام الصادرة أو النتائج المستنبطة متفقة مع المنطق، واستدلالاته الواقعية.

على المثقف العربي أن يعرِّي هذا القصور تعرية كاملة، تكشف زيف النتائج، وتظهر عورة الفكر المنغلق الذي يتخذ من كل العالم عدوا، ويركن للدعة الموهومة برضا زائف عن حال يجب أن نثور عليه، لنخرج من شرنقة نسجناها وغزلناها من خيوط العنكبوت؛ ظانين في أنفسنا تفوقا واهمين ذواتنا بالمشاركة الحقيقية في الحضارة الإنسانية المعاصرة؛ التي تبنى على العلم والعمل والبحث مُعْلِيَةً العقل النقدي، والفكر المستنير.

إن أكثر ما يحب أن يقوم به المثقف العربي هو أن يصدم ذلك الخنوع الذي رُكِّبَ في الشخصية العربية تركيبا، حيث أننا نؤمن أنه ليس أصيلا فيها بل جُلِبَ إليها جلبا في إطار معركة ثقافية ممتدة منذ قرون، وللأسف حتى هذه اللحظة هزمنا أنفسنا بأنفسنا فيها، ذلك حينما نحَّيْنا العقل جانبا، والتمسنا غيره سبيلا.

ولكي نتعرف على ذلك البون الشاسع بيننا وبين المجتمعات الحية، وعلى شكل المعركة – معركة الوعي - التي يجب أن نخوضها، التي نزعم زعما، هو لليقين لدينا أقرب، أن الموت في سبيلها شهادة، تعالوا نتأمل مفهوم المساهمة والمشاركة في تلك الأزمة هزت العالم كله، بل زلزلته ومازالت تزلزله زلزلة، وهي أزمة ڤيروس كورونا، والتي قدَّم فيها العالم المتحضر علميا محلمة طبية خالدة، حينما استطاع خلال عام من البحث المضني، ساعده فيه ما توصل إليه العقل الغربي من تقدم تكنولوجي، أن ينتج لقاحا يحاصر به هذا الانتشار الرهيب للفيروس الشرس، والذي حصد أرواح الملايين في ذروة انتشاره خلال العام المنقضي، هذا الذي يدفعنا - نحن الغيورين عل مجتمعنا - أن نعمل على إثارة الحمية في النفوس بهدف دفع المجتمع دفعا لإعلاء قيم التعليم والعلم والبحث العلمي، حيث أن ذلك فقط الطريق الذي علينا أن نسيره، لا لنلحق بهذه الأمم التي سبقتنا بأشواط، فهذا غير ممكن في المستقبل المنظور، بل لنضع الأسس الصلبة الحقيقية لهذا البناء العلمي المنشود الذي يعلو ويتراكم بمرور الوقت، وانقضاء السنين في جد واجتهاد وعمل مضن.
ويظل المثقف الحق محاربا لتلك الراحة الخادعة التي نعيش فيها، ومنددا بالرضا الخانع يلبسنا، نتيجة مشاركة وهمية تقنع هؤلاء البسطاء، من مثل إلقاء الضوء على تبرع من ثري عربي، أو مساهمة طبيب مسلم أو مشاركة طبيبة مسلمة في بحث في دولة من دول العالم الغربي المتقدم علميا، وتضخيم مثل تلك الأشياء، كما يحلو لبعض المشايخ في معرض ردهم على من يصنفونهم "علمانيين" والذين يعايرون المسلمين من أن لا دور لهم في مكافحة ڤيروس كورونا سوى التوجه بالدعاء لله سبحانه وتعالى.

فإذا كان هذا هو الدور الذي نفتخر به، وهذه هي المساهمة العلمية التي يمكن أن تشارك بها أمة عددها مليار ونصف من البشر، وتمتلك من الثروات ما ليس عند غيرها - فبئس المساهمة تلك - فهذا عينه هو الخنوع، حيث أن تلك المساهمة هي ذلك الفشل نفسه، وحيث أن من يرددون ذاك ذاته يعملون على تغييب العقل وينشرون الجهل المركب.

حينما يطالب العقلاء الغيورون هذه الأمة بأن يكون لها دور وأن تسهم بسهم علمي حضاري، فهم لا يقصدون تلك التفاهات التي يذكر هؤلاء ليخدعوا بها البسطاء، وليس هذا هو الأمل المنشود، إن المطلوب - الذي يسعى له هؤلاء المطالبون بدور للعرب والمسلمين بالحث عليه - هو أن يكون لدينا تعليم حقيقي وبحث علمي رصين، وأن يكون عندنا مراكز علمية حقيقية، نفيد من خلالها أنفسنا والبشرية وننطلق من خلالها إلى آفاق غير مسبوقة في كافة مجالات الحياة. وأن نتخذ من العلم منهج حياة، وأن تكون ميزانية التعليم والبحث العلمي أضعاف مضاعفة مما هي عليه الآن، وأن يكون هناك اهتمام ورعاية بالعلماء والباحثين، وأن يتم توفير البيئة الملائمة لهم، وأن يصبحوا في المقدمة من الناحية الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تبدي انزعاجها من إجراءات إنفاذ القانون ضد محتج


.. الأمين العام للأمم المتحدة: نحث الأطراف بقوة على التوصل لاتف




.. اعتقال مرشحة للرئاسة الأمريكية في احتجاجات داعمة لغزة


.. نشرة الرابعة | اتفاقيات سعودية أميركية -قريبا-.. وعمليات -سع




.. سيناريو إصدار مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو