الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة لادينية في ماهية التكوين

هيثم طيون
باحث بالشأن التاريخي والديني والميثولوجيا

(Hitham Tayoun)

2021 / 11 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كانت عاصفة مطرية تسبب صاعقة وبضع قطرات من المطر قادرة على زيادة تكوين أكسيد الأزوت وبالتالي خلق نوع من الفطر يدعى الكماة دون أي تدخل بشري ، فإن كل شيء في هذا الكون يمكن أن يوجد بشكل طبيعي نتيجة عدة ظروف فيزيائية .
يجاهد العلماء لاكتشاف نشأة الكون وتعقيداته ونمط تطور الحياة فيه ولكن جاءت الأديان لتفرض على العقل البشري أساطير وروايات تحدد مفهوم الخلق ولكن لماذا هذا التشابه الكبير في الأديان الإبراهيمية وغيرها؟ و هل فعلا سبب التشابه هو أنه صادر عن نفس الذات الإلهية؟
إن قصة نشأة الكون عن الخليقة موجودة في تراث كل الشعوب، ولا بد أن وجود هذه القصة في التوراة، كانت نتيجة تأثر اليهود أثناء فترة السبي البابلي، بما ورثته بلاد الرافدين من الحضارة السومرية والأكادية.
"وقد أخذ الساميون بهذه الأسطورة، ولكن البطل حمل اسم (أوتنابيشتيم) و (إثرا خاسيس)، و(تجنوح)، لكن الأسطورة المصاغة للبطل (تجنوح)، دخلتها عناصر من قصة الخلق، فقالت أن تجنوح لم يستمر في الحياة الخالدة، بعد أن خسرها لما أكل من فاكهة محرمة، ولنلاحظ القرب الزماني لأسطورة تجنوح من وقت ظهور التوراة، حيث اختصر فيها (تجنوح) إلى (نوح)، الذي تقول التوراة أنه عاش عمراً مديداً بلغ حوالى تسعمئة وخمسين عاماً، وهو يكاد يكون ترديداً لمعنى الخلق الألفي، الذي ينقطع فجأة بالأكل من الثمرة المحرمة".
فالتشابه الرهيب بين قصة الخلق لدى السومريين والبابليين مع التوراة، لا يكمن عن تأثر فقط بالتراث البابلي، بل أراه يميل إلى أن يكون سرقة أدبية من قصة الخليقة لدى حضارات بلاد الرافدين.
خاصة أننا نرى فيما بعد أن النهج التوراتي ينحو باتجاه مختلف فيما بعد، عندما يصل إلى إبراهيم وما بعده، ولو أكملنا مع المسيحية والإسلام، الذين يشتركان مع اليهودية في قصة الخليقة، نرى أن لدى المسيحيين والمسلمين اعتقاداً بالحياة ما بعد الموت، أو لنقل الخلود بعد الموت، سواء في النار أو الجنة أو في الملكوت، وهذا الاعتقاد لم يكن مقبولاً البتة لدى السومريين، بالخلود بعد الموت، وإن كانوا يتمنون ذلك، إلا أن القضية مرفوضة لديهم عقلياً ومنطقياً.
ولذلك فالتراث الابراهيمي، لا يتعدى كونه اقتباساً من الآخرين مع إضافة اللمسة الخاصة لكل فلسفة من الفلسفات الابراهيمية الثلاث و محاولة لفهم أصل الحياة وسببها.
أما لو أننا ذهبنا في الاتجاه الآخر، أي أن قصة الخليقة اليهودية ليس تأثراً بالسومريين والبابليين، وأن القرآن لم يسرق هذه القصة من التوراة أو من الحضارات الأخرى، فسوف نواجه إشكالاً فكرياً هنا، وهو سبب تشابه هذه القصص في الأديان وغير الأديان؟
من هنا نجد أن الأديان عبارة عن محاولة استقراء الواقع، أي أن أي شخص ينظر حوله، يرى أن كل من حوله جاء عن والدين، وكذلك بالنسبة لأجداده، وأجداد أجداده، وهنا يقف الانسان ذو العقلية البدائية أمام احتمالين، إما أن تستمر السلسة إلى ما لانهاية، أي أن العديد من الأسلاف، أنتجوا لنا العديد من الأخلاف، وإما أن كل هذه البشرية أتت من زوجين اثنين، وللهروب من الرهاب من المجهول، كان عليه أن يتبنى إحدى الروايتين، كي يقنع ذاته بأنه سبر ذلك الغور، و بشكل منطقي بالنسبة لتلك العقلية، اختار أن تكون البشرية من زوجين اثنين، وذلك أن العقلية البشرية لا تقبل التسلسل اللانهائي، لأنه يجعل العقل يدور في حلقة مفرغة، والسبب الثاني هو الانتماء للعائلات أو العشائر، التي تسمى أو ينظر لها تحت اسم أحد الأسلاف القدماء، مما يوحي بأنه لا بد من عودة جذور البشر جميعاً إلى علم واحد متميز، وهذا ما أراه برأيي، دوافع مهمة لاعتماد أن الحياة بدأت من زوجين اثنين.
خبر صغير يمكن أن يلفت النظر هنا تم ذكره في وسائل الإعلام عن ولادة سمكة قرش صغيرة في حوض مملوء بالكامل من الإناث في حوض مائي في سردينيا الإيطالية ومن هنا فيمكن أن نفترض أن منشأ الإنسان الأول هو الأم قطعاً بعيداً عن حلقة الوالدين، وهو افتراض يحمل جانبي الصحة والخطأ ولا يمكن الجزم فيه ولا يمكن انكاره.
إن كل قصة خليقة لدى أي حضارة، مكتوبة بشكل يبدو فيه أثر الجغرافيا وطبيعة الحياة واضحاً فيها، ولهذا لا نجد أثراً للأنبياء الإبراهيميين في الحضارات الأخرى، ولا نرى تشابهاً في التفاصيل الدينية بين دين وآخر على الجغرافيا الأرضية إلا قليلاً، وإن وجد، لا بد أن يكون لدينين متلاصقين جغرافياً أو تجارياً، لأن علة وحدة المصدر لا تفيدنا فيما بعد بما يتعلق بالشعائر الدينية، فكل الأقوام القديمة قبل التواصل، لا بد وأنها تظن بأنها الوحيدة في العالم، وكل الأديان التي قامت فيها مطابقة ومتوائمة مع أسلوب الحياة والطبيعة السائدين لديهما، فلو كان المصدر ذاته، لما رأينا هذا الاختلاف الشاسع بين معتقدات الدين في أمريكا الجنوبية، وبين معتقدات الحجاز.
وهنا تبدو الأديان بمظهر المميز لكل شعب، ويصح أن نقول بأن الدين وليد الجغرافيا والتراث البشري وليس العكس، و أنه ليس إلا محاولة للإجابة على غائية الحياة، وهذا يتضح من قضية الثواب والعقاب، والحياة ما بعد الموت، أو الجزاء الدنيوي .
أما لماذا اختار فلاسفة الدين (أنبياؤه) هذه الطريقة في الإجابة عن الغاية من الحياة، فهو ليس إلا مجهولاً مقنعاً بإجابة مرضية، لأنهم لا يملكون بين أيديهم أي شيء يمكن أن يثبت غائية الحياة، لذا لجأوا للخوارق، والأشياء التي لا يمكن إجراء تجارب لنفيها، أي للعلوم والمعارف الزائفة، وهكذا يريح الأنبياء نفسهم من عبء الإثبات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة


.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: المسيح متواجد معنا في كل مكا


.. بدايات ونهايات حضارات وادي الرافدين




.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا