الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدينة/الدولة: من أجل مشروع مدينة مغاربي؟

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2021 / 11 / 5
المجتمع المدني


توازت عبر تاريخ الفكر الإنساني فكرة إنشاء المدينة مع فكرة استقرار المجتمع البشري، وقد ولد هذا الاستقرار أنماط مختلفة من العمران اختلفت بحسب اختلاف الجهات والأزمنة؛ تمدنا المرحلة الأسطورية ببعض ما يكفي لنتعرف على كيفية إنشاء هذه المدن ودورها الوظيفي القائم أساسا على الحماية، وهي بقدر ما تبين هذا الطابع، فإنها تعبر أساسا عن نسق التفكير السائد آنذاك، الذي ارتبط بمرحلة الإيقونية السحرية، حيث تقوم التراويق والرسومات والطلسمات والزخارف... والأشكال سواء الخارجية أو الداخلية بدور الراقي من الشر المحيط، الذي يتجلى في عوامل طبيعية كالأوبئة أو الزلازل أو البراكين... والتي عبر عنها التفكير البدئي السحري بالآلهة وأنصاف الآلهة.
تقدم ملحمة "كلكامش" السومرية أقدم مثال عن المدينة، يتجلى في مدينة "أروك" التي حكمها الملك كلكامش، وهي تفصح باعتبارها بنية لغوية ملحمية عن الطابع المكون لها، فهي تتألف من ملك هو على رأس الأسرة الحاكمة وطبقة كهنوتية وجنود وحرفيين بمختلف المهن من عامة الناس، فكما يتخذ البناء الهندسي للعمارة السومرية شكل المثلث في "الزاقورة"، فإننا نجده يتوازى وهذا الشكل على مستوى الهندسة الفكرية.
ظل هذا الشكل يحكم لما بعد سومر "العراق" في كل المناطق الحضارية العتيقة إلى أن استوطن اليونان وغير بعض خصائصه لتتناسب مع هذه المرحلة الهيلينية، وقد شكلت كتابات الفلاسفة ومنهم أفلاطون وأرسطو أساس هذا التغيير في الخصائص، يُعد كتاب "الجمهورية" والكتاب الشارح له "النواميس/أي القوانين" أهم تنظير فلسفي لما يجب أن تكون عليه المدينة/الدولة لتأتي بعده الشروحات والتأويلات، التي قامت بعملية الترهين والتبيئة بحسب كل زمن، وتؤسس لمفهوم الفضاء العام الذي يشكل فضاء للجدل والحوار والتوازن بين هذه الطبقات المكونة للمجتمع.
يشهد زمننا المعاصر سيادة نمطين للمدينة؛ الأول نمط على الطريقة الرومانية وسلفها اليوناني، ويتجلى في العالَم الأمريكي بدوله وولاياته... وهو نمط يقوم على فكرة التوازن بين من يحكم والطبقة المتوسطة، حيث الفضاء العام هو مجال لكل التجاذبات والتوترات والتحويلات والتغييرات... إذ تعبر هندسة الأبراج السامقة عن الهندسة الذهنية للمجتمع الأمريكي، فما هو فوق قد يصير تحت والعكس صحيح، حيث تسمح هذه الهندسة بتبادل هائل للخبرات والمعارف والمواقع. الثاني هو نمط تقليداني مشرقي يقوم على أساس التماثل بين البنية الدينية والسياسية والإديولوجية، التي هي أصلا سواء... فكما يوجد الله/الصانع في قلب الإنسان يوجد قصر حاكم وسط المدينة ويوجد الجامع الأعظم أيضا، ولا مجال إلا للرأي الواحد، يقوم الفضاء العام فقط هنا بالتنفيس عن المحكوم، لأن النسق الذهني وحتى الهندسي المعماري فيه له شكل دائرة فإما أن تكون في المركز أو تكون خارجه.
إن أفق ما يسمى بسؤال المدينة/الدولة؟ بشمال إفريقيا وحتى غرب أسيا رهين بإعادة بناء الجغرافية الذهنية لهذه المجتمعات وبناء هندسة معمارية تُراعي إنسانية الإنسانية وليس عبوديته، إن مدننا المغاربية تتناسب وبحق مع جهلنا المركب، لأن البناء الذهني هو نفسه البناء العمراني.

نشر هذا المقال بجريدة الاسبوع المغاربي العدد (82) يوم 02/11/2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار