الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكم الوَيلُ لا تَزنوا وَلا تَتَصَدَّقوا

حسن خليل غريب

2021 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قيل: (تموت الحرة ولا تأكل بثدييها). ولحسن خلاصهم من تهمة الدعارة السياسية تأكل أحزاب السلطة الطائفية بأثداء الوطن، وذلك لكي لا تُلصق بهم تهمة ممارسة الدعارة مع من يدفع أكثر.
يُروى أن مومستين جارتين تراشقتا بتهم الدعارة. فلم تجد إحداهن لأنها لا تستيطع الإنكار سوى أن ترد على جارتها قائلة: إن زبائني تفحُّ منهم رائحة العطر، وهم من علية القوم. وأما رائحة زبائنك فهي منفِّرة تجتاح أدراج البناية.
ليس هناك فرق بين ذات الزبائن المعطَّرين، وذات الزبائن الذين تفح منهم الرائحة المنفِّرة. وكلتاهما مومس تقبض الأجر مقابل الزنى، وكلتاهما تأكل بثدييها، وإن تنوَّع الزبائن فالزنى واحد.
وكما يُروى أن شاعراً ردَّ على مومس زعمت أنها تمارس البغاء وتتصدق به على اليتامى، قائلاً: كَمطعمَةِ الزهّادِ مِن كَدِّ فَرجِها ... لَها الوَيلُ لا تَزني وَلا تَتَصَدَّقي.
إن للبغاء عدة أوجه، منها بغاء المومس التي تمارس الدعارة الجسدية مقابل أجر تقبضه من الزبائن. ومنها بغاء السياسي، الذي يمارس الزنى بدستور بلاده وقوانينه المرعية الإجراء، لقاء أجر يقبضه من جهة خارجية.
-الوجه الأول: بغاء المومس يكون لقاء أجر يدفعه المستفيد من خدماتها الجسدية وليس من أجل ما تتبرَّع به للفقراء.
-الوجه الثاني: علماً أن أية جهة خارجية لا تدفع لجهة داخلية أجراً لدافع أخلاقي أو دافع إنساني، بل هو ثمن لخدمة حماية مصالحها تقوم بها الجهة المدفوع لها أجراً. وهذا ما نسميه بالبغاء السياسي الذي هو عبارة عن أجر تقبضه تلك الشريحة لحماية مصالح الجهة الخارجية في هذا الوطن.
إن الجهة الخارجية التي تدفع لبناء علاقات مأجورة مع شريحة اجتماعية في دولة أخرى، تعرف أنها تخالف الشرائع الدولية، ومنها تشريعاتها الخاصة. فما من دستور دولة من دول العالم إلاَّ وينص على اتهام كل شخص أو حزب بـ(الخيانة العظمى) إذا تلقى مساعدة من دولة خارجية تمس بأمن المصلحة الوطنية.
وإنه ما من جهة داخلية تقبض الأموال والمساعدات من الخارج، إلاَّ وتعرف أنها تخالف دستور بلدها، وقوانينه المرعية الإجراء. فإذا كانت تجهل الحقيقة فهي مصيبة، وإذا كانت تدري فالمصيبة أعظم.
وإذا كان (الدافع) و(القابض) يدركان أنهما يرتكبانها، فهما يرتكبان جريمة موصوفة. وإذا كان (القانون لا يحمي المغفَّلين) الذين لا يدرون ماذا يفعلون. فإنه لن يحمي أيضاً الذين يخالفون دستور بلادهم وقوانينها عن سابق إدراك وتصميم، لا بل تتضاعف عقوباتهم لأنهم (يدرون ماذا يفعلون). وبين هذا وذاك، يجاهر البعض منهم بارتكابه الجريمة. وأما البعض الآخر فإنه يستر ارتكابها بالصمت والتقية.
وأما في مقاربتنا بين بغاء المومسات، والبغاء الذي يمارسه السياسيون، فاستناداً إلى الأسباب التالية:
-بغاء المومسات هو فعل يتناقض مع القيم الأخلاقية السائدة في شتى المجتمعات. وهذا الفعل لا يشرعنه القول بأن من تفعله إنما توزع ما تجنيه على الفقراء.
-والبغاء السياسي هو فعل يتناقض مع التشريعات الدستورية والقانونية السائدة في كل الدول المعروفة. ولا يشرعنه القول بأن من يقبض من الخارج سيصرفه على محازبيه من الفقراء، أو أنه يصرفه على بناء المؤسسات الاجتماعية التي سيستفيدون منها، أو لبناء قوة ذاتية لمواجهة القوى الطائفية الأخرى. وغير ذلك، سيكون شبيهاً، بما قاله الشاعر: (لَها الوَيلُ لا تَزني وَلا تَتَصَدَّقي).
وحيث إنه لبغاء المومسات أجر تقبضه المومس لقاء عمل يتنافى مع القيم الأخلاقية. ولأن لبغاء السياسي أجر يقبضه من جهة خارجية لقاء فعل يتنافى مع قيم بلده الدستورية والقانونية. فكلاهما يرتكبان جريمة موصوفة.
بين هذا وذاك، إن عائدات البغاء السياسي لا تصرفها الجهات القابضة من أجل رفع الغبن عن المغبونين، بل هي لترسيخ قبضة تلك الجهات على محازبيها على قاعدة (من يأكل خبز السلطان يضرب بسيفه). وإن بناء العلاقات بين القوى الطائفية والخارج تؤدي إلى تهديد السلم الأهلي والاقتصادي، وهو ما يدفع ثمنه ليس من انتمى إلى تلك القوى لوحدهم فحسب، بل تدفعه أيضاً شتى شرائح المجتمع الوطني فرداً فردا.
وإذا أردنا أن نعقد مقاربة واقعية لحكمنا هذا، فما علينا سوى إعادة استذكار ما يجري على أكثر من ساحة عربية، وبالأخص منها ما يجري في العراق ولبنان.
في العراق، ينتشر الفقر والجوع والمرض والتهجير والقتل بحيث يشمل كل العراقيين من دون استثناء... بينما تنعم القيادات القابضة على عائدات البغاء السياسي من الخارج، في أفضل المستويات المعيشية. وكذلك في لبنان، يعم الجوع والمرض والفاقة والانهيار الاجتماعي والاقتصادي الشامل... بينما تنعم تلك القيادات بمزايا العيش المرفَّه، وكذلك تحتل أفضل المواقع المعنوية شهرة.
وأخيراً، ودليلاً على ما نقول، فلننظر إلى المشهد السياسي في لبنان اليوم بشكل خاص، فنجد مشهدين قاتمين، وهما:
-المشهد الأول: مشهد أحزاب السلطة، الذين لا يعرفون من شعاب مكة أكثر من التصارع على جنس ملائكة الحكومة، وعلى جنس ملائكة وزرائها، وعلى عدد ما تحتله من مقاعد في المجلس النيابي. وكل ذلك من أجل ضمان دعم ملائكة هذه الجهة الخارجية أو تلك في التأثير على قرار لبنان السيادي.
-المشهد الثاني: مشهد الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين تنتابهم المصائب من كل حدب وصوب، وعمَّ الغضب، وعلا الصراخ من الجوع والمرض في كل بيت في لبنان. وليس هناك من أولياء السلطة من يرى أو يسمع. فهم في واد، والشعب في واد آخر.
وليس على اللبنانيين أكثر من أن يقول لأحزاب السلطة، من أكبرهم قوة وثراء، إلى أضعفهم في المجالين: (كفاكم ممارسة للبغاء السياسي. وكفى لبنان أن تأكلوا بثدييه خدمة لمصالحكم الضيقة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب


.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت




.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط