الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء الثالث عشر / 33

اسماعيل شاكر الرفاعي

2021 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الجزء الثالث عشر


33 -

بدأت الحضارة العربية الاسلامية بالأفول : حين استولت على الارض الزراعية في العراق والشام ومصر وايران وشمال افريقياً : دول اخرى بعضها سنية ، تشكل امتداداً لمنظومة الخلافة الفقهية كدول الأدارسة والموحدين والمرابطين في المغرب ، والامويين في الأندلس ، ودول المماليك في بلاد الشام ومصر ، أو دول شيعية تشكل مفاهيمها الفقهية امتداداً لمفاهيم المنظومة الفقهية لدولة العائلة الفاطمية كالقرامطة في البحرين والبويهيين والسلاجقة والخوارزمية في ايران والعراق ، او قومية تروم العودة الى ديانات قديمة كالبابكية والخرمية في ايران . لم يدعم الحضارة الاسلامية على الاستمرار في الوجود كثرة مصنفات فقهائها وعلماء كلامها ومؤرخيها وفلاسفتها وشعرائها ، بل كثرة اراضيها الزراعية . ان انتاج الافكار له تأثير آخر غير تأثير الأموال التي وحدها تضخ الروح في مؤسسات الدولة وتديم من عملية اشتغالها . لو ظل الدين الاسلامي محصوراً في شبه الجزيرة : في عاصمة نصف زراعية ، تحيطها قبائل من البدو الجياع ، لما تمكن من الاستمرار في تمويل جيش اصبح تعداده 30 ألف جندي ، لكن النبي بعد ان سيطر على مراكز القوة الاساسية داخل شبه الجزيرة : بدأ يبحث لهذا الجيش العرمرم ، شديد البأس مركزي التنظيم - الذي يسكن أفراده حلم الحصول على الغنيمة بعد نهاية المعركة ، او حلم الخلود في الجنة اذا ما قتلوا - عن تمويل ذاتي خارج شبه الجزيرة ، فدفعه صوب بلاد الشام البيزنطية ( معركة مؤتة ) . لو لم يندفع الاسلام الى مركز صناعة الاحداث في الشرق الاوسط لما انتج حضارة : ولظل ديناً قدره تبادل القتال الدائم ، داخل الجزيرة مع قبائل تعودت الثأر السريع من غزاتها ، اذ ان الغزو هو الطريق الوحيدة للحصول على مقومات الحياة في شبه الجزيرة . يقول تاريخ ديانات الشرق الاوسط بأن مجتمعات هذه الديانات لم تتحول الى مجتمعات متحضرة ، الا بعد ان بدأت تنظم نفسها عسكرياً وتمارس غزو جيرانها ، وتستولي على ما لديهم بالقوة . فاليهود استولوا بقوة السلاح على فلسطين ، استحثتهم على احتلالها : أسطورة الوعد الآلهي التي بموجبها منح الاله " يهوه " ارض فلسطين اليهم . وستتكرر حالة غزو البلدان وتكوين الامبراطوريات من قبل القبائل البدوية : العربية بقيادة المهاجرين المكيين في القرن السابع الميلادي ، والمغول في القرن الثالث عشر . وحين استقر اليهود بدأ منجزهم الحضاري المتمثل بالتوراة ، بالخروج الى الوجود ، وتوقفت الإضافات والهوامش على " سفر التكوين " وهو النسخة الأصلية من التوراة ( وفقاً لفكري أندراوس في كتابيه : الإنجيل العبري ومصر القديمة ، دار الثقافة الجديدة مصر 2018 ، وكتابه الآخر : مكتبة نجع حمادي ومسيرة المسيحية ، دار الثقافة الجديدة مصر 2019 ) فهذا الاستقرار هيأ المجتمع اليهودي لدخول التاريخ بالشروع بكتابة التوراة : بالاعتماد الكبير على الذاكرة التي تفسح مجالاً كبيراً لتقويل التاريخ ما لم تقله احداثه ، وهو الشئ الذي سنصادفه في عصر تدوين العرب لمعارفهم وعلومهم في حوالي سنة 150 هـ ( وفقاً لاحمد أمين في موسوعته الاسلامية ، وتأكيد هذاالتاريخ من قبل الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه عن بنية وتشكيل العقل العربي ) اذ منح الرواة لخيالهم حرية اختلاق الاحداث والشخصيات ونسج الأحاديث النبوية وبيعها ، فالرواة هنا لا يبيعون سلعاً مصنعة بل حكايات مصنعة ، وهذه الحكايات لا تتضمن التسلية وأخذ العبرة : كما في حكايات الف ليلة وليلة ، وكحكايات الإمتاع والمؤانسة لابي حيان التوحيدي ، او حكايات البخلاء للجاحظ او الحريري في مقاماته . هؤلاء الرواة باعونا أوهاماً على انها حقائق : بدأ المؤرخ والفقيه وكتاب علوم الدين والقرآن يستشهدون بها على انها حقائق أفرزها النشاط العقلي للسلف . وهذا الاختلاق المكثف يفسر لنا : سبب عدم عثور علماء الآثار على اثر للشخصيات والرموز التي تضج بها صفحات التوراة ، لأنها اصلاً حكايات شائعة ، فقد ابطالها اسماءهم الأصلية ( في الغالب سومرية وفرعونية الاصل ) لكثرة ترجمتها من لسان الى آخر من السنة أقوام الهلال الخصيب والشرق الاوسط . ولكن الكتب المقدسة للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام : اضفت عليها طابع القداسة ، ومنحتها صوت الحكمة الأبدية التي تضم تاريخ العالم وعملية خلق الانسان والحياة ، وعمر الانسان على الارض ، وتفسيراً لما مر به الانسان من احداث كبرى : كالخطيئة التي ارتكبها آدم وحواء وجنة عدن والطوفان وإبليس . واستمرت المسيحية ديانة تضحية وفداء ، وهما من اركان مفهوم البطولة البدوي ذو الصفات المتعددة كصفة الشجاعة والإقدام ، والتمسك بالمعتقدات ، وعدم التفريط بها حتى تحت التعذيب الشديد : وهي مرحلة في وعي الهوية الذاتية يحل فيها التعصب للدين محل التعصب القبلي . وقد بلغ اضطهاد المسيحيين ذروته في سنة : 303 م واستمر حتى 311 ، عندما اصدر كبير اباطرة روما حكماً يدعو الى التسامح ، فاصبح للمسيحيين الحق في ممارسة شعائرهم الدينية ، ثم اصدر الإمبراطور اوغسطين بعد سنتين مرسوم ميلانو 313 م ، الذي منح المسيحيين وغيرهم الحرية الدينية ، ولكنه جعل المسيحية بعد معركة سنة 324 م الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية بشقيها الغربي والشرقي ، فجلست الكنيسة بعد اوغسطين على عرش اكبر قوة في العالم : عرش الامبراطورية الرومانية ، وباشرت عطاءها الحضاري المتمثل باللاهوت : اي البحث في الماورائيات وفي طبيعة المسيح ، واللاهوت هو عطاء الحضارة المسيحية ، وهو سبب انقسامها الى كنائس متعددة ، لعبت من بينها الكنيسة الكاثوليكية : دور الأب الذي كان يعاقب الكنائس الاخرى بطردها من رحمته ، واطلاق نعت الهرطقة عليها . تشير الدراسات اللاهوتية للديانة المسيحية الى : ان العالم الذي نعيش فيه مشطور على ذاته الى عالمين ارضي وسماوي . الارضي منهما : مؤقت وزائل ، فيما عالم السماء : سرمدي ثابت لا يحول ولا يتغير ولا يزول ، ممتد من الأزل للأبد . وهو الصانع لعالمنا ، وعالمنا تابع له . وهو عالم طاهر ، في حين ان عالمنا الأرضي : مدنس لاننا ارتكبنا الخطيئة الكبرى ، التي لا يقدر احد على تطهيرنا من دنسها ، الا بأن يرسل الينا العالم السماوي : مخلصاً . وقد جاء المخلص فعلاً ، ارسله الينا عالم السماء أو عالم الغيب الذي لا تدركه الحواس . ويشكل عالم الغيب كمفهوم : تتويجاً للنشاط الحضاري للحضارة المسيحية : انه المفهوم الذي دارت من حوله جميع مفاهيم الديانة المسيحية لانه متعلق بمفهوم المخلص الذي جاء من عالم الغيب وبأمر منه . وهو يتفاوت في وضوحه بين ديانة وأخرى : ولكنه موجود في جميع الحضارات الي لعب فيها الدين دور الرافعة الحضارية في المجتمعات الزراعية ، وهو اشد وضوحاً في الحضارة المصريةالسابقة للتوراة : كعالم مقدس يملك قدرة خلق الأشياء وأماتتها : بل ان أسطورة إيزيس واوزوريس المصرية اكثر تماسكاً ومنطقية حتى من نظرية الأقانيم الثلاثة المسيحية : الأب ، الابن ، الروح القدس التي تظل غامضة وغير سهلة الفهم ( بالنسبة لي على الأقل ) . لكن عالم الغيب الذي بزغ مع المسيحية ، مزج طبيعته السماوية بطبيعتنا الارضية ليخلصنا : وترك لنا مفهوم الشفاعة ؛ شفاعة مريم والقديسين والشهداء ، والذي يدل بحد ذاته على وجود الآخرة : حياة ما بعد الموت . وهذا الرأي يقع خارج دائرة ؛ يوتوبيا المدن ، التي يؤمن كتابها بأمكانية تحققها في الحياة : ضداً على فكرة الدين -اي دين - التي ترى بان تكامل الانسان وتجاوز نقصه البيولوجي يتم بعد الموت ، في ملكوت السماء ، او في الآخرة ، في عالم الغيب . فكرة الحضارة كهدف لم تكن واردة اصلاً في كتب الديانات الثلاث ، انتجتها لاحقاً العبقرية الإنسانية في كتب موسوعية ككتاب قصة الحضارة ، وكتاب : آرنولد توينبي مختصر دراسة للتاريخ ، وهما يختلفان في منهجهما عن منهج : نيتشة وشوبنهاور ، انهما (ويل ديورانت و آرنولد توينبي ) يتحدثان عن نشاط بشري : لعب فيه الدين دوراً تحفيزياً على مواصلة تشييد الأعمال الكبرى في الزراعة كشبكات الري والصرف ، ومخازن الحبوب ، وشق انهار جديدة ، وتربية قطعان الماشية ، وبناء دور العبادات الضخمة كالزقورات والأهرامات والمكتبات وقصور الملوك ، والتجهز للحروب الفاصلة ولمواسم الحصاد . ويشير أدب الحضارتين الفرعونية والسومرية الى ان الآلهة هي التي اوحت بفكرة هذه المشاريع ، وهي التي اوحت بفكرة الكتابة التي ستلعب دور الحافظ لهذا النشاط . والكتابة ركن اصيل من اركان الحضارة ، وهي لا تكتفي بلعب دور الذاكرة في ازمنة التاريخ الجديدة بل وتلعب دور السلطة غير المرئية التي يتم بوساطتها إنجاز مشاريع تتعلق بالجانب الروحي والعاطفي للإنسان ، اذ تدخل طرفاً في صناعة السحر ، واستدرار عطف الآلهة عن طريق كتابة الادعية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س