الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة الوطنية والتحديات القادمة - انتخابات مجالس المحافظات أنموذجاً

فراس ناجي
باحث و ناشط مدني

(Firas Naji)

2021 / 11 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


فيما يتداول بعض الفائزين الجدد في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة حول تشكيل كتلة معارضة للعملية السياسية السائدة منذ 2003، لا يزال الصراع الطاغي لحسم ميزان القوى في المشهد السياسي العراقي يجري بآليات ومنهجية لا تختلف كثيراً عما كان سائداً قبل الانتخابات، وبصورة تشي كأن لم يكن لثورة تشرين أي تأثير حقيقي على هذا المشهد. فما هي اذن الفرصة الواقعية لممثلي قوى المعارضة في البرلمان الجديد في تغيير طبيعة الصراع السياسي في العراق؟ وما هي المواجهة القادمة التي يمكن من خلالها إثبات وجودهم؟

من اللافت في نتائج الانتخابات الأخيرة فوز قوى سياسية تشترك في رفضها للالتحاق بمنهج التوافقية المكوناتية والمحاصصة الحزبية الذي تأسس منذ 2003، وتسعى لتشكيل كتلة برلمانية معارضة من 25 مقعد أو أكثر بوصفه الحد الأدنى لطلبات استجواب المسؤولين الحكوميين. غير أنها على الأغلب لن تنجح في محاولاتها لفتح ملفات يمكن أن تهدد مصالح القوى السياسية النافذة في هذا البرلمان، عند الأخذ بالاعتبار السجل الحافل بالخروقات القانونية والدستورية التي ارتكبتها رئاسة البرلمان السابق – حسب تقرير "المرصد النيابي العراقي" التابع لمؤسسة "مدارك" المستقلة للدراسات – وأرجحية الاستمرار بمثل هذه الخروقات في الدورة النيابية القادمة.

إن ما يجري اليوم من رفض للاحتكام لنتائج صناديق الانتخابات والتهديد باستخدام السلاح من أجل الحصول على مغانم سياسية، يؤكد بأن قواعد العملية السياسية البرلمانية ليست هي ما يحكم ميزان القوى في المشهد السياسي العراقي الهائج، بل أوراق الضغط التي تمتلكها القوى السياسية كالجمهور المؤدلج والفصائل المسلحة والعلاقات مع قوى خارجية مؤثرة. لذلك فالحظوظ الواقعية لأطراف المعارضة النيابية الجديدة لإثبات وجودها هو عبر التنسيق فيما بينهم من جهة، وعبر تمتين تحالفهم مع القوى الاحتجاجية التشرينية والقوى والمنظمات الوطنية خارج البرلمان من جهة أخرى، خاصة وإن هذا التحالف الوطني - الاحتجاجي أثبت قدرته في التأثير على ميزان القوى سابقاً عبر اقالة حكومة عادل عبد المهدي وفرض قوانين جديدة للمفوضية وللانتخابات.
غير إن إعادة تفعيل هذا التحالف ليس بيسير، بل يحتاج الى التحفيز وشحذ الطاقات عبر التهيئة لمواجهة سياسية ضد القوى المكوناتية النافذة من أجل تجاوز الخلافات بين القيادات والاختلافات في الآراء والرؤى داخل المعسكر الوطني – الاحتجاجي، وبالتالي ضمان الفوز فيها. وفي هذا السياق، يمكن أن يكون استحقاق انتخابات مجالس المحافظات ضمن مشروع وطني يهدف الى الحد من سطوة المحاصصة الحزبية على نظام الحكم اللامركزي للمحافظات، هو ميدان المواجهة القادمة التي سيتحتم على المعارضة الوطنية خوضها.

الحكم اللامركزي في محافظات العراق: ضرورة أم حلقة فساد زائدة؟

إن قضية الحكم اللامركزي في محافظات العراق هي موضوع جدلي شائك ومعقد، فمفهوم اللامركزية الإدارية المتضمن في الدستور العراقي لم يأتِ اعتباطاً، بل كنتيجة طبيعية لفشل تجربة الحكم المركزي السلطوي السابق في تقديم الخدمات لمحافظات العراق وفي إدارة شؤون المواطنين وتلبية مطالبهم المحلية. إلا إن فشل نظام المحاصصة السياسي بعد 2003 في تطبيق نظام اللامركزية الإدارية، أدى الى تصاعد الرفض الجماهيري الواسع لمجالس المحافظات بوصفها حلقة زائدة من هدر الأموال وواجهة للمحاصصة السياسية مع العجز في تقديم الخدمات المطلوبة. فقد اضطر مجلس النواب في 2019 – تحت ضغط احتجاجات تشرين – الى إنهاء عمل مجالس المحافظات مع استمرار عمل المحافظين تحت رقابة البرلمان.

وعلى الرغم من أن انهاء عمل مجالس المحافظات أدّى غالباً إلى إنجاز مشاريع عمرانية وخدمية كانت هذه المجالس حجر عثرة أمام تنفيذها، بالإضافة الى استقرار منصب المحافظ الذي كثيراً ما كان عرضة للتسييس أو لمحاولات الإقالة، إلا إن غياب الرقابة المحلية على سلطة المحافظين ليس بالضرورة أمر مستدام أو بدون جوانب سلبية من حيث التفرد بالقرارات وضعف التمثيل المجتمعي والسطوة السياسية. كما إن المطالبة بإلغاء مجالس المحافظات في الظروف الحالية أمر غير واقعي في ضوء أن المحكمة الاتحادية كانت قد قررت أن وجود هذه المجالس هو حقيقة دستورية لا يمكن تجاوزها عبر قانون يقوم مجلس النواب بتشريعه.

انتخابات مجالس المحافظات عقبة أمام المعارضة الوطنية أم فرصة للتغيير؟

إن مواجهة هذا الاستحقاق، يمكن أن يضع المعارضة أمام تحدٍ كبير بسبب مطالبة جمهور مهم من قاعدتهم الانتخابية بإلغاء مجالس المحافظات، وكذلك بسبب كون المعارضة أقلية في البرلمان الجديد، ما يحد من فاعليتها في تمرير رؤيتها حول هذه الانتخابات. ولكن هذا الاستحقاق يمكن أن يشكل فرصة حقيقية للمعارضة لإثبات وجودها وتوسيع قاعدتها الجماهيرية فيما إذا سعت بصورة جدية لإنهاء حكم المحاصصة الحزبية في نظام الحكم اللامركزي الحالي للمحافظات وبما يمكن أن يمثل أنموذجاً للاقتداء به في مسار تغيير نظام الحكم الاتحادي العراقي.
لقد كشفت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة – عبر حساب أصوات الناخبين لمرشحي القوى السياسية المختلفة من على الموقع الرسمي لمفوضية الانتخابات – تغيرَ المزاج الشعبي السياسي على الضد من القوى السياسية "الشيعية" ذات الخطاب الطائفي القريبة من إيران والداعمة للفصائل المسلحة (مثل دولة القانون والفتح والعقد الوطني وحقوق) خاصة في محافظات كانت مركز الاحتجاجات خلال ثورة تشرين. ففي محافظة ذي قار – والى حد مقارب في محافظتي النجف وبابل – لم تتعدى نسبة أصوات القوى السياسية الشيعية 18% من مجموع أصوات الناخبين، بينما كانت نسبة أصوات الناخبين لمرشحي قوى التغيير (امتداد واشراقة كانون ونازل آخذ حقي والمستقلين) 47% من مجموع أصوات الناخبين، في حين حصل التيار الصدري على نسبة أصوات لا تتعدى 16% من مجموع أصوات الناخبين.
هذه الاحصائيات لا تعكس بالضرورة عدد المقاعد التي حصلت القوى السياسية عليها والتي تعتمد على مدى كفاءة ماكنتها الانتخابية، كما لا تأخذ بالاعتبار تأثير المقاطعين، والذين من المحتمل أن يكون تأثيرهم إيجابياً لصالح قوى المعارضة فيما اذا نجحت هذه القوى في اقناعهم بجدوى مشاركتهم في انتخابات مجالس المحافظات القادمة وفي أحقية هذه المواجهة السياسية. لكن على الرغم من كل ذلك، فلا يمكن تجاهل الإشارات الإيجابية التي كشفتها هذه النتائج، والتي إنْ دُعمت برؤية بديلة واضحة لإصلاح نظام الحكم اللامركزي لمحافظات العراق، يمكن أن تحقق اختراقاً حقيقياً في المشهد السياسي المحلي في المحافظات التشرينية لصالح قوى المعارضة الوطنية.

إن وضوح هذه الرؤية البديلة وجلاء معالجتها لأوجه القصور الكبيرة والمشكلات المركبة المرتبطة بتجربة اللامركزية في العراق هو شرط مهم للتواصل مع الجمهور المساند الذي هو بالتالي أحد اهم أسس الفوز في هذه المواجهة. وهذا أيضاً سوف يسهّل بناء هيكلية تنظيمية على أساس أجندة واضحة للتعاون بين أطراف المعارضة النيابية وما بينهم وبين القوى والمنظمات الوطنية خارج البرلمان وأطراف الحركة الاحتجاجية التشرينية.
تستند الرؤية البديلة لنظام الحكم اللامركزي لمحافظات العراق على تغيير منظومة القوانين النافذة الحالية فيما يتعلق بعنوانين رئيسيين: النظام الانتخابي للحكم اللامركزي، وتوزيع أدوار وصلاحيات أطراف تقاسم السلطة في المحافظات، بما يعزز مبدأ الفصل بين السلطات من جهة وتفعيل الحكم اللامركزي في تقديم الخدمات اللازمة للنهوض بواقع المحافظات من جهة أخرى.

تغيير النظام الانتخابي للحكم اللامركزي في محافظات العراق

على الرغم من تخبط مفوضية الانتخابات في إدارة عملية الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الأخيرة، إلا إن الترشيح الفردي وتحديد الفائز بأعلى الأصوات كان تجربة ناجحة بالنسبة لتفاعل الجمهور مع الانتخابات بسبب بساطة هذا النظام وسهولة فهمه من قبل مجموع الجماهير، على عكس القانون النافذ الحالي لانتخابات مجالس المحافظات والقاضي باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واحدة مع اعتماد نظام القائمة المفتوحة وطريقة سانت ليغو في احتساب أصوات الناخبين على قاسم انتخابي هو (1,9). لذلك يمكن أن تعمل المعارضة الوطنية على تشريع قانون جديد لانتخابات مجالس المحافظات يتضمن أحكاماً مشابهة لقانون انتخابات مجلس النواب الجديد، ولكن على أساس مقعد واحد فقط لكل دائرة انتخابية لتأمين عدم ضياع الأصوات الانتخابية للقوى السياسية في الدائرة الواحدة، ولتحقق تمثيلاً أكثر صدقاً لجماهير الناخبين.
كذلك يمكن انتخاب المحافظ بصورة مباشرة من قبل الناخبين ضمن الحدود الإدارية للمحافظات عبر انتخابات مُدمجة مع انتخابات مجالس المحافظات، ومن ثم يتم المصادقة على المحافظ الفائز من قبل مجلس المحافظة المُنتخب ضمن فترة قصيرة محددة بعد المصادقة على نتائج الانتخابات. أما إقالة المحافظ المُنتخب، فلا يمكن لمجلس المحافظة إنفاذه الا عبر أغلبية الثلثين وبشروط محددة تتعلق بتجاوز صلاحياته المثبتة في القوانين.

إن هذا المقترح يعزز الشفافية في اختيار المحافظ والذي يكون أكثر ارتباطاً باحتياجات مواطني المحافظات وإرادتهم، كما يحدّ من تأثير المحاصصة الحزبية على هذا الاختيار، وبدون الحاجة الى التعديلات الدستورية، حيث أشار الدستور العراقي بصورة واضحة في المادة 122 الى انتخاب المحافظ من قبل مجلس المحافظة.

تغيير نظام اللامركزية الادارية في محافظات العراق

لقد تحسنت العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية للمحافظات بعد تأسيس الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات لتولّي نقل الدوائر الفرعية والوظائف لثمانية وزارات مع قبول تخصيصات البترودولار ونصف إيرادات المنافذ الحدودية للمحافظات. غير إنه لحد اليوم لم تمتثل الحكومة الاتحادية لتنفيذ كل هذه الالتزامات التشريعية، خاصة من النواحي المالية. كذلك تقلبت سلطة المحافظ على الأجهزة الأمنية في محافظته بين تعديل وآخر لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، إذ لا تمتد سلطته حالياً على الجيش الذي يتولى قيادة الملف الأمني ولا على التشكيلات الأمنية الاتحادية مثل جهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني والحشد الشعبي. لقد جعل ذلك دور قوى الأمن المحلية محدوداً، على الرغم من تسلم وزارة الداخلية ممثلة بالشرطة المحلية مسؤولية الملف الأمني في عدد من المحافظات الوسطى والجنوبية.

أما تشريعياً، فقد أزال قرار المحكمة الاتحادية (155/اتحادية/2019 وموحداتها في 2 حزيران 2021) بعض الالتباس حول تداخل صلاحيات الأطراف التي تتقاسم السلطة في المحافظات والتي تشمل الحكومة المركزية في بغداد، ومجلس النواب العراقي، بالإضافة الى مجالس المحافظات والمحافظين. فقد حدد هذا القرار أن مجالس المحافظات – التي تخضع لرقابة مجلس النواب – تعدّ هيئة إدارية محلية لتنفيذ الصلاحيات الإدارية والمالية من غير ممارسة الصلاحيات التشريعية. أما المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، فهو الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة، وسلطته التنفيذية المحلية هي امتداد للسلطة التنفيذية المركزية وفق سياستها العامة، وهو يخضع الى الرقابة الدستورية من قبل مجلس النواب والى الرقابة الإدارية من قبل السلطة التنفيذية عبر ارتباطه بكافة الوزارات الاتحادية.

ورغم ذلك، لا يزال هناك إرباك في تحديد بعض أدوار وصلاحيات هذه الأطراف التي تتقاسم السلطة في المحافظات. فعلى سبيل المثال، يمنح قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم مجالس المحافظات صلاحية اصدار التشريعات المحلية لتنظيم الشؤون الإدارية والمالية ورسم السياسات العامة للمحافظة، ما يتعارض مع قرار المحكمة الاتحادية المشار اليه ويتداخل مع صلاحيات الحكومة المركزية ومجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة الى صلاحيات تعيين واقالة كبار المسؤولين في المحافظات، إذ قررت المحكمة الاتحادية أولوية مجلس الوزراء في هذه الصلاحيات.
لذلك يتعين على المعارضة الوطنية تشكيل رؤية واضحة ومتكاملة لتغيير نظام الحكم اللامركزي في المحافظات عبر تغييرات تشريعية للنظام الانتخابي وتضمين ضوابط جديدة لفك التداخل في الصلاحيات بين السلطة الاتحادية ومجالس المحافظة والمحافظين، تعمل على تحديد صلاحية مجالس المحافظات لتكون رقابية وتخطيطية فقط، فيما يتم تفعيل صلاحية المحافظين التنفيذية بما فيها تعيين واقالة كبار المسؤولين في المحافظات والمسؤولية الكاملة عن الملف الأمني.

إن معظم القوى السياسية النافذة قد حددت موقفها من انتخابات مجالس المحافظات، إذ تم انجاز مشروع تعديل القانون الحالي لهذه الانتخابات ليتشابه مع قانون انتخابات مجلس النواب الجديد من قبل لجان البرلمان القديم على الرغم من عدم طرحه رسمياً على البرلمان. لذلك سيتحتم على المعارضة الوطنية حسم خياراتها في مواجهة هذا الاستحقاق الانتخابي بين احتمالين. فإما التشتت في المواجهة – بين مشارك ومقاطع - وبدون رؤية مشتركة واضحة ومتكاملة للتغيير المطلوب لإصلاح نظام الحكم اللامركزي، وبهذا يمنحون الفرصة لغرمائهم أن يزدادوا قوة، فيما يمكن أن يخسروا هم حتى رصيدهم الجماهيري الذي حصلوا عليه في الانتخابات الأخيرة. وإما أن يكون خيارهم هو تنضيج رؤية متكاملة وواضحة يمكن من خلالها استثمار الخرق الانتخابي الذي حققوه في المحافظات الثائرة لتوسيع جمهورهم من خلال التفاعل مع هذه الجماهير وطنياً عبر التعديلات التشريعية المطلوبة للقوانين، ومحلياً عبر العمل للفوز في انتخابات مجالس المحافظات والمحافظين. في هذه الحالة تكون فرص الفوز للمعارضة الوطنية أكبر، كما يمكن لهذا الفوز أن يُمكّن المعارضة من إدارة محافظات كاملة برؤية وطنية تشرينية مع تحقيق إنجازات على الأرض أمنية وخدمية بما يلبي من طموح مجموع الجماهير.

عندها تكون المعارضة قد نجحت في نقل الصراع ضد القوى المكوناتية من المستوى الوطني – حيث ميزان القوى لصالح القوى المكوناتية – الى المستوى المحلي حيث تكون المعارضة الوطنية أقوى بجماهيرها الساندة وارتباطاتها بالحركة الاحتجاجية بما يمكن أن يحقق لها الفوز في هذه المواجهة، عندئذ يمكن أن يشكل هذا الفوز نقلة نوعية في عمل المعارضة من حيث بناء الثقة بين أطرافها وبين جمهورها المساند، ما يمكن أن يتعزز في المواجهات السياسية القادمة ويحقق التغيير المنشود في الانتخابات النيابية المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء د.قدري جميل على قناة سكاي نيوز عربية 11/12/2024


.. Mohammed Benmoussa : Les pistes de Benmoussa pour sortir du




.. الصحراء الغربية: زعيم البوليساريو.. -محكمة العدل الأوروبية ت


.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو




.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب