الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتاوى التمييز الجنسي !!

أمل زاهد

2006 / 8 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يطيب لي ما بين آن وآخر أن أطلع على ما يدور في أروقة برامج الفتاوى على الفضائيات ، رغبة في التعرف على الخرائط الذهنية لعقلنا الجمعي ، وأي الأمور والإشكاليات تلك التي تلعب الدور الرئيس فيما ينتابه من قلق وتوتر ، يعبر عنه من خلال الأسئلة الدائرة فيها . والحق يقال أن المرء أحيانا لا يملك إلا أن يتعجب من طبيعة تلك الأسئلة المجسدة للتبعية المطلقة للفقيه أو المفتي في فشل تام لرفع صوت اعتراض أو حتى علامة استفهام لما قد يتنافى تماما مع أبسط البديهيات والمسلمات والتي لا تحتاج إلى استفهام أو تساؤل ، أو إلى وجهة نظر دينية فيها . مع غياب كامل للعقلية النقدية القادرة على تفكيك رأي الفقيه أو المفتي ، فكل رأي يخرج من تحت قلنسوة دينية هو حق مطلق لا يجوز مراجعته أو مناقشة حيثياته !! مع الرغبة الدائمة في البحث عن رأي مفتي أو فقيه حتى أننا لن نتعجب لو تأبط الفرد العربي ذراع مفتي في كل مكان يحل فيه حتى يستعين به في كل تصرف يزمع القيام به !!
إحدى السائلات من دولة سوريا في إحدى تلك البرامج سألت الشيخ المصري الجنسية ، بصوت متهدج يتداخل فيه الإحساس بالذنب مع الإحساس بالقهرعن اضطرارها عن التنفيس عن نفسها ببعض الشتائم حين يغادر زوجها المنزل ، والذي يبدو أنه يمارس عليها عنفا ماديا و معنويا ، تحاول جاهدة كبح جماح ردود الفعل المتناسلة منه حتى يخرج فتنطلق كلماتها الغاضبة من فيها وقد أمنت على نفسها مما قد تحدثه تلك الكلمات من كر وفر و معارك داخل المنزل. ولكن الشيخ الجهبذ لامها على فعلتها واستنكر عليها التنفيس عن نفسها بالكلمات ، ثم استطرد قائلا أن واجب المرأة يقتضي أن تكون الوعاء الذي يسكب فيه زوجها غضبه ويلقي فيه بالافرازات المحتقنة الناتجة عن أعباء كسب العيش التي يواجهها في نهاره ، ثم أضاف عبارة : أين ينفس إذا لم ينفس فيكِ أنت ؟ ! أتريدينه أن ينفس في والدته ؟!
وبينما راح مقدم البرنامج يراجع المفتي قائلا أنه يجب أن لا يفهم الرجل المسلم أن معاملة الزوجة بشراسة وعنف احدى الأمور المحبذة أو المتقبلة في الإسلام ، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان رقيق المعاملة دمث الخلق مع زوجاته ، إلا أن المفتي أصر على موقفه وذكر المرأة المسكينة أن الصبر على خصال زوجها السيئة قد يكون المعبر المفتوح على مصراعيه لها حتى تمر من خلاله إلا الجنة . لم أستطع أن ارى في موقف الشيخ ذاك إلا تأصيل وتجذير لنظرة ذكورية بغيضة بعيدة كل البعد عن روح الدين ، تتعامل مع المرأة من منطلق استعلائي يفترض أنها خلقت لكي ينفس فيها الرجل احتقانات يومه ، فذلك الشيخ يفترض أنه من المحتم أن ينفس الرجل عن غضبه في امرأة من المحيطات به فإن لم تكن الزوجة فهل من المعقول أن تكون الأم ؟! ولذلك شجعها على أن تتحمل سوء خلق الرجل وشراسته ومعاملته اللاإنسانية لها . وهذه النظرة أيضا تعزز مركزية الرجل الواجب أن تدور المرأة حول بؤرتها ، وترسم خطوط علاقة تفترض أن طرفيها لايخرجان عن كونهما سيد ومسود وليس شريكين يقتسمان تعب الحياة ونصبها وفرحها وسروروها معا !! وهذا الموقف يخرج من ثنايا ثقافة ذكورية لا ترتقي لجوهر الدين الإسلامي السمح والذي حث الرجل على معاملة المرأة من منطلق الشراكة والندية التي تفترض المودة والرحمة والتعامل الراقي القائم على احترام كرامة المرأة وإنسانيتها وقد قال الرسول الكريم : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي . كما اوصى في خطبة الوداع بالمرأة فقال صلى الله عليه وسم : رفقا بالقوارير ، وكان يرتق ثوبه ويخصف نعله وينظف بيته ويساعد أهله في اعباء المنزل .
والكارثة أن ثقافة (التصبير) التي ينمذج لها الموقف المعروض آنفا والصادر من الشيخ تساهم في تقبل المرأة لدور الضحية فتقبل الظلم على نفسها وتستمرأه بل تعتبره الأصل في العلاقة بينها وبين الرجل ، فهي تصبر وتراكم الغضب فوق الغضب وتكبت فوهته رغبة في الثواب الذي ستحصده يوم القيامة !! كما تساهم أيضا في أن يتمادى الرجل في ظلمه للمرأة وفي سوء معاملته لها لأنه لا يلمس على أرض الواقع رد فعل مقاوم للظلم . ودون شك صدور هذا الرأي من رجل دين يمنحه صفة القداسة ويكسوه بردائها المهيب الذي يغمم عيني المرأة تماما عن رؤية الحقيقة ، ويخصب لتكوين تربة نفسية لا تستنكر الظلم ولا تستهجن حدوثه فمن شروط حدوث الظلم أن يكون هناك طرفا يتقبله ويرضى به ولا يسعى جاهدا كي يقاوم جنوحه وانحرافه ، ثم تمرر المرأة ثقافة تقبل الظلم لأطفالها اللذين تقوم بتربيتهم وقد نجد في هذا تفسيرا لانتشار الظلم والفساد السياسي والاجتماعي في الدول العربية وسكوت الناس عليه !! وكما يقول مالك بن نبي المفكر الإسلامي المعروف أن القابلية للاستعمار هي التي تجعل المستعمر قادرا على اقتحام الأرض واحتلالها ، وكذلك حتى يحدث الظلم لابد من وجود القابلية له والتربة المذللة كي يرمي ببذوره فيها ، فتنمو وتترعرع ثمار الظلم في مجتعاتنا خاصة وهي تكتسب الشرعية ممن يتحدث باسم الدين ويقرأه قراءة توافق هواه وتوافق الثقافة الذكورية التي تضرب بجذورها في البنية الفكرية للعقل العربي . حتى أننا نرى المرأة العربية في مواقف كثيرة تنافح وتدافع عن مفاهيم تمتهن كرامتها وتتعدى على إنسانيتها لأنها لم تستطع أن تتخلص من تلك القيود الثقافية التي تتشعب في خلايا فكرها والتي تظن أنها جزءا من الدين في حين أنها تنأى وتبتعد عن مقاصد الشريعة وأهدافها .
وثقافة التصبير هذه والمنتشرة في مجتمعاتنا العربية لا تساهم في رأب الصدع في مؤسسة الزواج والتي تعاني دون شك من هبوط حاد في أسهمها ويتمثل ذلك جليا في ارتفاع معدلات الطلاق في كافة المجتمعات العربية من جهة وفي ظاهرة العزوف عن الزواج من جهة أخرى ، بل تؤدي إلى المزيد من الاورام المختبئة تحت ثوب الصبر والتصبير، والتي لا بد أن يأتي اليوم الذي تعبر فيه عن نفسها مفجرة حممم البراكين التي تستعر وتتأجج داخلها . لأن التصبير أو الحث على الصبر على الاوضاع السيئة لا يقدم حلولا جذرية للمشاكل من أصولها بقدر ما يعطي حقنة مورفين تسكن الألم وتهدأ من شدته مستخدما من الثواب والأجر الأخروي محفزا ، بينما يبقى المرض ينهش في جسد علاقة الزوج بالزوجة ويمعن فيها استفحالا وانتشارا . والصبر على الظلم والعنف الجسدي والمعنوي الصادر من الرجل يولد دون شك عنفا مضادا من المرأة بحق الرجل ، فهي تصبر حتى يأتي الوقت الذي ينفجر فيه أنبوب الصبر مغرقا الأسرة ومن فيها بفيضانه . وفي تصريح لرئيسة لجنة الأسرة في جمعية حقوق الإنسان السعودية جوهرة العنقري على العربية نت أن الجمعية رصدت حالات عنف ضد الرجال ورغم قلة حدوثها مقارنة بالعنف ضد المرأة والأطفال فإنها تترواح ما بين عنف جسدي ونفسي وحرمان من الحقوق ارتكبتها الزوجات وجرائم قتل ارتكبها الأبناء .
ولابد هنا من فك الالتباس بين الصبر المحمود والصبر المذموم ، فالصبر المحمود هو الصبر على نوائب الحياة ومصائبها والتي لا يملك الإنسان لتفاصيلها تغييرا أو تبديلا فهو يؤجر على الصبر عليها وتقبلها ومحاولة انتشال نفسه من مهاوي اليأس والإحباط الناتجة عنها . أما الصبر المذموم فهو صبر على الجور والظلم وانتهاك الحقوق مع قدرة الإنسان على رفضها والتملص من قبضتها وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من أعطى الذلة لنفسه طائعا غير مكره فليس منا ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله