الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الفقيه الأناني

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد أكثرنا من مقولات "الطبع يغلب التطبع" و "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام" على نحو إثبات مشكلة التكوين النفسي والسلوكي قبل التدين والاعتقاد، فالبشرية لم ترى في تاريخها طيفا أبيض للدين أبدا بشكل مطلق ومتصل، بل رأت في غالب أحوالها أن الدين كان وسيلة للقهر والابتزاز والظلم أكثر من كونه وسيلة للعدل والرحمة والإنصاف..

ومن تلك الزاوية عمل المصلحون على تهذيب طباع الناس أولا قبل تهذيب رؤيتهم للدين، لأن الطباع هي الأساس..فلا عقيدة يمكنها أن تهذب مسلما يرى ضرورة قطع رقاب الناس وجلدهم على الصغائر والشبهات..لكن الطباع يمكنها ذلك إذا توافر لديه قسطا من العدالة والرحمة وسعة الأفق، فنشأ بناء على ذلك "منهج التأويل" الذي هدف في المقام الأول لتهذيب رؤية الإنسان بالكامل للحياة والكون وعدم الوقوف على ظواهر النصوص والعقيدة..بل رأى ضرورة استخراج صور ذهنية وعملية صالحة تليق بمقام الدين ومركزيته في النفس..

وفي كتبي ومجالسي أردد دائما أن "الرغبة تسبق الحُكم" فلو لم يرغب الإرهابي أن يقتل مرتدا أو مخالفا لوجهة نظره ما بحث عن الحكم الديني لذلك بل بحث عن تأويله إن أمكن أو في طرق عملية لتجنيب نفسه ويلات ذلك العمل المرفوض، وبمطالعة كتب الفقه الإسلامي – كمثال – رأينا هذه القصة واضحة في ما يسمى "العُذر بالجهل" أو "موانع التكفير" فالشيوخ شأنهم كشأن سائر البشر تعرضوا لمحن ونكبات سياسية واجتماعية ونفسية وضعتهم في مأزق من يريدون تطبيق الشرع عليه، فما كان لهم إلا أن يبحثوا عن مخرج لهذا الشرع كي لا يُطبق عليهم أولا ليجدوا مخرجا مقبولا حسب الدين والعقل، ولئلا يُصيبوا مظلوما في المقام الثاني..والاستنتاج الأقرب لذلك أن مصالحهم الشخصية كانت تقتضي الإفتاء بتلك الأعذار والموانع على الأقل لكفّ بطش الآخرين بهم وإقناع جمهورهم بأخلاقيتهم وصوابية مواقفهم بالمُجمَل..

الثابت أن كل شخص يقيس العالم بمنظوره هو ومصالحه هو، ثم يحكم على الناس وفقا لهذا المنظور وتلك المصالح..وبالطبع هذه الأشياء نسبية مختلفة من شخص لآخر وهذا الذي يصنع الخلاف بين الناس، ومن ثم جاءت الحاجة لتوفيق تلك الرؤى والمناظير فكانت دعوات الوحدة على أساس الانتماء ..مثلما يدعو البعض للوحدة بين المسلمين أو العرب كمثال، وبما أنها دعوات عاطفية انتمائية صدمت بحائط صلب جدا من المصالح فتهدّمت تلك الدعوات وانشق أصحابها لفرق، والتاريخ المعاصر يحكي شيئا من ذلك حين أراد جمال عبدالناصر توحيد العرب فانشقوا أكثر..وحين أراد الإخوان توحيد المسلمين فانشقوا أكثر، والسر في ذلك أن تلك الدعوات العاطفية لم تُراع مصالح الناس، فحدث صراعا بين النظرية والتطبيق..وكلما كانت الرؤى الذهنية أكثر عزلة عن الواقع انتصر الواقع وفرض نفسه على الجميع.

أؤمن أن مشكلة الناس في الأخلاق ، فالشخص المتواضع سيرى الناس بقلبه الكبير وروحه السمحة وصدره الواسع، ومن ثم لن يفترض في الآخرين الشر ليعاقبهم عليه..بل سيُحسِن الظن فينعكس ذلك على سلوكه حتى يكتسب الأخلاق ويحظى بثقة الناس، وهذا الجذر هو الصانع لشخصية الزعماء في الحقيقة، فالزعماء بالغالب بدأوا متواضعين حتى وصلوا لقلب الجمهور..والقصة بدأت من اعترافه بالآخر فلولا أن الزعيم اعترف بالآخر وحقوقه ما حصل على ذلك الحب ولا تهذبت روحه أو اعتدل سلوكه، فهو يرى الكون كفضاء واسع جدا لامتناهي بينما هو مجرد "جُسيم صغير" أو "كائن حقير" لا معنى له سوى بالناس، فيرى بحاسته الأسباب والصلات والمؤثرات الجامعة بين البشر فيعمل عليها حتى يرتقي وينجح..

بينما هذا غائب بشكل كلي عن الشخص الأناني الذي ضاقت به الدنيا ولا يرى الكون سوى في نفسه ومصالحه، فالأناني هو أيضا بخيل لا يتصور أن يكون له شهامة ولا قلب كريم ورحيم، فعندما يتدين ذلك الشخص فإنه يعكس بُخله وأنانيته في الخالق والأنبياء والدين..حتى يتصورهم مثله بالضبط، فالله سيدخل المسلم فقط الجنة والسلفي بالخصوص وجماعة كذا بأخص الخصوص ، بينما النبي بُعِثَ بالسيف لغزو الآخرين ثم يرى تلك الرسالة العدائية بالفخر والقوة، وهنا تتجلى سمة من أبرز سمات الشخص الأناني وهي "العدوانية" فينتقل لمرحلة أخرى وهي "الجشع" فلا يكتفي بغزو أمة واحدة أو قتل شخص واحد بل أن شعور الفخر والقوة والزهو الذي يعتريه مع أنانيته وبُخله لا يشعروه بالرضا على ما وصل إليه من مكاسب مادية بل يتمادى أكثر وأكثر حتى يصبح قائدا عظيما وتاريخيا عند أتباعه ومجرما شريرا عند خصومه..

كذلك فالشخص الأناني يرى نفسه عظيما فيعتقد أنه يعرف كل شئ فيتعطل عقله عن التفكير ويتوقف ذهنه عن الإبداع..وهنا يتوقف طواعية عن معرفة الجديد أو هضمه على الأقل فيبدأ مرحلة جديدة وهي (استعداء ذلك الجديد) عملا بقاعدة " أن الإنسان عدوا لما يجهله" وعلى هذا المنوال كانت النخبة المسلمة من رجال دين ومثقفين في الغالب حين استعدوا الحضارة ورأوا الحداثة بمنظار المؤامرة فاتخذوا قرارا تاريخيا بالحرب والصراع مع تلك الحداثة على كل المستويات، ولولا أن تلك الفئة التي استعدت الحداثة ورأت كل منتجها المعرفي كافرا هي فئة أنانية لنظروا إلى النصف الآخر من الكوب..فبُحكم قلبها الواسع وعقله المُتّقد وروحها السمحة يَرون ما غاب عنهم من تلك الحداثة كفكرة مبهرة تستحق النظر والبحث ، فهم قوم يظنون أنهم لا يعلمون سوى القليل ومن ثم يصبح لديهم استعدادا نفسيا لقبول ومناقشة ما جهلوه..

ومن هنا كانت مقولة سقراط الشهيرة "أعلم أنني لا أعرف شيئا" فلولا تواضعه ما تعلم ولا أصبح سقراط، بينما على النقيض من ذلك نرى شخصية ابن تيمية مثلا وهي تقول بكفر وضلال كل مخالفيها تقريبا ، ثم ضرورة قتل هؤلاء حتى لو خالفوه في أمر بسيط وصلت فيه حالات القتل التي أفتى بها 73 حالة، وهو رقم مجنون يقول أن صاحبه يريد إفناء البشرية بالكامل لمجرد وهمه أنه يعلم..بينما الحقيقة أنه جاهل متعصب منغلق ربما أكثر من تلاميذه الذين سمعوه قديما وحديثا..

إن مشكلة الفكر الديني هي في "الفقيه الأناني" تحديدا، فهو الذي يمنع جمهوره عن العلم والحب والانفتاح..في المقابل يغرس فيهم الكراهية والخرافة والعزلة..حتى إذا تطور نسبيا عن محيطه المظلم في جماعته ليترك بعض آفات الأنانية لكنه يظل مُبقيا على البعض الآخر لا يرتقي أيضا ويظل مشكلة وعقبة ضد العقل والتفكير، ونموذج ذلك في أحد الشيوخ الذين تهذبوا روحيا وآمنوا بالإيثار والفضيلة وقُبح الأنانية..لكنه يظل أنانيا حين لا يقبل على نفسه ما يقبله على غيره بدعوى العقيدة، فهو يؤمن بقتل المرتد كمثال لكنه يدعي براءته من الأنانية..فلو قيل له أترضى لو كنت قُرَشيا كافرا أن تدخل الإسلام ثم يقتلوك؟..فلو قال لا قيل له: لقد جعلت الكفر أفضل من الإيمان، حيث تبقى حياتك لو أسلمت بينما تُزهَق لو خرجت، ولو كان ذلك ما يفعله الرسول لأقامت قريشا الحجة عليه وصار دينها هو الأرحم، بينما لو قال نعم فقد جعل حروب قريش ضد الإسلام مبررة وما فعلوه في بدر وأحد والخندق كان دفاعا عن النفس..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الضرورات تبيح المحرمات عند الشيوخ
احمد علي الجندي ( 2021 / 11 / 23 - 16:08 )
سألت مسلمة امريكية لجنة هيئة كبار العلماء انها
:
ام لاربعة اطفال وارملة وتعمل في مكان فيه اختلاط
العمل ضروري وهي مقيمة في امريكا ولا يوجد احد يساعدها
فرد الشيوخ
يجب ان تتركي العمل
لان الاختلاط حرام والله يعوضك خير منه
!!!!

وفي نفس الوقت افتى ابن باز وهو الرجل الاول حتى وفاته
في السعودية
وكبير لجنة هيئة كبار العلماء. عن حكم الظهور بالفيديو
فاجاب انه حرام لانه من الصور المحرمة
وعندما ظهر هو نفسه بالفيديو
اجاب بان الضرورة تبيح المحرمات
لماذا في الحالة الاولى والمرأة مغربة وحالتها حالة لا تنطبق عليها
قاعدة الضرورات تبيح المحرمات
وفي الحالة الثانية انطبقت
انه الفقيه الاناني !!!

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي